السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

زكريا الحجاوي حكاية شعبية على الربابة

زكريا الحجاوي حكاية شعبية على الربابة
23 أكتوبر 2008 23:52
زكريا الحجاوي نموذج لما يمكن أن يتعرض له المبدع والمثقف من جحود ونكران في حياته، حتى أنه في سنواته الاخيرة غادر مصر الى قطر، جراء التضييق التام الذي تعرض له، وتوفي بالعاصمة القطرية الدوحة في 7 ديسمبر 1975 وبعد الوفاة تذكر الرئيس المصري الراحل أنور السادات الصداقة والود القديم تجاه الشاعر والقصاص والفنان، والصحفي· ولد الحجاوي بالمطرية حول بحيرة المنزلة شمال مصر، عام 1914 وكان الابن الخامس لوالديه، وكما هي العادة فإن آخر العنقود يكون مدللا في الاسرة، وفي طفولته اخذ بالموالد والفنون التي تجري فيها من موسيقى وغناء ومواويل وسير شعبية، فضلا عن سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وبلغ ولعه بالموالد أنّه كان يطلب من والده اقامة موالد واستدعاء المشايخ في بعض المناسبات الخاصة كالحج وليلة النصف من شعبان· وانتقل الحجاوي من المطرية الى مدينة بورسعيد حيث التحق باحدى المدارس فيها، ونجح بتفوق وكان ترتيبه الاول على مدارس منطقة القناة، لينال مكافأة من الملك فؤاد الأول، كانت اربعين جنيها ذهبية بالاضافة الى ساعة حائط ألمانية الصنع ظل يحتفظ بها حتى نهاية حياته· والتحق أيضا بمدرسة ايطالية حرة لتعليم الموسيقى حيث اجاد العزف على البيانو وكتابة النوتة الموسيقية، وافاده ذلك فيما بعد في دراساته للفنون، ثمّ انتقل لاحقاً ليلتحق بمدرسة الفنون والصناعات الملكية، وظل متفوقا في دراسته· في القاهرة تفتح وعيه ونشاطه الثقافي والفني والسياسي، فقد أسس جمعية الأطواق بهدف الاصلاح الاجتماعي، ثم اسس جماعة ''النقراشيون'' مع عدد من زملائه نسبة الى الزعيم محمود فهمي النقراشي رئيس الوزراء الذي اغتاله الاخوان المسلمون عام ·1949 وعمل في بداية حياته بمستشفى الحوامدية مسؤولا اداريا وكانت في عهدته بطاطين المستشفى، ولاحظ ان خمس سنوات مضت ولم تستعمل البطاطين ولم يلتفت احد الى العهدة وحين جاء الشتاء وكان قارسا قام بتوزيعها على الفقراء، وبعدها تم جرد العهدة وتبين انها غير موجودة والبقية معروفة، حيث عوقب بالنقل ثم اتجه الى العمل بالصحافة في جريدة ''المصري'' التي كانت تصدر حتى عام 1954 وتولى منصب سكرتير التحرير، ونشر فيها قصصه وأعماله الأولى· بعد ثورة يوليو 1952 بدأ التجهيز لإصدار جريدة خاصة بحركة الضباط الاحرار، وُعهد إلى أنور السادات بتأسيسها وإصدارها، فلجأ السادات الى صديقه زكريا الحجاوي الذي اختار طاقم التحرير، واشرف فعليا على كل شيء حتى انه هو الذي اختار لها الاسم الذي تصدر به وهو ''الجمهورية''، بينما كان السادات يريد لها ان تكون ''التحرير''، وبعد صدور الاعداد الاولى ترك الحجاوي الجريدة تلقائيا· وحين تأسست وزارة الثقافة عام 1957 تمت الاستعانة به ليقوم بعملية مسح لقرى مصر ونجوعها، يجمع الحكايات والفنون الشعبية ويكتشف المواهب الفنية في مختلف المجالات، كما كتب عشرات المسلسلات للإذاعة وأصدر العديد من الدراسات، وقد يكون مهما التذكير بأنه أصدر في عام 1940 مسرحية ''بيجماليون'' التي سبق بها مسرحية توفيق الحكيم، واقام في الجيزة واتخذ من قهوة عبدالله مجلسا ليليا له يجمع حوله المثقفين والكتاب من مختلف الاجيال، وكان من أصدقائه ومريديه أسماء مثل نعمان عاشور ومحمود السعدني ود· سمير سرحان وعشرات غيرهم· وفي عام 1972 هُدم بيته في الجيزة لإنشاء شوارع جديدة، وصار بلا بيت، ولم تكن لديه مقدرة مالية على شراء شقة يسكنها، وفي تلك الفترة بدأت مضايقته في وزارة الثقافة، فقد كان مستشارا للوزير للفنون الشعبية وتولى هذا القطاع ضابط شرطة قديم اتجه الى الادب والكتابة، وكان ذلك الضابط قد تردد على مجلس الحجاوي بالمقهى، وصارحه الاخير بأنه يحتاج الى مزيد من القراءة والدراسة واتقان الكتابة· ودارت الايام وصار ذلك الضابط مسؤولا بالوزارة ورئيسا مباشراً للحجاوي فصار يتعمد إهانته· دافعاً به نحو الاستقالة· في وقت لاحق تلقى عرضا للعمل في قطر، فسافر وشرع في اعداد كتاب عن الفولكلور في قطر، وكان قد اوشك على الانتهاء منه، قبل أن يدركه قضاء الله، كما كان لديه مشروع آخر عن الفولكلور في منطقة الخليج كلها· فور وفاة زكريا الحجاوي امر السادات بنقل جثمانه من الدوحة لتقام له جنازة رسمية، كما وجّه بإقامة متحف باسمه، وأن يُطلق اسمه على المسرح الذي كانت تمثّل عليه مسرحياته، ومؤخرا صدر للكاتب الصحفي يوسف الشريف كتاب ''زكريا الحجاوي موال الشجن في عشق الوطن''· وساطة السعدني لم تنجح قبل سفر زكريا الحجاوي الى الدوحة سعى صديقه الكاتب الصحفي محمود السعدني لدى المهندس عثمان احمد عثمان وكان وزيراً للإسكان وقتها لتوفير شقة للحجاوي، وامكن تدبيرها لكنها كانت على اطراف القاهرة، وهو لا يستطيع ان يعيش بعيدا عنها، فضلا عن ان الشقة صغيرة المساحة، مخصصة لمحدودي الدخل، ولا تتسع بالتالي لأسرته· الغريب انّ الحجاوي لم يفكر في كل الأزمات التي تعرض لها باللجوء إلى أنور السادات، ولو أنه فعل ذلك، فالأرجح أنّ الرئيس لم يكن ليخذله، ولعله لو لجأ الى جيهان السادات زوجة الرئيس لما توانت، ذلك أنّها كانت مهتمة بنتاجه الإبداعي· عفويته لم تعجب السادات تعود علاقة أنور السادات بزكريا الحجاوي الى عام 1945 حيث قام بتهريب السادات من مستشفى قصر العيني حين كان متهما في قضية اغتيال امين عثمان، واخذ السادات في سيارة نقل الى بيته بالمطرية، ليقيم فيه مدة طويلة بعيدا عن الأعين، وبعد ثورة 52 كان السادات يتردد أحيانا على مجلس محمود السعدني، وروى الناقد الكبير رجاء النقاش أنّ الحجاوي حين تأسست جريدة الجمهورية كان يتعامل مع السادات بعفويته المعهودة، ويخاطبه كما اعتاد من قبل، ولم يعجب ذلك السادات الذي اصبح عضو مجلس قيادة الثورة·
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©