الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

السلطان والملكة.. أسرار الكبار

السلطان والملكة.. أسرار الكبار
26 يوليو 2017 20:29
أصدر جيري بروتون بروفسور قسم دراسات عصر النهضة في جامعة كوين ماري في لندن كتاب «السلطان والملكة»، يروي الحقبة التاريخية خلال حكم الملكة إليزابيث الأولى التي حكمت من 1558م وحتى 1603م والعالم الإسلامي، متمثلة في ثلاث إمبراطوريات: العثمانيين والصفويين والدولة السعيدية في المغرب، ابتداءً من منتصف القرن الرابع عشر وحتى بداية القرن الخامس عشر ميلادي، وجاء في 11 فصلاً، و303 صفحات. جوهر الكتاب هو قصة الملكة إليزابيث صاحبة المذهب البروتستاني ومحاولتها إقامة علاقة سياسية نفعية تجاه العالم الإسلامي لسببين رئيسين: الأول فتح أسواق جديدة للبضائع الإنجليزية، بسبب الحرمان الكنسي الذي أصدره البابا بيوس الخامس في 1570م بخصوص التجارة عبر المدن والموانئ بشكل ضيَّقَ على التجار الإنجليز، فما كان من التجار الإنجليز إلا أن أشاروا على الملكة إليزابيث بالتوجه نحو الشرق، بالإضافة إلى أن الوضع الجيوبولوتيكي للإنجليز لم يكن يسمح لهم بتوسيع تجارتهم، حيث كان الإسبان يحتكرون العالم الجديد (أميركا الجنوبية)، فيما يحتكر البرتغاليون أفريقيا وخطوط تجارة الشرق في المحيط الهادي. أما السبب الثاني فهو إقامة حلف سياسي مع العدو الأول للكاثوليكية الأوروبية: العثمانيون والمغاربة. غوص تاريخي لم يقتصر الكتاب على العرض التاريخي لدور الملوك والسلاطين فقط كما هي عادة الكتب التاريخية الكلاسيكية، وإنما أبدع الكاتب - وهو أقرب إلى المؤرخ - أيما إبداع في إبراز دور الإنجليز كالتجار المغامرين، والرحالة، والجواسيس، والجنود، ورجال الدين، والبعثات الدبلوماسية بشكل مفصل في دعم حكم الملكة إليزابيث البروتستاني في مواجهة دول الكاثوليك المعادية، مثل إسبانيا. كما لم يغفل الكاتب عن ذكر دور بعض الرجال غير الإنجليز سواء من الفينيسيين والبرتغاليين والهولنديين والمغاربة والأتراك الذين تحالفوا مع رجال إليزابيث، ومن جميل الشروحات عند الكاتب أنه يأتي بنصوص منسوبة إلى المبعوثين ثم يقوم بإضاءة تفاصيلها، كما في شرح البلاط العثماني، أو عادات معينة من عادات الشعوب. الإنجليز والإسلام عرض الكاتب في البداية التصورات والانطباعات الأولى عند الإنجليز في القرن الرابع عشر ميلادي تجاه الإسلام، والتي كانت غير واضحة المعالم لدى الإنجليز. فالإسلام هم: المحمديون والسارسين والترك، والمور (مسلمو الأندلس والمغرب). كما يبين الكاتب الخلط الذي وقع فيه اللاهوتيون المسيحيون في معرفة وتصور الأتراك، فالعثمانيون عند إيراسموس هم: «مذهب يخلط بين اليهودية والمسيحية والوثنية والآريوسية». وكثيراً ما اعتبر الإسلام وبروز القوة العثمانية هي شكل من أشكال عقوبة الرب على المسيحيين بسب تمزقهم وتفرقهم. فمارتن لوثر مؤسس المذهب البروتستانتي اعترض على بيع صكوك الغفران لتمويل الحرب على الأراضي المقدسة معتبراً «الحرب على الأتراك هو نوع من معارضة إرادة الرب التي تعاقبنا على ذنوبنا». إلا أنه مع مرور السنين وارتياد الإنجليز الشرق، بدأت الصورة تتغير شيئاً فشيئاً، وعلموا أن هنالك فرقاً بين العثمانيين السنة، والصفويين الشيعة، إلا أن الصورة ظلت غير مكتملة، كما لم يغفل الكاتب انعكاس العلاقة الأنجلو &ndash إسلامية على المسرح البريطاني، فهذا الكاتب المسرحي مارلو كتب مسرحيته الشهيرة «تامبورلين» يعرض فيها شخصية تيمورلنك ومسرحية «يهودي مالطة»، وقمة إبداع هذا المسرحي أنه غلف مسرحياته التي تشير إلى العلاقة بين الملكة إليزابيث الأولى والعالم الإسلامي بكثير من مشاهد الخوف، والنفاق، والجشع. بعده يسطع نجم وليام شكسبير إذ يكتب مسرحية «عطيل» بعد وصول البعثة المغربية بأشهر قليلة إلى لندن في عام 1601م. سجل الكاتب عن أحد من يديرون المسرح في تلك الحقبة واسمه فيليب هنسلو، أنه أورد في مذكراته أنه كانت هنالك مسرحيات تم فيها ذكر اسم محمد. لكن من الجانب المسرحي، في شكل عام، لم يكن هناك أي حماسة تجاه العلاقة مع العالم الإسلامي على غرار الملكة إليزابيث والتجار. الأنجلو ــ عثمانية يبرز نجم الرحالة والتاجر الإنجليزي المغامر أنتوني جينكسون، ذي الـ24 عاماً، عندما كان في حلب سنة 1553م وحصل على امتيازات تجارية لرجال الدولة فقط من السلطان العثماني سليمان القانوني، والعجيب في الأمر أنه كان من غير أية أوراق رسمية أو تمثيل دبلوماسي. يقول الكاتب: «إذا كانت العلاقة التاريخية الأنجلو &ndash عثمانية بدأت فهي تعود لجينكسون عندما حصل على الامتيازات التجارية». أكمل العلاقة الأنجلو - عثمانية رجل آخر اسمه هاربورن، وبدأت علاقته مع مستشار السلطان صوقوللو محمد باشا. ويشير الكاتب إلى أن الصدر الأعظم أعطى الموافقة للمستشار على مراسلة الإنجليز لأنهم لوثريون. وتمت المراسلة الأولى في سنة 1579م إذ وصلت أول رسالة من السلطان العثماني محمد مراد الثالث إلى الملكة إليزابيث كرد على البعثة التجارية الإنجليزية التي وصلت إلى إسطنبول، مكتوبة بخط ديواني. أخذت الرسالة ستة أشهر من إسطنبول إلى لندن، بعدها ردت الملكة برسالة في أكتوبر من نفس السنة. استمرت العلاقة ما يقارب سبع عشرة سنة من المراسلات الودية. ومن ظريف العلاقة التجارية بين الطرفين، أن كان التجار الإنجليز ينزعون معادن الأجراس ورصاص الأسقف والقصدير من الكنائس الكاثوليكية وتباع للأتراك الذين كانوا يستخدمونها في الأغراض العسكرية أثناء صراعهم مع الكاثوليك. الأنجلو ــ صفوية تحت حكم الملكة ماري تم تأسيس شركة «مسكوفي» شركة مساهمة عامة تقوم على توزيع الربح والخسارة بالتساوي، وهذا النوع من الشراكة يعد الأول في تاريخ الإنجليز لتوسيع تجارتهم إلى بقية العالم. انطلقت الرحلة الأولى إلى بحر الشمال في تاريخ 10 مايو 1553م، وتم الوصول إلى قيصر التتار إيفان الرهيب، وعقدت معاه اتفاقيات تجارية بين المملكتين، كما طلب منه العبور الآمن باتجاه الأراضي التابعة للإمبراطورية الصفوية. في نوفمبر لسنة 1562م يصل جينكسون ممثل إليزابيث إلى قصر طهماسب في مدينة قزوين. لم يصل الطرفان إلى اتفاق، بسبب قلة معرفة الصفويين بالجزيرة الإنجليزية ولأن اهتمامهم كان منصباً على معرفة قوة الملك فيليب أمام السلطان العثماني. ومن ظريف هذه الرحلة يذكر جينكسون أنه عند خروجه من القصر، كان هناك رجل يتتبعه وينثر خلفه تراب «حتى يتم تطهير المكان الذي مشيت عليه لأني غير مؤمن». أما المحاولة الثانية في إقامة علاقة مع الشاه الصفوي عباس الأول فقد كانت في عام 1598 م، حيث قام الرحالة الإنجليزي المغامر أنتوني شيرلي بترؤس بعثة غير رسمية ولا تحمل أية أوراق اعتماد من الملكة إليزابيث، فقط يحظى بدعم من أحد النبلاء، وحاول إقناع الشاه الصفوي بإقامة تحالف فارسي &ndash أوروبي ضد العثمانيين. والأعجب في هذه الرحلة هو تعيين الشاه الصفوي شيرلي كمبعوث خاص من الشاه لكي يطوف حول العواصم الأوروبية للدعوة لإقامة تحالف صفوي &ndash كاثوليكي ضد العثمانيين.  إلا أن البعثة فشلت فشلاً ذريعاً في مهمتها، إذ منذ البداية لم يمنح الشاه الصفوي أوراق اعتماده لشيرلي في حين أعطاها لسفيره حسين علي بيك بايات حسب أحد أعضاء البعثة. ويورد الكاتب الكثير من الخلافات التي حصلت بين شيرلي وحسين في قضايا من هو المبعوث الرسمي. أيضاً يذكر الكاتب أن هذا الرحالة الإنجليزي شيرلي كان كثير المشاكل والمغامرات والدخول في قضايا ديون مالية إلى أن تم احتجازه في باريس، وفي الأخير لم ينجح شيرلي في مسعاه. الأنجلو ــ مغاربي يرجع الكاتب العلاقة الأنجلو &ndash مغاربية إلى 1551م مستنداً على الجغرافي الإنجليزي ريتشارد هالكويت عندما قام السيد توماس ويندهام بتمويل مجموعة من التجار الإنجليز. كان الإنجليز يصدرون الكتان والصوف والبارود في مقابل استيراد السكر. يذكر الكاتب أن الوفد الروسي الذي كان يجلس بجانب الملكة لاحظ أن أسنان الملكة إليزابيث قد اسودت لكثرة أكلها للسكر المغربي. من الناحية الاقتصادية، وصل استيراد السكر نحو 250 طناً، أي ما قيمته 18 ألف باوند، في حين وصل مجموع الاستيراد إلى 28 ألف باوند. هذه العلاقة بين السلطان أحمد المنصور والملكة إليزابيث أقلقت الإسبان، وبذلك اجتمعت المصلحة السياسية مع الاقتصادية. اقترح السلطان أحمد بن منصور على الملكة تشكيل تحالف عسكري ضد إسبانيا، وأرسل لهذه الغاية وفداً برئاسة «الأنوري» الذي ذهب إلى لندن في سنة 1600م، ليس هذا فقط وإنما تحالف كونفدرالي مسلم &ndash بروتوستانتي ضد الإسبان في أميركا اللاتينية إلا أن المقترح لم يجد الحماس بسبب الخلفية الموجودة عن المغاربة «مور» المرادف للمسلم. تحالفات لم تكتمل ومن عجيب الأقدار أن يد المنون اختطفت سنة 1603م هذا الحلف الثلاثي، بدءاً بالملكة إليزابيث في مارس 24، وفي نفس الشهر يرحل السلطان أحمد المنصور بسبب الطاعون ويتقاتل الأبناء من بعده وتتوقف كل العلاقات الدبلوماسية والتجارية مع إنجلترا. وقبل نهاية السنة يرحل السلطان محمد مراد الثالث بسبب سكته قلبية. خلف الملكة إليزابيث الملك الاسكتلندي ستيوارت جيمس السادس، ولم يستمر على نهج إليزابيث، فما كان منه إلا أن جلس مع الإسبان موقعاً معاهدة اتفاقية لندن، منهياً صراعاً دامياً استمر 19 سنة. وبموتهم أشرفت علاقة إنجلترا مع العالم الإسلامي على الغروب، ولم يحدث بعد هذه التجربة أية تحالفات بين المسلمين والبروتستانت. والعجيب في الأمر أنها تعد علاقة استثنائية ظرفية غريبة الأطوار في عالم كان الصراع بين الإسلام والمسيحية على أشده، لكن في عالم التاريخ والسياسة لكل علاقة ما يبررها، وكل مصلحة تجد لها مكاناً في أشد التناقضات البشرية. المسرح والنفاق السياسي لم يغفل الكاتب انعكاس العلاقة الأنجلو &ndash إسلامية على المسرح البريطاني، فهذا الكاتب المسرحي أندريه مارلو كتب مسرحيته الشهيرة «تامبورلين» يعرض فيها شخصية تيمورلنك ومسرحية «يهودي مالطة»، وقمة إبداع هذا المسرحي أنه غلف مسرحياته التي تشير إلى العلاقة بين الملكة إليزابيث الأولى والعالم الإسلامي بكثير من مشاهد الخوف، والنفاق، والجشع. خلط عرض الكاتب في البداية التصورات والانطباعات الأولى عند الإنجليز في القرن الرابع عشر ميلادي تجاه الإسلام، والتي كانت غير واضحة المعالم لدى الإنجليز. فالإسلام هم: المحمديون والسارسين والترك، والمور (مسلمو الأندلس والمغرب). كما يبين الكاتب الخلط الذي وقع فيه اللاهوتيون المسيحيون في معرفة وتصور الأتراك، فالعثمانيون عند إيراسموس هم: «مذهب يخلط بين اليهودية والمسيحية والوثنية والآريوسية». 17 سنة من الودّ يشير الكاتب إلى أن الصدر الأعظم أعطى الموافقة للمستشار على مراسلة الإنجليز لأنهم لوثريون. وتمت المراسلة الأولى في سنة 1579م إذ وصلت أول رسالة من السلطان العثماني محمد مراد الثالث إلى الملكة إليزابيث كرد على البعثة التجارية الإنجليزية التي وصلت إلى إسطنبول، مكتوبة بخط ديواني. أخذت الرسالة ستة أشهر من إسطنبول إلى لندن، بعدها ردت الملكة برسالة في أكتوبر من نفس السنة. استمرت العلاقة ما يقارب سبع عشرة سنة من المراسلات الودية. عقوبة كثيراً ما اعتبر الإسلام وبروز القوة العثمانية شكلاً من أشكال عقوبة الرب على المسيحيين بسبب تمزقهم وتفرقهم. فمارتن لوثر مؤسس المذهب البروتستانتي اعترض على بيع صكوك الغفران لتمويل الحرب على الأراضي المقدسة، معتبراً «الحرب على الأتراك هو نوع من معارضة إرادة الرب التي تعاقبنا على ذنوبنا». إلا أنه مع مرور السنين وارتياد الإنجليز الشرق، بدأت الصورة تتغير شيئاً فشيئاً، إلا أن الصورة ظلت غير مكتملة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©