السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اختراع شكسبير!

اختراع شكسبير!
26 يوليو 2017 20:31
كانت بريطانيا في العصر الإليزابيثي بلاداً تخضع لرقابة وحشية، لم تكن هناك حريات للتعبير. وكان لدى القصر القدرة على سجن وتعذيب أي كاتب. فعلى سبيل المثال، تعرض الكاتب المسرحي «توماس كيد» للتعذيب حتى الموت. وكان كريستوفر مارلو يواجه تعذيب ما قبل القتل، لكنه تمكن من الهرب. وسجن كل من جون جونسون، توماس ناش، جورج تشابمان، جون مارستون بشكل مؤقت بسبب كتاباتهم. من هنا كان مصدر الاعتقاد بأن شخصاً آخر غير (ابن غلوفر من أبون آفون ستراتفورد) كتب مسرحيات وليم شكسبير. بدأ الشك في موضوع ملكية شكسبير لمؤلفاته لأول مرة في منتصف القرن التاسع عشر، عندما انتشر صيت شكسبير كأكبر كاتب في كل العصور. لكن ما السبب أو الأسباب التي دعت إلى الشك في شكسبير تحديداً؟ معظم الناس على استعداد لقبول أن انجليزياً يحمل هذا الاسم، ولد في 1564 وتوفي في 1616، كتب المسرحيات والسوناتات والقصائد في الفترة الانتقالية التي غيرت الأدب الإنجليزي إلى الأبد، فهل إن شكسبير بالفعل لم يكتب أعماله الأدبية؟ هناك نقاش طويل الأمد بين أولئك الذين يعتقدون أن الرجل من ستراتفورد كتب الأعمال التي تحمل اسمه وأولئك الذين لا يعتقدون ذلك. الأصل المتواضع يبدو أن سيرة شكسبير، لا سيما أصوله المتواضعة وفصول حياته الغامضة، تتنافى مع سمعة تميزه الشعري وسمعة عبقريته، ما يثير الشكوك في أنه ربما لم يكتب الأعمال المنسوبة إليه. ومنذ ذلك الحين، حاول بعض الباحثين جعل المجتمع الأكاديمي الأوسع يهتم بمعالجة المسألة على أنها نقاش مشروع، بدلاً من المحاولات الغريبة التي كانت تجري. لكن ذلك أدى بالنتيجة إلى وجود ما يقارب ثلاثمائة متشكك بحقيقة من كتب مؤلفات شكسبير، جعلوا من تلك الدعوة العامة قضية تؤخذ على محمل الجد. هناك انفصال واضح بين الحياة التي عاشها وليام شكسبير والكتب التي ألفها؛ فمسرحيات شكسبير تظهر إدراكاً شديداً للأدب واللغة وحياة البلاط الملكي والسفارات الأجنبية &ndash وهي مجالات معرفية لن يكون لدى ممثل في بلدة صغيرة، ليس لديه تعليم جامعي أو أي تعليم أو خبرة دراية بها على هذا النحو &ndash ولا يعرف الباحثون شيئاً عن الكيفية التي اكتسب بها اتساع وعمق المعرفة المعروضة في أعماله. ومن ثم يشككون به ويرشحون كتاباً أرستقراطيين كانوا يسافرون كثيراً. جوهر الحجج هو أن شكسبير كان نفسه من بيئة متدنية، لم يتعلم أبداً، ولا بد أنه كان هناك أحد النبلاء الموهوبين الذين يمنعون من ممارسة مثل هذه الإبداعات الدرامية، باعتبارها لا تليق بمستواه الملكي، فدفع شكسبير إلى الادعاء بأنها أعماله، أو أنه اخترع كاتباً شبحاً هو شكسبير. وثيقة «الشك المعقول»! أنشئت وثيقة «إعلان الشك المعقول» من قبل مؤسسة خيرية تعليمية مكرسة لرفع مستوى الوعي حول مسألة هوية شكسبير، وطلبت الوثيقة من عالم الأوساط الأكاديمية أن يقبل أن هناك «مجالاً للشك المعقول بشأن هوية وليام شكسبير» وأن تبدأ البحث الجدي في من هو المسؤول حقاً عن أعماله، وكان من ضمن الموقعين على الوثيقة: تشارلز شامبلين، محرر لوس أنجلوس تايمز السابق، مايكل ديلاهويد، أستاذ اللغة الإنجليزية في جامعة ولاية واشنطن، وروبين فوكس، أستاذ النظرية الاجتماعية في جامعة روتجرز في نيو جيرسي. وهناك بعض الأسماء الأكثر شهرة، مثل مارك توين، تشارلز ديكنز وأورسون ويلز. جادل العلماء بأن معاصري شكسبير أشاروا إليه في الكتابات التاريخية على أنه ممثل، ولم يشيروا إليه صراحة ككاتب مسرحي. ويعتقد أن شكسبير (الذي جاء من ستراتفورد أبون آفون) كان يستخدم كواجهة لحماية هوية الكاتب الحقيقي أو الكتاب الحقيقيين الذين لم يرغبوا أو لم يقبلوا، لأسباب مختلفة، أن يعلنوا عن نسبة الكتابات إليهم. حقيقة أن شكسبير لم يترك الكثير من الأدلة عن حياته وراءه بالنسبة لرجل كان قلمه غزير الإنتاج، تقع في قلب المشكلة. معظم العلماء يتفقون على أن هناك ما يكفي لإثبات أن وليام شكسبير ولد في (ستراتفورد أبون آفون)، وعمل في لندن وتقاعد في ستراتفورد حتى وفاته في 1616. ولكنها بالذات هي النقطة التي ينتهي الاتفاق عندها. يقول المناهضون أنه في الواقع، لا شيء حقيقي يربط شكسبير مع المسرحيات والقصائد والسوناتات المنسوبة إليه، لا شيء يربطه بما سيعرف باسم أعظم مجموعة من الأعمال الأدبية في تاريخ اللغة الإنجليزية. يوافق معظم العلماء على أن وليام شكسبير ولد في ستراتفورد أبون آفون، وقضى بعض الوقت في العمل في لندن قبل أن يعود إلى ستراتفورد، حيث عاش حتى وفاته في 1616. ولكن الوثائق الفعلية لحياته نادرة بشكل مؤسف وهي عبارة عن توقيعات عدة، وسجلات زواجه من آن هاثاواي وسجلات ولادة أطفالهما، ووصية من ثلاث صفحات وبعض الأوراق التجارية التي لا علاقة لها بالكتابة. فوق كل هذا لم يتم العثور على أي توثيق لما يشكل أعمالاً من 37 مسرحية و154 قصيدة (ذات الأربعة عشر بيتاً) التي نسبت إليه، وتعتبر من قبل الجميع أكبر مجموعة من العمل في تاريخ اللغة الإنجليزية. وفي غياب «الدليل» على تأليفها، طرح بعض المتشككين السؤال التالي: كيف يمكن لرجل من هذه الأصول المتواضعة وتلك الدرجة المتواضعة من التعليم أن يأتي بمثل هذه الثراء وبأن يملك هذه البصيرة، والفهم الواسع للمسائل القانونية والسياسية المعقدة، والمعرفة الحميمة بالحياة في البلاط الإنجليزي؟ غياب الأدلة المادية يقول بيتر ستوروك من جامعة ستانفورد إن كلا الجانبين يحافظان على آراء ساخنة في النقاش الذي دام لقرون، ولكن في غياب أدلة مادية نهائية، فإن القرار متروك لكم. ولكن إن شئنا، يمكن التفكير في مسألة التأليف، على حد قوله، من خلال نهج علمي. قبل سنوات، ابتكر ستوروك طريقة جديدة لمعالجة المعلومات باستخدام الإحصاءات. استند أسلوبه إلى مفهوم إحصائي يعرف باسم نظرية بايز، التي تنص على أن الاحتمالات تتغير اعتماداً على المعلومات التي تتوافر لديك. وقال ستوروك ان ادوارد دو فير، ايرل اوكسفورد، هو المرشح البديل الرئيس. وقال أيضاً «إن الأدلة تأتي في أشكال كثيرة». «من المسرحيات، من السوناتات، من التعليقات التحريرية، وهلم جرا.». لكنه يقول أيضاً: «معرفة من كتب المسرحيات، سواء كان اللورد فلان قد كتبها أو كتبتها السيدة فلانة، لن يغير كلمة واحدة في أي من تلك المسرحيات»، «فلماذا يكون الأمر بهذه الأهمية ؟ ما هو الفرق الذي سيصنعه؟» فالوردة ستبقى تملك ذلك العبير الجميل مهما تغيرت تسميتها. ومع ذلك، هناك عدد من الحجج التي تدعم الرأي القائل بأن الشخص المعروف باسم شكسبير لم يكن هو كاتب مسرحياته أو قصائده وأشعاره. فعلى سبيل المثال، لم يكن هناك كاتب مسرحي إليزابيثي يدعى وليام شكسبير، بل كان هناك ممثل إليزابيثي بهذا الاسم ولد في ستراتفورد أبون افون، انجلترا. عندما يتحدث الأكاديميون عن ويليام شكسبير فإنهم يشيرون إلى هذا الممثل بالتأكيد.  لا يوجد دليل على أن وليام شكسبير كان كاتباً. لا توجد مخطوطات أصلية من المسرحيات أو القصائد، ولا رسائل، بل ستة توقيعات هشة فقط، مختلفة عن بعضها بعضاً. وكان كل من والديه، جون وماري، أُميّان. وحتى زوجته آن هاثاواي كانت أمية، وكذلك أطفاله. بالمناسبة، شكسبير هو الكاتب البارز الوحيد في التاريخ الذي يعرف بأن أطفاله أميين. إذا فهو لم يلتحق بأي كلية ولم يحصل على أي تعليم. وقد حاول بعض (الستراتفورديين) ترجيح احتمال أن وليام شكسبير داوم في مدرسة قواعد اللغة في ستراتفورد. ولكن ليس هناك سجلات لهذه المدرسة تذكره، وكذلك هو، شكسبير، لم يذكر هذه المدرسة في وصيته، وإذا كانت هذه المدرسة النحوية مسؤولة بمفردها عن تخريج ربما أكثر علماء القراءة والكتابة في كل العصور، وهي ذات رقابة مذهلة، فكيف لم يرد ذكره في سجلاتها؟  إن عدم وجود أي رسائل كتبها وليام شكسبير هو أمر مهم بشكل خاص. ككاتب عظيم، ينبغي أنه كان قد كتب عدداً كبيراً. فعلى سبيل المثال يبلغ عدد مراسلات فولتير التي تم جمعها ما يقارب 20,000 قطعة. أما بالنسبة لمفردات شكسبير فتعدادها عظيم، أكبر من مفردات أي كاتب آخر، فجون ميلتون في كتابه الجنة المفقودة، على سبيل المثال، وجد فيها نحو 8,000 كلمة مختلفة. حتى نسخة الملك جيمس من الكتاب المقدس، التي ترجمها 48 من أكبر علماء الكتاب المقدس في بريطانيا، فيها 12,852 كلمة مختلفة، ولكن كتابات شكسبير تملك 29,066 كلمة مختلفة. كيف تسنى لشكسبير الوقت للتعلم في المدارس، والتجول في لندن، والانخراط في المسرح، ومن ثم فجأة، وبأعجوبة، امتلاك أعظم عدد من المفردات أكثر من أي فرد عاش في أي وقت مضى. موت بلا ضجة! توفي شكسبير دون أن يلاحظ موته أحد، وقد أفاد مارك توين في أحد كتبه، عن خرافة موت شكسبير، مشيراً إلى أن أحداً في انجلترا لم يأخذ أي إشعار بوفاة الممثل وليام شكسبير: «لم تكن وفاته في بلدة ستراتفورد الصغيرة حتى ذات صدى. هل هذا يعني أنه لم يكن يعتبر من المشاهير في ستراتفورد؟ لم يكن موته أكثر إثارة في انجلترا من وفاة أي ممثل مسرحي مغمور. لم ينزل أحد من لندن. لم تكن هناك قصائد رثاء، ولا دموع وطنية. فهناك تناقض صارخ مع ما حدث عندما توفي بن جونسون، فرانسيس بيكون، وسبنسر، وغيرهم من الذين يقدرهم الشعب في زمن شكسبير! لم يتم رفع أي صوت ينعى المفقود من آفون. ويخلص توين إلى أن الرجل الذي كتب أعمال شكسبير لم يكن من الممكن أن يكون وليام شكسبير. أين مكتبته؟ لم تكن وصية شكسبير إلا عبارة عن أربع صفحات طويلة وبخط اليد، سجلت من قبل محام. في هذه الصفحات الأربع ليس هناك ما يشير إلى أنه كان كاتباً. ولا تذكر الوصية أي كتاب، أو قصيدة، أو عمل أدبي غير مكتمل، أو مسودة مخطوطة من أي نوع.  عدم وجود كتب في الوصية هو شيء غير معقول، أي أن شكسبير لم يكن عنده مكتبته الخاصة. مع وضع أعمال شكسبير الأسطورية بعين الاعتبار، كان يجب أن يكون هناك ذكر لمئات الكتب. المسرحيات التي أسندت له كانت مليئة بالخبرة في مجموعة واسعة من المواضيع، بما في ذلك الأدب المعاصر والكلاسيكي، لغات أجنبية متعددة، معرفة مفصلة عن إيطاليا، لغتها وثقافتها، عن القانون، والطب، والمسائل العسكرية، والملاحة البحرية، والرسم، والرياضيات، وعلم التنجيم، والبستنة، والموسيقى ومجموعة متنوعة من الرياضات الأرستقراطية، فهل يعقل لشكسبير ذاك أن يكون هو مؤلفها.  ماذا حدث لمئات الكتب القيمة التي كان من المفترض أنه جمعها خلال حياته؟ كان هناك بحث شامل في كل خزانة على مسافة خمسين ميلاً من ستراتفورد في القرن الثامن عشر، ولكن المحاولات فشلت في العثور على كتاب واحد ينتمي بالملكية إلى «أكبر مؤلف في العالم». فقد بلغ عدد أعماله في آخر رصد لها، نحو أكثر من 5000 كتاب. العبقرية لا تفك اللغز إنْ افترضنا أن وليام شكسبير كان عبقريا موهوباً «صاحب لقب أعظم كاتب في العالم» مع انعدام المؤهلات، ولكن العبقرية لها حدودها بالطبع. قال المؤرخ توماس ماكولاي: «العبقرية شيء، وامتلاك حصيلة مفردات لغوية للشعر شيء آخر، فلن يتمكن الشاعر من معرفة المفردة الموافقة لفكرته تماماً إنْ لم يكن متعلماً، وكذلك فإن المعلومات والخبرة ضرورية لتعزيز الخيال».  ثم، كان وليام شكسبير، واحداً من أكثر الكتاب غزارة في الإنتاج والأكثر نجاحاً ككاتب مسرحي، مع ذلك، لم يُلقَ القبض عليه ولا مرة. هذه الحقيقة مثيرة للدهشة بشكل خاص نظراً لأن إيرل إسكس قام برعاية أداء مسرحية ريتشارد الثاني لتشجيع التمرد ضد الملكة إليزابيث الأولى. تم القبض على إيرل إسكس وإعدامه، ولكن شكسبير لم يتم استجوابه أبداً. في الطرف المقابل، نجد الكثيرين من مناهضي المشككين في شكسبير ونسب كتاباته له، يجادلون، يسوقون الأدلة العلمية لدعم رأيهم كذلك. ما يعنينا هنا في العالم العربي، هو الفكرة القائلة بأن كل القضايا قابلة لإعادة الدرس والتمحيص التاريخي، وأن أي قضية ينبغي أن تعرض للدراسة أكثر من مرة، وفي أكثر من مرحلة زمنية، فليس هناك شيء مطلق، وأن امتلاك الحقيقة المطلقة خرافة مثيرة للسخرية، وأن من يدعون ذلك ينطلقون من دوغمائية مفسدة، وأن كل أمة بحاجة إلى التشكيك الذي يحيي الإيمان ويجدد الروح. الخوف من التعذيب كانت بريطانيا في العصر الإليزابيثي بلاداً تخضع لرقابة وحشية، لم تكن هناك حريات للتعبير. وكان لدى القصر القدرة على سجن وتعذيب أي كاتب. فعلى سبيل المثال، تعرض الكاتب المسرحي «توماس كيد» للتعذيب حتى الموت. وكان كريستوفر مارلو يواجه تعذيب ما قبل القتل، لكنه تمكن من الهرب. وسجن كل من جون جونسون، توماس ناش، جورج تشابمان، جون مارستون بشكل مؤقت بسبب كتاباتهم. من هنا كان مصدر الاعتقاد بأن شخصاً آخر غير (ابن غلوفر من ستراتفورد أبون آفون) كتب مسرحيات وليام شكسبير. «يقين» مارك توين توفي شكسبير دون أن يلاحظ موته أحد، وقد أفاد مارك توين في أحد كتبه، عن خرافة موت شكسبير، مشيراً إلى أن أحداً في انجلترا لم يأخذ أي إشعار بوفاة الممثل وليام شكسبير. «لم تكن وفاته في بلدة ستراتفورد الصغيرة حتى ذات صدى. هل هذا يعني أنه لم يكن يعتبر من المشاهير في ستراتفورد؟ لم يكن موته أكثر إثارة في انجلترا من وفاة أي ممثل مسرحي مغمور. لم ينزل أحد من لندن. لم تكن هناك قصائد رثاء، ولا دموع وطنية. فهناك تناقض صارخ مع ما حدث عندما توفي بن جونسون، فرانسيس بيكون، وسبنسر، وغيرهم من الذين يقدرهم الشعب في زمن شكسبير! لم يتم رفع أي صوت ينعى المفقود من آفون». ويخلص توين إلى أن الرجل الذي كتب أعمال شكسبير لم يكن من الممكن أن يكون وليام شكسبير. العبير لن يتغيّر يقول بيتر ستوروك من جامعة ستانفورد: معرفة من كتب المسرحيات، سواء أكتبها اللورد فلان أو كتبتها السيدة فلانة، لن يغير كلمة واحدة في أي من تلك المسرحيات، فلماذا يكون الأمر بهذه الأهمية؟ ما هو الفرق الذي سيصنعه؟ فالوردة ستبقى تملك ذلك العبير الجميل مهما تغيرت تسميتها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©