الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

جورج شحادة.. قصيدة أبدية مشحونة بالقلق

جورج شحادة.. قصيدة أبدية مشحونة بالقلق
26 يوليو 2017 21:23
محمد عريقات (عمّان) لكل شاعر طريقته، وأماكن بحثه وأغواره التي يسبرها بأدواته المعرفية والفنية في رحلته المضنية ومهمته المستحيلة للبحث عن جوهر الشعر، منهم من يبحث عنه في السماء، فيصدر عنه قصائد ملائكية لا علاقة لها بالأرض وما عليها، حيث الوداعة والترف المبالغ فيه، ومنهم من يفتشون عنه في الأرض، فتأتي قصائدهم إنسانية مشحونة بقلق الذات وجوهر وجودها وحزنها، فتهجس بما حولها من كائنات وطبيعة وتضاريس، وتصنع من تقاطع علاقاتها أغنية أبدية لا تفنى. لكن الأمر يظل مختلفاً عند الشاعر والمسرحي الفرانكفوني من أصل لبناني جورج شحادة (الإسكندرية 1905- باريس 1989)، فهو الأكثر مشقة من غيره في بحثه عن جوهر الشعر، رغم أنه في رحلته لم يبرح حديقة منزله - منزل الطفولة، ومنزل الحاضر، تلك الحديقة التي قطَّر ورودها، وغربل ترابها، وأخذ عينات من هوائها إلى معمله الشعري الخاص ليخرج بجوهر الشعر في قصائد شاسعة ومكتظة كغابة بكل تعقيداتها وعفويتها، غابة خارجة عن حدود المكان والزمان، تبدأ من أرزة في ذاكرته وتنتهي بسروة عند مدخل البيت. يَحار القارئ حين يطلع على جزء من شخصية هذا الشاعر الغامض، صانع الرموز، الذي لم يكتب بغير اللغة الفرنسية، فسيرته الأدبية تخلو من حوار صحفي واحد، وصور لا تتجاوز أصابع الكف الواحدة، حمل خيمته/ العزلة على ظهره وراح يجوب عوالم غابته/ قصيدته على مدى ثمانين عاماً عاشها شحادة وهو يبدع شعراً ومسرحاً وضعاه في مصاف كبار الكتاب الفرنسيين والعالميين بعيداً عن أضواء الإعلام والعلاقات، أراد لقارئه وناقده أن لا يجدا شيئاً عنه خارج نصه الأدبي، وأن يشكلا صورة لوجهه متخيلة، رغم معاصرته لزمن التصوير بالكاميرا. تناول تجربته الشعرية والمسرحية كبار الكتاب أمثال: «سان جورج بيرس»، «أندريه بريتون»، «رينيه شار»، «أوكتافيو باث». ويقول الناقد الفرنسي المعروف «غايتان بيكون» عن أدب شحادة: «أفتح كتابه الشعري كأنني أفتح صندوقاً مرصعاً بعروق اللؤلؤ، جوانبه الداخلية من شجر الأرز أو من خشب الصندل يعبق منه عطر سرعان ما أميزه من بين جميع العطور، على الرغم من أنه ينتمي إلى شعر جوهريّ، لا زمنيّ، كأنني أسير مغمض العينين في هذه الغابة نحو أريج يوفق بين المركَّب والمرهف على نحو لا أرى مثله في أي مكان». وكانت دار غاليمار الفرنسية التي نشرت الأعمال الشعرية الكاملة لشحادة سنة 2001، ضمن سلسلة شعر غاليمار، قدمت شعره على أنه بساطة لا تنفي السر، تشير إلى إشراق الرموز التي يستحضرها الشاعر غالباً، سواء تمثلت هذه الرموز في المصابيح أو في النهار. فإن جميع قصائده تزخر بضوء يضفي عمقاً على أبسط المشاهد والذكريات التي تتبلور حولها في كلمات قليلة. الحزن والحنين يتحولان بدورهما في هذا الضوء الذي يبدو وكأنه يوقف الزمن. وحتى حين انتقل شحادة بالمطلق من القصيدة إلى النص المسرحي ظل محافظاً على جوهر الشعر، «انطلقت من الشعر إلى الشعر المسرحي لأني رأيت أن على الشعر أن يخرج من قمقمه. الشعر لا يرضى بخصم له، إنه وحش ضارٍ كاسح يلذ له أن يقلب الأشياء رأساً على عقب، علينا أن نُدجّنه ونفرض عليه الاتصال بالأشياء البسيطة»، فأبدع في هذا المجال مسرحيات: «السيد بوبل»، «سهرة الأمثال»، «حكاية فاسكو»، وصولاً إلى مسرحيته الأخيرة والأكثر شهرة «مهاجر بريسبان». يذكر أن جورج شحادة بدأ في نشر أعماله الشعرية سنة 1933، وتعرف في فرنسا على تيار السوريالية، وانتقل سنة 1951 إلى مرحلة النجاحات التي حققتها أعماله الشعرية والمسرحية. منحته الأكاديمية الفرنسية جائزة الفرانكوفونية الكبرى سنة 1986.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©