الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عبد الحميد بعلبكي: أصبح البيت منفى!

عبد الحميد بعلبكي: أصبح البيت منفى!
2 يناير 2006
حاوره في بيروت - حسام العشي: تصوير ـ عزيز طاهر
واقعي، مخلص للطبيعة التي يرمي ريشته فيها فيجيء اللون والايقاع والاحساس والمساحات الواضحة·
وهو أحد الأسماء المميزة على خريطة التشكيل اللبناني وصاحب اتجاه واستاذ مميز في معهد الفنون في الجامعة اللبنانية·
انه التشكيلي اللبناني عبد الحميد بعلبكي القادم من تجربة طويلة، والذي شارك واقام العشرات من المعارض في لبنان والعالم العربي وعواصم عالمية عديدة·
'دنيا الاتحاد' حاورته عن تجربته ورؤاه في هذا الحوار :
ü لماذا التركيز اليوم على الرسم اكثر من الشعر وانت لديك تجربة شعرية؟
üü منذ لحظة وعيي للعالم وميولي متجهة نحو الرسم ونحو الكتابة، عشقت الأدب واللغة العربية وكانت لي محاولات لكتابات بريئة، الى ان كبرت ونشرت العديد من القصائد في مجلة الآداب وذلك في سن ال'·'19
اما الرسم فقد جذبني عالمه منذ دخولي لمعهد الفنون الجميلة سنة ،1976 تعلمت فيه لمدة اربع سنوات، حصلت بعدها على شهادة الدبلوم ونتيجة لتفوقي نلت منحة لمتابعة الدراسات العليا في باريس وذلك لمدة ثلاث سنوات، عدت بعدها لأزاول مهنة التدريس في معهد الفنون ولأكرس نفسي بأعمالي كفنان تشكيلي، استمريت على هذا المنوال مدة خمسة وثلاثين عاما فعرفني الناس رساماً ونحاتاً لا شاعراً·
ü هل زاولت فن النحت ايضاً؟
üü نعم، ويمكنني القول انني اقدر من يجيد تجسيد شكل الوجه المنحوت في الشرق الاوسط·
للسوق أحكامها
ü لماذا يشعر الفنان التشكيلي والاديب بغبن واجحاف في حقه؟
üü سأكون واضحاً معك، حقيقة لو لم يتيسر لي العمل في معهد الفنون الجميلة مدة ثلاثين سنة وكنت وما زلت اتقاضى اجراً عن ذلك، لعانيت مثل كل هؤلاء المبدعين الذين لا يملكون فرصاً للعمل، مما يضطرهم الى تسويق لوحاتهم كيفما كانت الأساليب الامر الذي جعل من النظرة لهذا الفن ناقصة·
ü هل السبب وصول الذوق الى هذا التدني ام ان هناك اكتساحاً لمجالات فنية وثقافية أخرى؟
üü ان اسلوب التسويق هو الذي ادى الى هذه النتائج كما ان اكتساح الفن الهابط ودعم الاعلام له اوصلنا الى ما نحن عليه· فلماذا مثلاً تخصص الصحف اربع صفحات للرياضة وبالكاد صفحة او حتى نصفها للفن والادب، وانا اقصد الفن الراقي لا عرض المفاتن، الحالة نفسها تراها في التلفزيون والاذاعات، فلماذا كل ذلك مع العلم ان الاعلام لو وجّه المشاهد نحو الفنون الراقية لتقبلها بالتأكيد·
محسوبيات وعدم إنصاف
üعلى من تقع المشكلة، على المشاهد أم عليكم؟
üü منذ خمسين سنة كانت الدولة هي التي تتبنى الاعمال الفنية، اما الآن فوزارة الثقافة ويا ليتها غير موجودة يديرها أشخاص غير منصفين ولا يملكون الدراية في الامور بل هناك 'محسوبيات' علائقية، من هنا أراها لا تخدم الثقافة بأي شكل من الاشكال·
üمم تعاني اليوم؟
üüتوجد في اللغة العربية تسمية رديئة جداً وهي 'التقاعد' مع العلم ان ما أعيشه اليوم فترة لالتقاط الأنفاس وعودة الروح واستئناف العمل والنشاط، فأنا الآن أكتب وارسم في نفسي الوقت والحمدلله لا اعاني من شيء·
ü ألا يؤلمك فراغ الوحدة؟
üü نعم انا متألم جداً من هذا الفراغ، خاصة بعدما غيّب الموت زوجتي، فالبيت كبير وانا فيه وحدي، انها معاناة نفسية بالنسبة لشخص حنون ووجداني، لقد غاب الذي كان يشاركني احلامي وافراحي وهمومي·
ü كيف تترجم الوحدة بتعبيرك الأدبي؟
üü اصبح البيت كالمنفى·
ü الم يحاول الاولاد التعويض عن هذا الفراغ؟
üü لكل انسان مكان، فالزوجة لها مكانها والاولاد ايضاً افكر فيهم كثيراً وألتقيهم من وقت لآخر·
ü وهل هذا يكفي؟
üü لا بالطبع، ولكني ديمقراطي في علاقتي معهم، كما تروق لي فكرة خروجهم الى المجتمع ليكتشفوا الحياة وليبدع كل منهم في المجال الذي اختاره· اما من جهة العاطفة الابوية فيعز علينا ان تفرّقنا الامكنة رغم قربنا من بعض، ولكنها سنّة الحياة، فلكل منهم عمله·
أين المفرّ
ü الى أين تهرب في لوحاتك؟
üü اهرب من الواقع الى الواقع الذي أعي تماماً شروطه واتقبلها كما هي، يقول ابو العلاء المعرّي: 'وهل يأبق الانسان من ملك ربه؟'· اذاً، فلا مهرب· لذلك اصور الواقع الحاسم الناقد الساخر غير المستهلك في لوحاتي·
ü ولكن التصوير الناقد الساخر للواقع يدل على عدم الرضى عنه؟
üü اني استمد فكرة اللوحة من الواقع فتدخل الى اعماقي لتخرج مشحونة بالمعاني التعبيرية، لذلك تراها مختلفة عن اصلها الواقعي الحيادي غير الناطق، فالواقع قبل دخول الفكرة هو تراكم لحظات مألوفة تصل معي الى معنى ابعد من الواقع المألوف، ولحظة الوصول هذه هي التي التقطها وأنمّيها لأعطيها معنى عالمي الخاص·
ü ولكن هناك مشاهد واقعية كثيرة لا نجدها في لوحاتك؟
üü لانني ابحث دائماً عن الواقع المألوف المشحون بدلالات والذي لا يمكنك رؤيته اينما كنت، من هنا أرى نفسي رسام الواقع التعبيري·
ü اذاً، انت تنتمي الى المدرسة الواقعية في فنك؟
üü صحيح، ولكنها المدرسة 'الواقعية المكنية' نسبة الى الكناية·
üوهل هي خاصة بك؟
üü اعتقد انه لا يوجد احد يعمل بهذه الطريقة، من هنا ظهرت خصوصيتي·
بين القلم والريشة
üبين قلمك وريشتك، ايهما الجاذب للعدد الاكبر من جمهورك؟
üü في لبنان، نعاني من مشكلة الاختصاص، وكأنك اذا عرفت بشيء ما، لا يمكنك الانتقال او مواصلة شيء آخر· يسألونني احياناً 'لماذا تكتب؟ فأنت رسام'· ونسوا اني بدأت حياتي الفنية بالكتابة وان توقفت عنها لسبب او لآخر، ولكن نزعتها لم تمت في داخلي، اضافة الى اني احب التعبير عن الاشياء بأكثر من طريقة فنية، فأنا احب الموسيقى والديكور والنحت والرواية واهتم بجمع المأثورات والتصوير الفوتوغرافي ولعل الجمهور يحب كل ذلك·
ü لمن تكتب وترسم؟
üü اكتب وارسم اولاً للمتعة الخاصة، لاعبر عن شيء ما في داخلي، اما لمن اوجه القصيدة او اللوحة فهذه في الدرجة الثانية·
ü نتيجة للمتعة الخاصة، ماذا حققت لذاتك؟
üü من الادعاء الكبير ان يقول الانسان 'اعلم كل شيء'، فحقائق الكون والوجود واعماق الحياة بعيدة جداً ومهما حاولت لن تصل الا الى القليل منها·
ü الى اين وصلت في هذا الركض؟
üü الى التعبير الصادق دون مال تجاري كي لا اكون مرهوناً لأحد·
المصالحة مع الذات
ü إلى أي حد يصل هذا الصدق مع نفسك، وكم انت متصالح معها؟
üü لا يمكن لحامل كل هذه الصفات التي ذكرتها الا ان يكون صادقاً مع نفسه، اما التصالح معها· فالنفس تقيم في المنطقة الوسطى بينك وبين الحياة، اي بين داخلك والعالم الخارجي· لذلك تراها حائرة ومظلومة معي لتنقّلي بين الداخل والخارج· ولكني في كثير من الحالات اشعر انني متصالح معها الا ان هذا التصالح لا يعني الرضا· فالشاعر المصري عبد الصبور يقول: 'وذلك ان ما نبغيه لا نلقاه - وما نلقاه لا نبغيه'· فهذه مأساة وجودية بالنسبة للانسان·
ü وأي مأساة اخترت؟
üü شغفي الشديد للحياة يجعلني اقول انني اعيش مع كنه حياتي الداخلية والخارجية كالمسافر المتنقل وفي ذلك كتبت قصيدة اقول فيها:
مسافر أنا في الاشياء اكتبها
افتح الريح أزهاراً وأقمارا·
أمتد في القمم الزرقاء، أركض في
سر الينابيع أعشاشاً واغمارا·
مما تحب ومما لا تحب يدي
أجني المواسم أشواكاً وأزهارا·
أعيدها لغة عذراء أطلقها
في رعشة الصمت والتكوين اعصارا·
أعيدها فرحاً يُدمي، أسدّ بها
جوعي وأجعلها في غربتي دارا·
الرحيل
ü غياب المرأة 'الزوجة' المفاجئ، ماذا أمات وأحيا في نفسك وفي حياتك؟
üü أمات رفيق الرحلة في الحياة المشتركة وعمادها الاساسي الموآنسة· اضافة الى ان الأم في المنزل كخيط السبحة اذا فرط تشتت حباتها· واحيا الحافز على العمل لاني بذلك أُحيي ذكراها التي لطالما كانت تحثني وتشجعني عليه· اما في حياتي فقد اضعف علاقاتي الاجتماعية وانشط خمتي ايضاً على العمل·
فللمرة الاولى اكتب مئة وخمسين صفحة في اسبوع، كل ذلك من اجل تفريغ الشحنات الداخلية المليئة بالرغبة العملية محاولة لتعويض الزمن الضائع·
üما المحور الذي يدور حوله شعرك وألوانك؟
üü في الشعر المرأة بصورة عامة، اما الالوان فتجذبني الطبيعة بكل ما فيها من زركشات·
ü ماذا عن الرسالة التي اعدتها الطالبة في معهد الفنون دانيا كوكب عنك؟
üü انها رسالة تخرجها، اختارتني موضوعاً لها، وفي الحقيقة سرّني الأمر كثيراً فقد افادتني بتنظيم اعمالي وجمعها وضبطها·
ü كيف تقضي اوقاتك الآن؟
üü الى جانب العمل في الكتابة والرسم، الاحق عملاً معمارياً في قريتي، اجهزه ليصبح مركزاً ثقافياً في العديسة البلدة القائمة على الحدود مع فلسطين المحتلة من قبل العدو وكأنه رباط ثقافي·
ü ومن سيستفيد منه؟
üü خطوط الدفاع ليست بالضرورة ان تكون فقط عسكرية، بل يلزم ان تكون الى جانب ذلك خطوط دفاع ثقافية واجتماعية·
ü ما هو جديدك؟
üü أكتب رواية عن مرحلة من العمر عشت فيها علاقة عاطفية·
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©