الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

ناصر عراق يعالج أزمة الإنسان المعاصر وأسئلته الكبرى في «الكومبارس»

ناصر عراق يعالج أزمة الإنسان المعاصر وأسئلته الكبرى في «الكومبارس»
13 سبتمبر 2016 21:52
ظافر جلود (دبي) في الرواية السابعة للروائي والإعلامي ناصر عراق «الكومبارس» الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية للكتاب، يخوض المؤلف هذه المرة في عالم السينما والمسرح والدراما التلفزيونية، من خلال استعراض شخصية الممثل عبد المؤمن السعيد الذي تخرج في معهد الفنون المسرحية بالقاهرة في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي وحقق نجاحاً لافتاً في أثناء الدراسة جراء موهبته الكبيرة، لكن الحظ كان عنيداً فلم يستطع أن يحقق الشهرة والمجد والحضور في الوسط الفني كما كان يأمل! تسير الرواية في خطين متوازيين يتفرع عنهما عدة خطوط متداخلة ومتفاعلة بعضها مع بعض، بحيث تتوحد هذه الخطوط وتتلاقى مع نهايات الرواية المترعة بالشجن والأسى، جنباً إلى جنب الإصرار على معانقة الحياة والتبشير بالسعادة والحرية، إذ لعبت اللغة الرشيقة ومتانة الحبكة والإيقاع السريع في جذب انتباه القارئ وتحريضه على مواصلة القراءة بشغف حتى آخر جملة في الرواية. الخط الأول يبحر في حياة هذا الممثل الموهوب عبد المؤمن السعيد الذي يكابد أوضاعاً نفسية بالغة الصعوبة منذ صغره، فوالده الفقير قتل أمه أمام عينيه عندما اكتشف سوء سلوكها، الأمر الذي دفعه للانزواء في ذاته، وحرمه من التواصل الطبيعي مع مجتمعه، أما موهبته المتدفقة فلم تشفع له في الحصول على المكانة والشهرة والمجد الذي يحلم به كل ممثل، وهكذا انطفأ في أدوار صغيرة غير مؤثرة، كما أنه لم يستطع الاحتفاظ بالفتاة التي عشقها حد الجنون أيام دراسته في معهد الفنون المسرحية، إذ هجرته وتزوجت زميلهما قليل الموهبة ابن الأثرياء. ورغم زواجه من فتاة أخرى وإنجابه ابنتين غير أنه ظل مكتئباً سابحاً في الظل، فقد تابع صعود حبيبته السابقة وزوجها في سماء النجومية المدوية، بينما لم يستمتع هو بنور الشهرة ولو ليوم واحد، الأمر الذي جعله ناقماً ساخطاً على كل شيء! لكن المأزق الوجودي الأكبر في حياته وقع له عندما مات أصغر أبنائه يحيى (8 سنوات) الذي تعلق به كثيراً، حيث لقي الطفل حتفه في حادث سيارة أمام عينيّ والده. هنا انقلبت حياة عبد المؤمن تماماً، ففقد إيمانه بكل شيء، بالأرض والسماء، بالزوجة والأبناء، بالفن والنجومية... لدرجة أنه أوتي قدرة مدهشة على الاستهانة بكل شيء. وهكذا في لحظة يأس مزلزلة هجر بيته وأسرته ورحل إلى إحدى القرى الهامشية في ريف مصر وعاش متنكراً بين أهلها وتورط في العمل مع أكبر تاجر مخدرات في المنطقة لتتصاعد الأحداث بجريمة قتل! أما الخط الثاني في الرواية، فيتناول أحوال زوجة عبد المؤمن وابنتيه بعد أن هجرهن الممثل المنبوذ، والمشكلات التي تعرضن لها قبل وبعد ثورة يناير 2011، فالابنة الكبرى تزوجت من ضابط شرطة اتهم بقتل المتظاهرين في الثورة، والصغرى شاركت بكل جوارحها في الثورة، بينما ارتبطت الأم بعلاقة غرامية مع مثقف ثوري مقيم بباريس لكنه عاد قبيل الثورة ليستقر في مصر ويشارك في الثورة أيضاً. وهكذا... تتناسل أحداث «الكومبارس» في مشاهد قصيرة متواترة تنهض على الربط بين زمنين: الأول يمتد من عام 1966، والثاني من عام 2008، ليلتقي الزمنان في زمن واحد هو ثورة يناير وما بعدها بقليل. وقد اعتمد ناصر عراق منطق اللقطات السريعة الإيقاع، حتى يستطيع أن يخطف أنفاس القارئ منذ السطر الأول ليتابع حكاية فنان موهوب ظلمه مجتمعه من جهة، وتحولات مصر منذ ستينيات القرن الماضي حتى أعقاب ثورة يناير 2011 من جهة أخرى. ويمكن القول إن الرواية ترصد أزمة الإنسان المعاصر عندما يشعر بالضيم والظلم الشديدين في مجتمعه رغم موهبته، فتضغط على عقله الأسئلة الوجودية الكبرى دون أن يجد لها إجابة مقنعة من جهة، ومن جهة ثانية يفوح من أحداثها المتلاحقة اللاهثة أريج الأمل في مستقبل أكثر عدلاً وحرية وجمالاً.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©