السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تجاعيدالزمن لا تحجب سحره لاتلومـوا خريف العمر

تجاعيدالزمن لا تحجب سحره لاتلومـوا خريف العمر
24 أكتوبر 2008 22:44
ينبت الزهر في الربيع·· ويلقي على باب الخريف بعض ظلاله·· لا تلوموا الخريف لو عشق الزهر، وتاقت عيونه لجماله · لا أعرف لماذا تلح عليّ دوماً هذه العبارة التي سمعتها في صباي على مدار شهر كامل، كانت تذاع كمقدمة لدراما إذاعية، عن قصة ''لا تلوموا الخريف'' للدكتور يوسف عز الدين عيسى، ويبدو أنني أحتاج أن أحيا عقوداً أخرى حتى أعي حقيقة خريف العمر، فكثيراً ما نردد عبارة ''لكل عمر جماله''·· وعندما ننظر الى المرآة ونتفحص الخطوط والتجاعيد التي بدأت تزحف على ملامحنا سارقة منا الأيام، ننزعج وتنتابنا مشاعر مثيرة للقلق أو الندم أو الإحباط أحياناً، وعادة ما يصطدم أصحاب هذه المشاعر بحقيقة سنة الخلق، وإرادة الخالق سبحانه وتعالى، وبسنة الحياة وحتمية تجددها· توافق وتكيف يرى سالم الراشدي'' 47 سنة'' أن هناك من ينزعجون، ويصيبهم قلق وغم، ويتحسرون بأسف عندما ينظرون إلى الشباب اليانع من حولهم بل ويحسدونه، ويهرعون إلى الأصباغ والألوان والمقويات لعلهم يسرقون الزمن، وينشغلون بأجسادهم فتنطفئ أرواحهم، ويدخلون في سباق هم الخاسرون فيه حتماً، ويزداد القلق وتزداد الكآبة، فيزداد التهور والاندفاع والانغماس واللهاث وراء ذات فورية مؤقتة تفشل في إرواء الجسد المتراجع· ان لكل عمر طبيعته وقدرته، وعلى الإنسان سواء كان ذكراً أو أنثى أن يتعامل مع كل مرحلة وفق طبيعتها ومعطياتها، ويدرك أن ''دوام الحال من المحال''، وكلما نجح الشخص في تفهم واستيعاب ذلك سوف يرتاح نفسياً، ويصبح قادراً على التكيف مع الحياة بمباهجها، ومآسيها بواقعية وتوافق ونجاح· تراجع وتقول فاطمة الحوسني'' 45 سنة'': إنّ بعض الناس يزعجهم التراجع الجسدي، فيشغلهم عن تعاظم قوى أخرى في داخلهم، ويلهيهم عن متع أخرى لا يمكن إدراكها إلا في هذه المرحلة من العمر· بعض الرجال في هذه المرحلة من العمر يتصورون أن بإمكانهم خداع الزمن، فيتشبهون بشباب العصر في ملبسهم وسلوكهم، ثم يتصورون أن بإمكانهم البدء من جديد، أي كأنهم يبدأون حياتهم فيتزوجون بمن تصغرهم في السن كثيراً، ويدخلون في سباق ومنافسة مرهقة مضنية على صعيد المشاعر والأحلام والطموحات، ويعيشون الوهم، ويتيهون، وتضيع منهم متعة الطمأنينة مع شريك العمر، ورفيق رحلة الحياة حيث كبرا معاً وحصدا معاً، وحزنا معاً، وادخرا رصيداً هائلاً في بنك الذكريات بإمكانهما أن ينفقا منه براحة واستمتاع، وتفوت عليهم فرص التمتع بثمار الشجرة الكبيرة التي بدآها معاً وأثمرت من الأولاد والبنات والأحفاد ما أثمرت، ويداهمهم الاكتئاب وهم يتحسرون بشدة على الشباب الفائت، ويسمى اكتئاب سن اليأس، وهو اكتئاب مرضي يحتاج إلى علاج طبي نفسي حيث يشعر الرجل بالحزن واليأس والقنوط وعدم الرغبة في الحياة والأرق وضعف الشهية مع زيادة في الوهن الجسدي، أو قد تكثر الشكاوى الجسدية دون أن يكون لها أساس عضوي، حالة من توهم المرض دون أن يكون هناك مرض· نقطة الصفر من جانب آخر تضيف جومانا نعيم'' 46 سنة'':'' تزداد نسبة حدوث الاكتئاب بعد المعاش، ولعلها من أكثر فترات العمر حرجاً عند الرجل، وسن التقاعد عند بعض الناس معناه فراغ وضياع السلطة والهيبة، وكأن الرجل كان يستمد كل كيانه وذاته من عمله الرسمي فقط، وأن كل قيمته كانت محصورة في وظيفته، فإذا فقدها أصبح لاشيء بعد أن كان كل شيء، وهذه خطورة أن يصل الإنسان إلى سلطة أو منصب براق أو هام دون أن يكون هناك أساس علمي أو تفوق مهني حقيقي· فإذا ترك وظيفته عاد إلى نقطة الصفر لأنه لم يكن لديه رصيد حقيقي من علم وخبرة وتميز، هذا يحدث في نوعية معينة من الوظائف التي تجعل صاحبها ينشغل بالسلطة ويزهو بالقوة وينصرف عن الاهتمام الواعي الذكي لمستقبله فيما بعد زوال السلطة· وتنقل حدة أعراض مرض المعاش عند هؤلاء الذين يستمرون في عمل جاد ومفيد ومثمر مستفيدين من رصيدهم العلمي الثقافي ذي الخبرة الطويلة، لأنهم أتقنوا صنعة معينة، وأجادوا حرفة خاصة، ووصلوا إلى درجة من النضج والاحتراف بحيث يتلهف الناس على بضاعتهم لشدة إتقانهم وبراعتهم ودقتهم وابداعهم، وهذه البضاعة من الممكن أن تكون رأياً أو مشورة أو حلاً لمشكلة، ولا شيء يوقف مرض المعاش إلا العمل بعد المعاش، ويجب أن يستمر العمل حتى آخر لحظة من العمر، يجب ألا يتوقف الرجل أبداً عن العمل، والعمل بعد المعاش له متعة خاصة، متعة الهواية، متعة العشق، متعة الإرادة الحرة الكاملة، متعة الإبداع والتفنين، هذه متع لم يكن يشعر بها الرجل وهو يمارس عمله في شبابه، هذا بجانب من المتع التي لا تتاح للإنسان إلا في هذه المرحلة من العمر''· ''سن اليأس'' الاختصاصية النفسية سوسن حلاوي تقول:'' ان العلم يطلق على هذه المرحلة ''سن اليأس'' عند الرجال وتبدأ قبيل الخمسين، وعند المرأة قبل هذا السن بعقد من الزمان على وجه التقريب· وهي مرحلة تتصف بالتراجع الهرموني عند الجنسين، وتسبب تساقطاً في الخلايا، وعدداً من التغيرات الجسمية والشكلية بالضرورة، وفيها يخف وهج الرغبة، وتتواضع رعونة النشاط والهمة، وتتباطأ الاستجابة، ويصحب ذلك تغيرات واضحة في الملامح والشكل والقوة والحركة، ويصاحب ذلك تغيرات في النفس فتغشاها كآبة وفتور وانطفاء، وتراجع وانهزام وحسرة وأسى في أحيان كثيرة، وهي نفس المعاني التي يمكن أن نستوحيها بالنظر إلى أشجار الخريف، خاصة اذا كنا من هذا النوع من الناس الذي يزعجهم الخريف، أما الذين يحبون الخريف، فإنهم لا يزالون يرون الشجرة واقفة منتصبة قوية، جذورها ممتدة في الأرض وساقها مرتفعة إلى السماء، وما زالت تجري في شرايينها المياه حاملة عناصر الحياة من الأرض إلى خلاياها، ولا يزالون يرون فيها جمالاً من نوع خاص بعد ذبول أوراقها· إذاً الأمر يتوقف على كيفة النظر إلى الأشياء؟ وكيف نفهم الحياة؟ وكيف ندرك المعنى؟ كيف نرى بانوراما الحياة منذ لحظة الميلاد إلى لحظة الرحيل؟ وما حكمة المراحل التي يمر بها كل مخلوق حي من ضعف إلى قوة، ومن إلى ضعف إلى زوال؟
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©