الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

دق البوظة نغمات دمشقية في أبوظبي

دق البوظة نغمات دمشقية في أبوظبي
24 أكتوبر 2008 22:45
من قال إنّ الموسيقى مقتصرة على آلات العزف؟ ومن قال إنّ الموسيقيين وحدهم المتخصصون في إصدار النغمات؟ يكفي أن يمر المرء من أمام معلم ''بوظة'' شامية حتى يتعرف على فن جديد من فنون اللحن، حيث المشهد التقليدي لصانع البوظة العربية، وهو يمعن في ''دقها'' بأسلوب مرن، وبطرقات لا تشبه إحداها الأخرى· ويروي صانع البوظة أبو عبدو ديوب، خلال زيارة له إلى أبوظبي، أنّ طريقة تحضير البوظة العربية معقدة، وتحتاج إلى المتابعة منذ اللحظة الأولى وحتى تقديمها الى الزبون· ويشرح قائلا: ''توضع في برميل ضخم كمية كافية من الملح الى مكعبات الثلج كي تزيد من درجة تجمده، لأن الحليب بما فيه من ملح وسكاكر لا يتجمد بدرجة الصفر فيحتاج إلى درجة أقل يوفرها الثلج المملح· بعدها يصب الحليب المغلي في برميل منفصل مع قليل من النشاء بما يشبه ''المهلبية'' الرقيقة القوام· ومن ثم يوضع برميل الحليب داخل برميل الثلج والملح كي يتأثر بالبرودة ويتجمد المسحوق سريعا· وهكذا تبدأ عملية التجميد المتكرر والكشط من وعاء الى آخر، الى أن تتماسك المواد ببعضها البعض وينتج عنها مزيج شبيه بالبلورات غير المتجانسة في الشكل واللون''· وبعد هذا كله يحين موعد العملية الأكثر حساسية وهي ''الدق'' اليدوي الذي يضفي نكهة مميزة على الخليط المثلج، بما يضاهي كل أصناف ''الآيس كريم'' المنتشرة في الأسواق· فن السواعد إضافة الى الطعم اللذيذ للبوظة الشامية ''المدقوقة'' يدويا، فإن لتحضيرها حكاية وتفاصيل تشكل جزءا من خصوصيتها· حيث تمر عملية ''دق'' البوظة العربية بفنون خاصة لا تقتصر على الطهي والخلط وحسب، وإنّما تتعداها إلى التجهيز والتحضير، وتزيين الأطباق بالفستق الحلبي والسمسم وجوز الهند، التي تقدم حسب الرغبة· وكما درجت العادة على مر السنين، فإنّ محلات بيع البوظة المنتشرة في دمشق، عريقة تزورها فئات مختلفة من المجتمع منها العائلات والطلاب من سكان الأحياء المجاورة لمكان وجودها، وصولاً إلى الغرباء والسياح· وما زالت إلى اليوم الملاذ الأفضل لكل من أتعبهم التسوق والمشي في الحر، بحيث يجدون طلبهم داخلها بكل ما لذ وطاب· فن ''الدق'' في صناعة البوظة الشامية يعتمد على سواعد العاملين الذين يدقون المواد المثلجة بعصي خاصة، ويضربونها ضربات متزنة ومنتظمة داخل براميل معدنية واسعة تدور باستمرار· وهم بذلك يحدثون موسيقى رنانة كلما صخب ايقاعها شارفت البوظة المنعشة على الجهوزية، ليتم تقديمها مزينة بالفستق الحلبي واللوز وغالبا بالقشدة· وبالعودة الى التسمية التراثية لـ''قيمع العرب'' التي يشتهر بها الدمشقيون على وجه الخصوص، فإنّ ثمة من ينسبها الى أصول عثمانية حيث كانت تدعى ''كيماك''، في حين ينفي آخرون الأمر مؤكدين أنها تنغرس في أعماق البادية والحواضر التي لطالما اشتهرت بالأغنام والأبقار· لكن، وبعيداً عن انتمائها الجغرافي، فإنّ ''أبو عبدو'' يثق بمذاق البوظة المصنعة على يديه، مشيداً بالقبول الذي لاقته من بعض قاطني أبو ظبي، مواطنين ووافدين، تسنى لهم تذوق طعمها المميز عبر عيّنات أعدت خصيصاً لهذه الغاية، وهو الأمر الذي حرضه على التفكير بإقامة فرع لمحله في أبو ظبي، يهدف إلى الترويج لسلعته غير المألوفة هنا· إعادة الكرة وعن الفرق بين طعم البوظة الشامية وسواها من الأصناف المنتشرة في السوق، يتحدث عبدالله يوسف قائلا: ''لا يمكن أن أزور الشام من دون أن أمر بمحلات ''بكداش'' في سوق ''الحميدية'' والشهيرة ببيع المثلجات المدقوقة· وهناك لا يكفي أن أتذوق نوعاً واحداً أو نوعين، بل أسترسل في تذوق مختلف النكهات حتى أشعر بالاكتفاء''· وبلهجة تجمع بين الانتعاش والاشتياق لإعادة الكرة، تذكر آمنة خلف أنه تسنى لها أن تتذوق البوظة الشامية خلال فعاليات أحد المعارض التراثية في العاصمة: ''كان مذاقها رائعاً وسلساً· وهي حقا المرة الأولى التي أشعر فيها بأن المثلجات يمكن مضغها لفترة في الفم من دون أن تذوب بسهولة''· وعليه تنتظر أول فرصة لزيارة الأكشاك الدمشقية الموسمية من باب اعادة الكرة''· من جهته يشير سالم الزعابي الى أهمية التمازج بين ثقافات الدول من خلال الصناعات اليدوية التي تتميز بها حضارة عن أخرى· ''وأجد أن بلاد الشام عامرة بالحرف التراثية والمأكولات والمشروبات، وعلى رأسها البوظة العربية المحضرة يدويا والتي تتربع على عرش أصناف المثلجات الأخرى وتضاهيها لذة''· أما الأطفال فهم الفئة الأكثر قدرة على التعبير لأنهم لا يجاملون لا بالطعم ولا بالقبول ولا بالطلب· ويلخص آراء فئة كبيرة منهم سعيد قيسي وعمره 9 سنوات: ''أعشق ''الأيس كريم'' بكل أنواعها وأعرف أن البوظة الشامية هي الأطيب على الاطلاق لأنني أسمع أبي يشيد بها دائما كلما تذوق صنفا آخر· ولذلك طلبت منه أن يأخذني الى حيث تباع لأتذوقها وأتأكد ما إذا كانت فعلا تستحق كل هذا المدح''
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©