الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عصابات المخدرات··· حرب أهلية في المكسيك

عصابات المخدرات··· حرب أهلية في المكسيك
24 أكتوبر 2008 22:50
بات واضحاً اليوم أن المصلحة الأميركية تقتضي مراقبة أكثر تشدداً وحزماً للحدود مع المكسيك، لكن مصدر القلق هذه المرة ليس تدفق المهاجرين والمخدرات من الجنوب إلى الشمال، بل التدفق العكسي من الشمال إلى الجنوب للأسلحة والذخيرة التي تغذي العنف المتفجر في المكسيك والمرتبط أساساً بتجارة المخدرات وتهريبها عبر الحـــدود والتي لاشك أنها ستبــــدأ قريبــــاً في التأثير على المصالح الأميركية والأمن القومي· فخلال هذه السنة قُتل ما لا يقل عن أربعة آلاف شخص في المكسيك بسبب الصراع بين العصابات المختلفة التي تتنافس فيما بينها للسيطرة على سوق المخدرات وممرات التهريب، وهو ما يشكل -حسب صحيفة ''ريفورما''- ارتفاعاً بأكثر من ثلاث مرات مقارنة بالحصيلة المسجلة في عام 2002 وزيادة بنسبة 65% قياساً لعام،2007 لتبدو المكسيك في ظل هذا الرقم المرتفــــع من القتلى وكأنهــا تخـــوض حرباً أهلية طاحنة· والمشكلة ليست فقط في معدلات العنف التي ارتفعت في المكسيك، بل أيضاً في الطبيعة البشعة للجرائم، حيث تحفل الصحف بعناوين تتحدث عن جرائم لم يكن أحد يتصورها من قبل مثل جز الرؤوس وذبح أفراد عائلات بأسرها، بما في ذلك الأطفال، والقتل الجماعي للعديد من الأشخاص في وقت واحد، ومؤخراً استهداف الأبرياء بالقنابل اليدوية· وهكذا تحولت العاصمة مكسيكو التي شهدت ارتفاعاً صاروخياً في جرائم الخطف والابتزاز إلى عاصمة الاختطاف في أميركا اللاتينية، وهو ما يخلق شعوراً عاماً بانعدام الأمن وشيوع الفوضى، ويبقى المكسيكيون نهباً للعنف الأهوج الذي ما فتئ يجتاح مدنهم ليهدد بالزحف على أميركا إذا لم يعالج في وقته· فالمكسيك مهمة بالنسبة لأميركا ليس فقط لأنها شريكنا التجاري الثالث على مستوى العالم، أو لأنها ثالث مصدر للنفط الأميركي المستورد، بل لأنها أيضاً تجاور أميركا على حدودها الجنوبية وتؤثر على أمننا القومي· فلعقود من الزمن ظلت المكسيك دولة مستقرة تربطها علاقات ودية مع جارتها الشمالية باعتبارها منطقة عازلة ضد الأخطار المحتملة، هذا الاستقرار الطويل جعل أميركا تطمئن إلى الوضع الآمن لحدودها الجنوبية وتغفل الأهمية الاستراتيجية التي تمثلها المكسيك· غير أن التقاعس عن الاهتمام بالحدود الجنوبية وإغفال الوضع الأمني المتردي في المكسيك، قد يؤديـــان بنــــا فــــي النهايـــة إلى دفـــع تكاليف باهظة من أمننا القومي تتجاوز تداعياتها ما يحدث على الحدود، لاسيما أن الولايات الحدودية بدأت بالفعل في ملامسة التداعيات الخطيرة لحرب المخدرات في المكسيك بانتقال شرارتهـــا إلى داخل التراب الأميركي· فكلما ارتفعت نسب الجريمة على الجانب الآخر من الحدود ازدادت معدلات الخطف والابتزاز في الولايات المتحدة بتزامن ملحوظ ولافت مع العنف في المكسيك، لذا يتعين التعامل بحزم مع عصابات المخدرات وإدراجها في خانة الأعداء بعدما قويت شوكتها وتطورت من مجرد وسطاء ومهربين صغار للمنتجين الكولومبيين إلى منظمات إجرامية تهيمن على تجارة المخدرات في أميركا اللاتينية· والأخطر من ذلك هو تغلغلها في مؤسسات الدولة وسيطرتها على عشرات البلديات، فضلاً عن التأثير الكبير الذي يمارسه أفراد العصابات على الانتخابات المحلية في المكسيك وتسربها إلى الساحة السياسية· ولاشك أن استمرار العنف بمعدلاته الحالية وتراجع دور السلطة في حماية المواطنين سينعكسان سلباً على جهود الحكومة المكسيكية في مواجهة الأزمة المالية وتطبيق الإصلاحات الضرورية لتعزيز الاستقرار السياسي والاقتصادي في البلاد، كما أن ضعف المكسيك سيصعب عليها مهمة التصدي لنفوذ هوجو شافيز المتنامي في المنطقة ومحاولاته المتواصلة لتوسيع سياساته اليسارية في المنطقة· وفي ظل هذه الأخطار المتفاقمة على حدودنا الجنوبية، لابد أن يتحول تقليص العنف في المكسيك إلى انشغال أمني يحظى بأولوية قصوى من قبل المسؤولين في الولايات المتحدة، إذ رغم السياسة الصارمة التي انتهجتها الحكومة المكسيكية وإنزالها لآلاف من الجنود إلى الشوارع لمحاربة أفراد العصابات، فإنها لم تستطع فرض الأمن واستئصال المجرمين بسبب ضعف إمكانات الشرطة من جهة واستمرار تدفق الأسلحة عبر الولايات المتحدة من جهة أخرى· وفي هذا الإطار، وافق الكونجــــرس الأميركي على تمريـــر ''مبادرة ميريــــدا'' التي تتيح للمكسيك الاستفادة من الخبرة الأميركية والتجهيزات التكنولوجية المتطورة لمحاربة العصابات وضرب قوتها، ولئن كانت هذه الخطوة مهمة لتعزيز الأمن فإنها مع ذلك تبقى محدودة فيما يتعلق بضبط الحدود ومنع تهريب الأسلحة· وحسب الحكومة المكسيكية، فإن 97% من الأسلحة التي تستخدمها العصابات، بما فيها قاذفات القنابل المستخدمة في الجيوش، تأتي من الولايات المتحدة، تشتريها العصابات من معارض الأسلحة والمتاجر المتخصصة في أميركا لتُهرّب لاحقاً عبر الحدود إلى المكسيك· ولإيلاء الموضوع الاهتمام الذي يستحقه، يتعين على الرئيس بوش، ومن بعده الرئيس المقبل، تكثيف التعاون المشترك على الصعيد الحكومي للقضاء على تجـــارة الأسلحــة غير الشرعيـــة مـــع ضرورة انخراط جميع الجهات المعنية بما في ذلك وزارات الأمن الداخلي والعدل والخارجية والدفاع··· حفاظاً على أممننا القومي· باميلا ستار أستاذة العلاقات الدولية بجامعة جنوب كاليفورنيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©