الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«البُرنس» الأمازيغي يستعيد مكانته بين الجزائريين

«البُرنس» الأمازيغي يستعيد مكانته بين الجزائريين
5 مايو 2013 20:19
حسين محمد (الجزائر) - من أجل إحياء التراث المحلي وإبراز الموروث الثقافي الجزائري العريق، وإقناع الأجيال الجديدة بضرورة التمسك به وتطويره، كثفت وزارة الثقافة في السنوات الأخيرة تنظيم معارض وصالونات لمختلف الصناعات التقليدية التي تزخر بها الجزائر بمختلف مناطقها، ومنها معارض للنسيج والحلي التقليدية والخزف والفخار والنحاس.. وغيرها. ووفاءً لهذا التقليد الثقافي، نظم «قصر الثقافة» بالجزائر العاصمة معرضاً غير مسبوق للباس «البرنس» التقليدي المحلي، وهو لباسٌ تراثي عريق، مُقاوم للبرد، ويُلبس في الأعراس والمناسبات، مصنوع من الصوف أو الوبر، أمازيغي الأصل بشهادة العلامة عبد الرحمان ابن خلدون الذي أكد في كتابه «المقدمة» أن «البرانس أمازيغية الأصل»، وأن «الأمازيغ يفضلون ارتداء البرانس السوداء». شارك في معرض نظم مؤخرا في العاصمة الجزائرية حول اللباس التقليدي «البرنس» 23 عارضاً جاؤوا من 20 ولاية مثّلت مختلف مناطق البلد، وقدّم العارضون تشكيلات متنوعة من «البرانس» مختلفة الأشكال والأحجام والألوان، فبرز «برنس القبائل» وهم بعض أمازيغ الجزائر، من خلال عدد من العارضين الذين قدّموا نماذج منه للزائرين. هيبة وعدالة اجتماعية تتميز «القبائل» الذين يقطنون وسط الجزائر، بصناعة البرانس بيضاء اللون فقط، خلافاً لباقي المناطق التي تنتج أيضاً برانس سوداء ورمادية، كما تتميز بصوفها الرقيق وخِفتها. وتؤكد فرّوجة شافع، خياطة برانس من تيزي وزو، 110 كلم شرق الجزائر، أن «البرنس يُلبس في الأعياد الدينية وأيام الجمعة والأعراس وحفلات الختان، كما يجب أن يرتديه العريس أثناء وضع الحناء، وهو يحمي صاحبه من البرد وخاصة في الجبال، ما ينفع سكان منطقة القبائل الجبلية الباردة في الشتاء». أما سليمان صوالح من ولاية البويرة، 120 كلم شرق الجزائر، فيرى أن «البرنس يمنح مهابة لمُرتديه، ويعدل بين الغني والفقير في المظاهر». ويذكر أن إنتاج البرنس يخضع لعملية دقيقة وطويلة تمتد أشهراً، فبعد جزّ صوف الخروف وغسله وتجفيفه وتحويله إلى خيوط رقيقة على يد نساء مختصات، يقوم الخياط بقياس البرنس، قبل خياطته، بذراع طالبه فقط، وبعد تقطيعه وخياطته يصبح البرنسُ شخصياً لأنه خيط على مقاسه، ولا يرتديه أحدٌ آخر غيره بسبب اختلاف القياسات من شخص إلى آخر. ويؤكد صوالح أن إنتاج البرانس لم يعد مربحاً بسبب غلاء الصوف وارتفاع أجور العمال، ولكنه غير مستعدٍّ لترك هذه المهنة العريقة، وقد أورثها لابنه وعلّمه إياها ليواصل حمل مشعل تراث الآباء والأجداد. أهمية كبيرة لا يختلف برنس منطقة «الشاوية» الأمازيغية شرق الجزائر كثيراً عن برنس «القبائل» من ناحية الشكل، ولكن ألوانه مختلفة ولا تقتصر على الأبيض، كما أنه يُلبس مع «القندورة» وهي رداء أبيض يشبه لباس الخليجيين، ويفضل العريس والإمامُ البرنسَ الأبيض، أما الأسود فيرتديه الفرسانُ في الأعراس والمناسبات المختلفة وينظمون به الاستعراضات على ظهور الخيل وهم يحملون بنادق الصيد ويطلقون البارود، بينما يُخصص البرنس البني لأعيان العشائر ويجتمع هؤلاء وهم يرتدونه، في بيت واحد بغرض حل الخلافات التي تنشب بين مختلف العشائر الأمازيغية بالمنطقة لإقرار الصلح بينها والحفاظ على وحدتها وتآلفها. وتؤكد فضيلة مشري، رئيسة جمعية «أصالة وتواصل» بولاية أم البواقي شرق الجزائر، أن للبرنس أهمية كبيرة لدى أمازيغ المنطقة، وهو أحد عناوين هويَّتهم وموروثهم الثقافي، ويُسمى بالأمازيغية «أَعْلاَوْ»، ويرتديه حتى الأطفال، كما تتوارث البنات نسجه يدوياً عن أمهاتهن، ويستغرق نسج البرنس الواحد على المنسج التقليدي شهراً كاملاً، وتبدي فضيلة سعادتها لعودة الأجيال الجديدة إلى البرنس في السنوات الأخيرة حيث أصبحت المئات من الفتيات يُقبلن على تعلّم كيفية نسجه، كما تبدي ارتياحها للطلب المتزايد عليه من الزبائن حتى الأجانب منهم «لقد اشترى سياحٌ ألمان وفرنسيون وسويسريون بعض البرانس التي أنتجتها بنفسي، هذه المعارض تعيد الاعتبار لمختلف الصناعات التقليدية بالبلد وتعمل على ترويجها». برانس الجنس الناعم خلافاً لأغلب مناطق الجزائر حيث يهيمن البرنس الرجالي بشكل صارخ، فإن مدينة «وهران»، 420 كلم غرب الجزائر، تشهد العكس تماماً؛ إذ يسيطر البرنس النسوي على نطاق واسع. تقول بدرة الشيخ دويس، مصممة أزياء «كان الرجال يحتكرون لبس البرنس بعد أن تنسجه النساءُ لهم، ولكن حينما عزفوا عنه، عزّ على النساء أن يندثر هذا التراث العريق، فابتكرن برانسَ خاصة لهن وتمكنَّ من الحفاظ على هذا الموروث». وتواصل «البرنس النسائي لمنطقة وهران مستمدّ من لباس تراثي عريق يُسمى «الحايك» وهو بمثابة تطوير له». ويتميز البرنس النسائي بألوانه الزاهية وتزيينه بأشكال مختلفة من الطرز اليدوي وزخرفته بـ»العُقاش» و»خيط الحرير»، ويُلبس في الأعراس والمناسبات المختلفة، كما تخرج به أي عروس في المنطقة وجوباً، من بيت أبيها إلى بيت زوجها. أما في الجزائر العاصمة، فالبرنس التقليدي لم يعد له ذلك الوهج والألق كما كان قبل عقود، بسبب زحف مظاهر العصرنة على العاصمة على نطاق واسع، ومع ذلك، فإن هناك نساءً لا زلن ينسجنه ويحرصن على تعليمه لبناتهن. في هذا الإطار، تقول صفية لعزيب، خياطة، وهي تعرض برانس نسوية جديدة لها، وأخرى قديمة لجدتها وأمها تعود إلى سنوات 1912 و1946 بعد غطسها في الماء الممزوج بالكبريت للحفاظ على نصاعة بياضها «هذه المهنة يجب أن تزدهر وأن تُورّث لبناتنا، ويجب أن تُعلّم في المدارس لتحبيب الناشئة فيها، وبرغم كل ما تشهده من تراجع فأنا متفائلة بمستقبلها بالنظر إلى الاهتمام والدعم الرسمي لها من خلال إقامة هكذا معارض والرغبة في إحياء مختلف الصناعات التقليدية». طرز «الأخوات الراهبات» إذا كانت برانس أمازيغ الجزائر موروثاً محليا خالصاً، فإن الوضع يختلف قليلاً في ولاية «ورقلة» جنوب الجزائر، حيث آثرت «الأخواتُ الراهبات»، وهن فرنسياتٌ وأوروبيات كن يعشن بالجزائر أثناء الفترة الاستعمارية ويقدِّمن خدمات إنسانية للجزائريين، إدخالَ تعديلات على البرنس المحلي لولاية «ورقلة»، من خلال زخرفته بطرز يدوي يجسّد خصوصيات هذه المنطقة الصحراوية، من نخيل وإبل ورمال وخيم. إلى ذلك، تقول زهور قوني، خياطة من المنطقة «الكثيرُ من جداتنا وأمهاتنا تعلمن الطرز على يد الأخوات الراهبات في العشرينيات من القرن الماضي، وقد تقبَّل سكان المنطقة هذه الرسوم المطرزة بعد أن أضافت رونقاً جمالياً لبرانسهم»، ويختلف برنس «ورقلة» وباقي مناطق الصحراء الجزائرية الشاسعة عن بقية برانس المناطق الأخرى، بأنه يُنسج من وبر الجمل بالدرجة الأولى، فضلاً عن صوف الغنم، وتباع برانس الوبر رمادية اللون بأسعار باهظة مقارنة بأسعار برانس الصوف. وهناك برانس للرجال وأخرى للنساء؛ حيث يجب أن تخرج العروس من بيت أبيها إلى بيت زوجها، وهي ترتدي برنساً نسوياً نُسج خصيصاً لها بهذه المناسبة السعيدة في حياتها. وتبدي قوني ارتياحها لكثرة إقبال الفتيات على تعلّم هذه المهنة العريقة، ولرواجها بالمنقطة «السياح الأجانب يقبلون كثيراً على شراء برانسنا، وقد اقتنى إسبان وكنديون الكثير منها، كما جاءت سفيرة النمسا بالجزائر واقتنت برانسَ لها ولأفراد عائلتها. هناك المئات من العائلات بورقلة أصبحت تسترزق من هذه المهنة». حرص على التراث حول ما تصبو إليه وزارة الثقافة من إقامة هذا المعرض المتخصص بلباس البرنس، يقول محمد منصوري، مسؤول بـ»قصر الثقافة» أن الهدف الأول من إقامة هذا المعرض هو «تثمين التراث العريق الموروث عن الآباء والأجداد والحفاظ عليه وتوريثه للأجيال في مختلف مناطق البلد»، مضيفا «البرانس ترمز للهيبة والقوة والسيادة والسلام، والوزارة حريصة على إحياء صناعتها وترويجها كما تحرص على ترويج كل الصناعات التقليدية وكل أشكال التراث الجزائري العريق وإعادة الاعتبار لها».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©