الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الثقافة.. واجهة وموجِّهة

الثقافة.. واجهة وموجِّهة
6 مايو 2015 22:34
لا يغيب على ذي حجر ما تتمتع به الثقافة من أهمية في عالم متغير ومضطرب يمور بالأحداث والصراعات والأفكار، فقد أضحت الثقافة لاعباً مهماً، ومؤثراً، في القضايا السياسية والاقتصادية.. بحكم كونها الأداة الناعمة، القادرة على ممارسة دور أساسي في حل وتخفيف حدة الصراعات الدائرة في العالم، من هنا نرى حرص القيادة السياسية في الإمارات، على إيلاء مشروعات هذا القطاع، مكانة معتبرة في استراتيجيتها وخططها الحالية، والمستقبلية. معارض الكتاب لا تقام فقط بغرض جذب الأنظار تجاه اقتناء الكتب، أو حضور لنشاط أو فعالية ثقافية أو لحفل توقيع كتاب، ولكنها تقام في الأساس لتحقيق أهداف محددة، فهي واحدة من الفرص المميزة، للتواصل المباشر بين العارضين والزوار، فضلاً عن كونها مؤشراً معتبراً في تنمية المجتمعات، ومقياساً على مدى ما وصلت إليه من تقدم حضاري وفكري. أبعاد إن المتتبع للتطور النوعي الذي يشهده تنظيم معرض أبوظبي الدولي للكتاب، يلحظ هذا التمازج بين أبعاد مختلفة تصب في مجرى واحد، يخدم ويكمل بعضها بعضاً، من هنا لم يعد هذا المعرض كسابق عهده، من حيث التنظيم التقليدي، بل يجري الاشتغال عليه ليصبح معلماً حضارياً ذا بعد عالمي، ومؤتمراً سنوياً غير رسمي للحوار بين الثقافات. وإنْ دل هذا على شيء فإنما يدل على الارتقاء بالوعي الحضاري. ثمة من يتصور وجود اختلافات وتباينات بين مذهبي الأصالة والحداثة، لكن بوعي من القائمين على الشأن الثقافي، والتوجه العام للقيادة السياسية للإمارات، تم تجاوز كل تلك التخوفات، وأسس لمرحلة أكثر نضوجاً ورسوخاً لتقارب فكري وثقافي، يتم بالتدريج، ويستند إلى قواعد متينة لا ترى تعارضاً بين الموروث الحضاري وحداثة الراهن. يفاجئنا المعرض عاماً بعد عام، بمحددات ومفاهيم أكثر حداثة وتنظيماً، في مجال التنظيم والعرض، واللمسات الجمالية، والابداعية، وتوزيع المساحات، والقاعات، وأيضاً على مستوى البرامج والأفكار المصاحبة، وهو ما يشكل إضافة نوعية للمعرض، ويقدم خدمة ثقافية ذات نكهة عالمية، تثري وتمثل جسراً للتواصل والتعارف مع الآخر. بل إن «المعرض» أصبح منصة فكرية، ومحطة لملتقيات، ومهرجانات احتفالية، ينتظرها الجمهور بشغف، فمن خلالها تتلاقى الأفكار، وتُجرى الحوارات، وتُتبادل الآراء، وتعم الفائدة. معايير عالمية في عمق فكرته وتجلياتها البرامجية لم يعد معرض أبوظبي الدولي للكتاب حدثاً يهم المنشغلين بالشأن الثقافي فقط، بل اتسع ليشمل شرائح ومكونات أخرى، منها السياسي والاقتصادي والتعليمي والخدمي، ما يجعله يضاهي أرقى المعارض العالمية، ويلبي متطلبات التنمية الشاملة، بمفهومها المتكامل، ويشجع على استقطاب وإقامة المعارض والمؤتمرات، بعد أن باتت هذه الصناعة، تحتل مكانة بارزة في أوساط المجتمعات المتقدمة، حيث يسهم القطاع المعرفي بنسبة محترمة في جملة الخدمات المقدمة في السوق، ولم يعد عبئاً اقتصادياً وأمراً استهلاكياً، كما يتخيله البعض، بل أصبح يشغل مساحة معتبرة، وذلك من خلال الأعمال الممارسة في السوق، وحجم الطلب والإقبال المتزايد عليه، واتساع شريحة العاملين في هذا القطاع، خاصة في مجال الأعمال الفنية للتشكيليين، وإسهامات السينمائيين والمسرحيين، وإنتاج وإصدارات الأدباء والكتاب والرسامين. لذلك، هناك جملة من الأهداف والحقائق يسعى معرض أبوظبي الدولي للكتاب تقديمها لهذه الفئة، كلها تصب في هذا الاتجاه، وتأخذ بهذه المعايير العالمية، وتتكامل معها، وتتجسد الحقيقة الأولى في سعي القائمين عليه لتغيير الصورة النمطية السائدة في عالمنا العربي، عن هذا القطاع والشريحة المنتمية إليه، لتنال ما تصبو إليه من تطلعات، والأخذ بها نحو العالمية، في الأعمال والإنتاجات الإبداعية والفكرية، وذلك من خلال أكبر مشاركة عالمية في المعرض، والاستفادة من تجاربها، ومحاكاتها والاطلاع على تجاربها، سواء بشكل رسمي أو من خلال التفاعل الشخصي بين المشاركين. أما الحقيقة الثانية اللافتة لزوار معرض أبوظبي الدولي للكتاب، في السنوات الفائتة، إزالة الكثير من قيود الرقابة، المفروضة على العديد من الكتب والكتاب، وهو ما سهل الوصول إليها وتداولها، خاصة تلك التي تتعلق بقضايا الفكر والحريات، وهو ما يشيع جواً من الراحة، والرضا، في المعرض، ويترك انطباعات مؤثرة عن المعرض، بوصفه نافذة ثقافية، مهمة يطل منها القراء على مستجدات الثقافة والعلوم. وأما الحقيقة الثالثة، فهي أن معرض أبوظبي الدولي للكتاب، يشكل نقطة تحول في تاريخ صناعة المعارض، وإضافة نوعية لمدينة أبوظبي التي تشهد تطوراً حضارياً وعمرانياً، وتحديثاً نوعياً في بنيتها الثقافية، جنباً إلى جنب مع تطور بنيتها التحتية والعمرانية، اتساقاً مع هو متعارف عليه، من أن السمة العامة الحضارية لتطور المدن الكبيرة في العالم وعلى مر العصور، مرتبط باللمسات الجمالية والأبعاد الثقافية لأي مدينة. وثمة حقيقة رابعة تتمثل في حرص القيادة الرشيدة على الجمع بين ماضٍ تليد مرتبط بالأصالة، ومستقبل مرهون بالأخذ بمستجدات وأدوات التطور والحداثة، ولتحقيق هذه الأهداف والتطلعات، يأتي تنظيم معرض أبوظبي الدولي للكتاب وبهذا الحجم والمستوى، ولينسجم مع ما تنفذه إمارة أبوظبي، من مشروعات ثقافية كبيرة، ذات أبعاد عالمية، تهدف إلى بناء تعاون وتشارك ثقافي محلي وخارجي، يعزز من مفاهيم الشراكة بين دول العالم. ويعد بمثابة مؤتمر سنوي غير رسمي للحوار بين الثقافات، يتحاور فيه أصحاب الكتاب مع الناشرين، وعلى هامشه تقام العديد من الفعاليات والأنشطة الثقافية، من ندوات، ومحاضرات، وأمسيات. انسجام تعمل إدارة معرض أبوظبي الدولي للكتاب بانسجام وتناغم مع ما تضمنته الاستراتيجية الثقافية للإمارة، وما تسعى القيادة السياسية لتحقيقه، وهو ما يتضح جلياً، للمشاهد، والمتابع لمفردات وتفاصيل مشروعات العمران والنهضة الحضارية والثقافية لإمارة أبوظبي، وما يمثله تنظيم هذا المعرض بأبعاده المتداخلة، وصولاً لجعل هذه الإمارة تزدان سنوياً باستقبال زائريها بكل ترحاب، كي يكونوا شهوداً على حجم الطموح الذي تسعى له، وعلى كل إنجاز قد تحقق، وسيتحقق في المستقبل في هذه المدينة الجميلة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©