الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

كوريا الجنوبية.. واحة السلام.. وبوابة الشمس.. وعطر الشرق

كوريا الجنوبية.. واحة السلام.. وبوابة الشمس.. وعطر الشرق
28 يوليو 2017 01:46
لهيب عبدالخالق (سيؤول) وسط بحار تحيط بها من جوانب ثلاثة، تطفو أقدام الراكضين الكوريين في بهو الحياة، وتلمع سيؤول تحت خيوط الشمس الذهبية، بينما تصدح أصوات السابلين وعربات الباعة، والركشات في الحي العتيق، التي تزاحم السيارات.. تمتزج الحداثة بالتاريخ.. فهنا البيت الأزرق وسط العاصمة الذي يموج على وقع الأحداث بين شارع يريده منصفاً لحقوقه، وبين وقع الصواريخ الشمالية التي كلما علت سماؤها، خفقت قلوب المدينة.. وخلفه تنتصب قصور الممالك القديمة بروعة بنائها وخشبها المزجج، وفناءاتها الواسعة.. وبينهما ساحة «جوانجوامون» حيث احتشد الآلاف لتنحية رئيسة «فاسدة»، رغم أن والدها هو من بنى كوريا الحديثة.. في أبريل، حيث تتوشى المدن بزهور الكرز الوردية، والحقول بالأزهار الصفراء، يبدو الربيع أجمل ما يكون، وسط لسعة برد خفيفة تدفعك للركض مع الراكضين إلى العمل، أو إلى المقاهي، أو إلى أي شأن من شؤون الحياة.. في سيؤول، لا تعرف أبداً كيف تغفو، ولا كيف تضجر، حولك كل ما يمكن أن يملأ حياتك.. وكل ما يمكن أن يمنحك الراحة في دولة قامت من تحت ركام الحروب أقوى وأكثر تطوراً.. وكوريا الجنوبية هي واحدة من المناطق الجغرافية الواقعة في القارة الآسيوية، وتحديداً في شرق هذه القارة، والجزء الذي يجنح للسلام، في جزيرة يشتعل شمالها بجنون «نووي». تمتزج فيها الثقافات، فهي وسط أتون الحضارات القديمة، خبز الفكر المستلهم من فلسفة الأولين.. تتلون ريشات فنانيها بألوان الطبيعة الساحرة، وتغوص لوحاتهم في عمق التاريخ، تتمرد عليه حينا، وتلتصق به آخر، لكنها لا تخرج من أصالة وسمت المنطقة. وعلى مسارحها، تقفز أقدام الراقصين والراقصات على أنغام «الجوانو» المقنعة، وسط طقوس «سينجو بيتجي» الجميلة. السياحة العلاجية تقدم فيها البلاد آخر التطورات الطبية والتي يدخل فيها ابتكارات علاجية تنفرد بها، ومنتجعات ترتكن الطبيعة الساحرة، وسياحة اقتصادية متنوعة من مجمعات صناعة السيارات حيث تشتهر الدولة بـ«هيونداي»، ومجمع الصناعات الإلكترونية، وما بينهما كثير. من رماد الحروب.. إلى الريادة تتوسط كوريا الجنوبية الصين التي تجاورها غرباً، واليابان التي تسكن شرقها، ومضيق كوريا من الجنوب، بينما توجعها أشواك كوريا الشمالية من الشمال. اشتق اسم «كوريا» من مملكة كوريو، السلالة التي حكمت في العصور الوسطى، رغم أن تاريخها موغل في القدم، فآثارها ترجع إلى فترة العصر الحجري القديم السفلي. ويبدأ التاريخ الكوري مع تأسيس «غوجوسون» في 2333 قبل الميلاد على يد الأسطوري دانجن وانجوم. وقد أعقب توحيد الممالك الكورية الثلاث تحت حكم مملكة «شلا» عام 668 بعد الميلاد، وخضوع كوريا لحكم مملكة «كوريو» ومملكة «جوسون» كأمة واحدة حتى نهاية الإمبراطورية الكورية عام 1910، عندما تم ضمها إلى اليابان. وبعد التحرير والاحتلال السوفييتي والحرب الكورية ونهاية الحرب العالمية الثانية، تم تقسيم البلاد إلى كوريا الشمالية وكوريا الجنوبية، حيث أسست كوريا الجنوبية عام 1948 بوصفها دولة ديمقراطية، على الرغم من الاضطرابات السياسية والحكم العسكري والأحكام العرفية التي ميزت معظم تلك الفترة وحتى تأسيس الجمهورية السادسة عام 1987. أدى غزو كوريا الجنوبية من قبل قوات كوريا الشمالية في 25 يونيو عام 1950، إلى نشوب الحرب بين الكوريتين والتي انتهت باتفاق الهدنة، ولكن الحدود بين البلدين تبقى هي الأكثر تحصيناً في العالم. ومع مرور العقود التالية، نما الاقتصاد الكوري الجنوبي بشكل ملحوظ، وتحولت إلى بلد ذات اقتصاد رئيس، ودولة تتمتع بديمقراطية، وقوة إقليمية في شرق آسيا. الشمس أول المستقبلين.. تلعب السياحة في كوريا الجنوبية دوراً بارزاً في الاقتصاد المتين رغم أنها دولة صناعية من الدرجة الأولى. ويمكن لكل من يزور هذه البلاد الواقعة في زاوية الكرة الأرضية الشرقية، أن يجد الشمس والغابات التي تكسو البلاد والسهول الخضراء والجداول والأنهار المنتشرة، كأول المستقبلين. وتتخذ الأرض الكورية شكل لسان عريض يطفو فوق البحر الأصفر ويقع شرق الصين. وهو يخلق سلسلة من الخلجان والمضائق العريضة من أهمها (خليج كوريا) الذي يفصل كوريا عن الصين، و(مضيق كوريا) الذي يفصلها عن اليابان، و(مضيق جيجو) الذي يفصلها عن جزيرة (جيجو) التي تعد من أهم المعالم السياحية في كوريا الجنوبية. ويتزايد عدد السياح الذين يتوافدون على المدن الكورية ومنتجعاتها ومرافقها عاماً بعد عام، حيث سجل عدد السياح الأجانب الذين زاروا كوريا الجنوبية خلال عام 2016 رقماً قياسياً، بلغ أكثر من 17 مليوناً. ووفقاً لوزارة الثقافة والرياضة والسياحة فإن هذا الرقم القياسي الجديد يعني أن معدل عدد السياح الأجانب الذين زاروا كوريا قد بلغ 1941 سائحاً جديداً كل ساعة، أي 32 سائحا في كل دقيقة. وتخطط هيئة السياحة الكورية الوطنية لزيادة العدد إلى 20 مليونا، إضافة إلى سعيها لتطوير هذا القطاع، بزيادة عدد المشاريع وتطوير نظام لتصنيف الأطعمة للمسلمين لتسهيل طريقة اختيارهم للمطاعم الحلال، وذلك لأن توفر الطعام الحلال يعتبر من أهم الخدمات التي يركز عليها العديد من السياح المسلمين عند اختيارهم لوجهات السفر. وتأمل هيئة السياحة الكورية بأن تقدم المبادرات الجديدة فرصة لكوريا للنمو والبروز في أنحاء دول الشرق الأوسط وأن تجعل منها وجهة جذابة أكثر للسياح المسلمين. جانج ننج.. سيدة البحر والغابات والشتاء هي مدينة كورية جنوبية تقع في مقاطعة جانج وون على الشاطئ الشرقي للدولة. أنشئت في سنة 1395 وكانت إحدى مقاطعات مملكة «جوسون» الثماني، واستمدت اسمها من اسم مدينتيها الرئيستين وهما «جانج ننج»، وعاصمة المقاطعة «وونجو».. تعتلي المدينة الجميلة التي تشكل الغابات أربعة أخماسها، على سلسلة جبال «تايبايك» التي تغطي معظم أراضيها وتنحدر إلى البحر في تناسق جميل، وهو ما يوفر مع جوها البارد ساحات طبيعية لألعاب الرياضة الشتوية التي تستضيفها كوريا الجنوبية في عام 2018. تشتهر المقاطعة بمهرجان «دانوجيه» التقليدي الذي يقام في جانغبونج، وهو يجمع بين الطقوس الكونفوشيوسية والبوذية والشامانية، ويأتي بعد موسم زراعة الأرز في أوائل فصل الصيف. ويصلي فيه الناس من أجل الحصاد الوفير، والصيد الوافر في عرض البحر، ومن أجل السلام في منازلهم. وفي هذه المدينة العريقة، يحلو للسياح زيارة القصور الملكية التي تحكي قصة الملكة «شين سيم دانج»، التي عاشت من أجل حماية ابنها الملك «يي» في (1504-1551). تلك الملكة التي خلدتها العملة الكورية الورقية موشاة بزهور الكرز، التي تزين لوحاتها المرسومة بيدها، جدران القصر ومرافقه، والتي تمتد على مساحة واسعة مزدانة بأشجار الكرز ونبات البامبو وألوان الزهور والمساحات الخضراء. سيؤول..القلب النابض وسط زحمة الحياة فيها التي تتسابق مع خيوط الشمس في كل صباح من صباحاتها، تنتصب حضارة شغلت أكثر من 2000 عام من الزمان، وتتوزعها الشوارع بتناسق هارموني يجمع القديم والحديث في مدينة، بقيت كل ذلك التاريخ وعلى مداه عاصمة للمالك والأنظمة التي مرت عليها.. حتى مع الحروب التي داست على كل ما فيها، تجد بين جنباتها عبق الماضي والحاضر منسوجة مع ضفائر البامبو والكاليبتوس، وبالطبع أشجار الكرز وأزهاره، وزهور «اللوتس»، والتي كانت شعاراً أو رمزاً في كل عصر. في سيؤول أول ما يلفت انتباهك قصر «جيونجبوك»، ويعرف أيضاً باسم قصر «جيونجبوكجنج». وهو القصر الملكي الأساسي في عهد سلالة «جوسون» في كوريا. بني القصر في سنة 1395 ويقع في شمال مدينة سيؤول، ويعد أكبر قصور «جوسون» الخمسة والتي بنيت في هذه الفترة. كان القصر موطن ملوك «جوسون» وعائلاتهم ومقر الحكومة، وظل مستخدماً حتى احتراقه في حرب «إمجن» سنة (1592) والتي تسمى بـ«الشغب الياباني»، وترك مهجوراً بعد ذلك لقرنين. وأعيد بناء قرابة 7700 غرفة من القصر لاحقاً أثناء وصاية «هنجسون دايوونجن» خلال عهد الملك «غوجونج». وأعيد أيضاً بناء قرابة 500 مبنى على أرض مساحتها 40 هكتاراً، أدخلت فيها المبادئ المعمارية الكورية القديمة مع الشكل التقليدي للبلاط الملكي لـ«جوسون». في وقتنا الحالي يعتبر القصر أحد أجمل القصور الخمسة، ويضم متحف كوريا الوطني ومتحف الشعب الوطني، وفيه يتمتع السياح بمشاهدة «عرش العنقاء» وهو عرش ملوك مملكة «جوسون». ويشير المصطلح أيضاً إلى رأس الدولة في «جوسون» (1392 - 1897) والإمبراطورية الكورية (1897 - 1910). كما يعرض المتحف الذي تحتضنه زوايا القصر آثار المملكة والمخطوطات النفيسة وسجل الملوك والدستور الذي استمده الملوك من كتاب «التغيرات» الصيني أو ما يسمى «آي تشينج»، ومن فلسفة كونفوشيوس. ويتمتع السياح في القصر الملكي بمراسم ملكية تجري كل يوم يؤديها ممثلون بالملابس الملكية القديمة، وتعرض لطبيعة الحياة في ذلك الزمان، حتى ليظن الزوار كما لو أنه تم نقلهم عبر الزمن إلى الماضي بمجرد أن يتخطوا العتبة ويطؤوا بأقدامهم إلى داخل هذه المساكن الملكية المهيبة. وسيؤول هي موطن الإرث الثقافي المعاصر النابض بالحياة، وتترك الطرقات فيها ذكريات جميلة، حيث يتمتع الزائر بمشاهدة التحف والفنون والحرف اليدوية، والتجوال حول المنازل المعمرة منذ قرن من الزمان في قرية «بوكتشون هانوك» التي تأخذك «الركشة» وهي عربة مربوطة بدراجة، في أزقتها القديمة الحديثة، حيث ما زالت قائمة منازلها التقليدية بروعة معمارها وزخرفتها. وعلى جبل نامسان يعلو برج «إن سيؤول» ويتم الصعود إليه بالتلفريك، حيث يمكنك مشاهدة العاصمة الكورية بأنوارها وأنهارها وبيوتها الآمنة والتي تضج بالحياة. «دي إم زي».. وأميثيست.. وصناعة الجمال الطريق إلى المنطقة المنزوعة السلاح «دي إم زي» يستغرق ساعة من سيؤول، حيث يتجمع السياح من الفنادق وسط العاصمة، وتهيأ باصات سياحية خاصة لتلك الزيارة التي تحصل بموافقات خاصة، فالجانب الآخر هو «الجنون النووي» للشماليين.. وطوال الطريق تستمع إلى المرافق يسرد عليك ما شاهدته في المتحف الوطني الحديث من آثار الحروب التي مرت، والنهضة الصناعية. بعد الجولة في المنطقة المنزوعة السلاح، كانت مصانع «الأميثيست» وهو الحجر الكريم الذي تشتهر به كوريا الجنوبية. حيث يشاهد الزائرون منجم «الأميثيست» الذي يوجد في الطبيعة وسط أحجار ضخمة إسمنتية، تشق طوليا لاستخراج الحجر منها، وهي ذات جمال أخاذ. وعلى ذكر الجمال، يعنى الكوريون بصناعة الجمال مستخدمين ما حبتهم به الطبيعة من نباتات ومخلوقات. وقد جذب انتباهنا صناعة طبية تنتج أدوية تسرع من التئام الجروح، وذلك ما يعالج أنواعاً متعددة لأمراض كثيرة. وكان من المهم زيارة شركة «ديرما فيرم» وهي إحدى الشركات التي تشكل ركناً مهماً في الصناعة الكورية. وتتنوع الصناعة الطبية هذه لتصل إلى توفير كل ما يتعلق بالجلد، وجراحات التجميل، والتوليد، والنسائية، والجروح والحروق، والكدمات والزهايمر، كما تنتج علاجات تسرع اندمال الجروح ومعالجتها، تستخدمها المستشفيات وبضمنها المستشفيات العسكرية. مساء كوريا الجنوبية يشبه صباحها، مخملي تشوبه لسعة برد حنون، وتحيطك أنوار بيوتها وأبنيتها، وأنت تودع البلد الجميل، كل شيء يلوح لك بدفء ووداعة، لتنحدر بك الدقائق إلى ساعة الصفر، وتغلق حقيبتك وأنت تحمل أجمل الذكريات، تعطرها روائح الأزهار والأنهار والقصور والناس الطيبين، والباعة الذي يلملمون هم أيضاً ضحكاتهم وأكشاكهم ليؤوبوا إلى ركنهم، بينما تقلع أنت عائداً بالزمن إلى حيث جئت.  
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©