الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ميانمار.. هل تتجاوز صراعاتها الإثنية؟

18 مايو 2014 22:43
سيث كابلان أستاذ بجامعة جون هوبكنز يمكن لميانمار (بورما سابقاً) الاستفادة من المساعدة الدولية، في تعزيز وحدة شعبها وتقوية وحماية الأقليات الإثنية والدينية. وسيكون في وسعها بعد ذلك أن تتحول إلى نموذج يُحتذى في المنطقة بعد أن فشل العديد من الدول في احتواء ظاهرة التعددية الإثنية. والدليل الماثل الآن على التحديات في هذا المجال، ظهر خلال السنوات القليلة الماضية عندما أجرت الحكومة أول إحصاء سكاني منذ عدة عقود مضت، إلا أن استبعاد المسلمين الروهينجا الذين عانوا من الاضطهاد لفترة طويلة، من الإحصاء، يذكرنا بالتحديات الكبيرة التي لا تزال تهدد ذلك البلد خلال سعيه لإحلال روح الانفتاح والديمقراطية. وعلى رغم أن ميانمار حققت تقدماً في المجالات الاقتصادية والسياسية خلال السنوات الثلاث الماضية، إلا أن مستقبلها أصبح رهيناً بتطور الصراع بين الأطياف الإثنية والدينية. والآن، ينبغي على أصحاب القرار السياسي في ميانمار، وبدعم من المجتمع الدولي، أن يتخذوا الإجراءات العاجلة لضمان حقوق الأقليات وتعزيز أواصر اللُّحمة الاجتماعية. وفيما احتلت الأعمال العدوانية التي قام بها المتطرفون البوذيون ضد المسلمين العناوين الرئيسية لوسائل الإعلام العالمية، إلا أن الشرخ الذي يفصل بين الأقليات المتعددة والأغلبية المتنفّذة ويسبب الحالة المتفاقمة للانفصام الاجتماعي، لا يزال يمثل التحدي الأكبر أمام البلاد. ولم تتمكن أي حكومة من السيطرة على ذلك البلد بأكمله منذ ما قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية بسبب الصراعات الداخلية المسلحة. وبسبب روح التباغض القائمة بين المجموعات الإثنية التي لا تعرف شيئاً عن مفهوم المجتمع الموحّد، تم تقسيم ميانمار بين الأغلبية والأقليات الإثنية. وهناك عدد كبير من تلك الأقليات التي تستوطن ميانمار، منها قبائل «كاشين» و«كارين» و«تشين» و«مون». إلا أن مسلمي الروهينجا الذين يبلغ عددهم مليون نسمة هم وحدهم الذين يتعرضون لعمليات الإبادة الممنهجة. ويمكن لمثل هذا المستوى من التعددية الإثنية والدينية أن يتحدى أكثر دول العالم استقراراً وتقدماً. ولطالما كان التاريخ الطويل من عدم الاستقرار والقمع وضعف المؤسسات الحكومية والتخلف، سبباً في بقاء ميانمار بلداً معرضاً بشكل دائم لاندلاع الصراعات المحلية التي تستدعي تدخل الجيش الحكومي لفرض سيطرته وإعادة الأمور إلى نصابها. ولا يمكن للانتخابات الحرة في مثل تلك الأجواء إلا أن تصب المزيد من الزيت على النار بدلاً من امتصاص عوامل التوتر هناك. ولا يمكن لميانمار أن تتقدم إلا إذا بذل قادتها الجهود الجبارة لإعادة اللحمة الاجتماعية عبر البلاد كلها والبحث عن الأساليب المناسبة لدعم الأقليات والمجموعات الإثنية. ولاشك أن مثل هذا الإجراء من شأنه أن يقوّي سلطة الدولة ويؤدي إلى تطوير البلد برمته. وقد أثبت بحث أكاديمي أن الدول التي تمكنت من تحقيق اللُّحمة الاجتماعية بين مكوّنات شعبها شهدت صراعات داخلية أقل، وتمكنت من تشكيل حكومات أكثر انسجاماً وفعالية، وحققت تطوراً أسرع، وتمتعت بفضائل الاستقرار المستدام. ومن أمثلة ذلك أن تونس تحمل أكبر بوادر النجاح من بين دول «الربيع العربي» كافة لأن مجتمعها يتميّز بتلاحم اجتماعي يفوق ما نجده في ليبيا أو سوريا. وقد أثبت القادة التونسيون أنهم أصدق رغبة في تحقيق الطموحات الوطنية من قادة بعض الدول الأخرى. وهذه اللحمة الاجتماعية ضرورية جداً لإنجاح عملية التحوّل السياسي وخاصة عند مناقشة تعديل القوانين التي يُحكم بموجبها البلد. ويتطلب تحقيق اللحمة الاجتماعية في ميانمار المشاركة الفعالة لقادة البلد في هذه المهمة قولاً وفعلاً. وفي كثير من الحالات كانوا يتصرفون بالأساليب التي تزيد من التوتر والتباغض بين المجموعات الإثنية. ولم يعمد أي زعيم سياسي في ميانمار بمن فيهم زعيمة المعارضة ورئيسة الجمعية الديمقراطية الوطنية «أونج سان سوكي»، إلى معالجة مشكلة الكراهية والتنابذ الاجتماعي التي تهدد بتقويض مشروع الانتقال السياسي للدولة نحو الديمقراطية. وعلى رغم أن حكومة الرئيس الحالي «ثين سين» خصّت اللامركزية الإدارية بأولوية تفوق تلك التي أعطاها إياها سابقوه، إلا أن السلطات السياسية الممنوحة للحكومات الإقليمية التي يتولى المناصب فيها أعضاء من الأقليات الإثنية، تميزت بالضعف والافتقار للفعالية. ويمكن للمجتمع الدولي أن يساعد ميانمار على تخطّي مشاكلها الإثنية بعدة طرق. من ضمنها أن تكون المساعدات والاستثمارات المالية المقدمة لها مشروطة بتنفيذ خطوات فعالة من طرف الحكومة لمعالجة مشكلة الإقصاء الاجتماعي لبعض الأقليات الإثنية. وأن يكون عقد المزيد من الصفقات التجارية وزيارات الرؤساء الأجانب وتقديم المساعدات المالية مشروطة كلها باتباع سياسات جماعية من طرف الحكومة المركزية. وبهذه الطريقة، يمكن للشركات والحكومات أن تقدم الغطاء السياسي الداعم للسياسيين المحلين حتى يتخذوا مواقف أكثر تصلباً في مجال تأييد تلك السياسات والعمل بموجبها. وقد يساعد جمع كبار الرهبان البوذيين من أنحاء العالم في دعم نظرائهم المحليين المؤيدين لفكرة المشاركة الجماعية في العملية السياسية، في توطيد أسس الدعوة لتبني مواقف مبدئية في هذا الشأن ومقاومة دعاة الإقصاء السياسي بشكل فعال. ومن ضمن طرق تشجيع اللامركزية السياسية في ميانمار أيضاً تتعين زيادة الفعالية السياسية لحكومات الأقاليم ودعم سلطاتها التنفيذية. وهذا الإجراء يجب أن يحظى بالأولوية. وقد عمدت كل الدول الديمقراطية ذات التنوع الجغرافي والإثني إلى اعتماد اللامركزية من أجل الإبقاء على وحدة البلاد. وينبغي على ميانمار أن تتبع هذا الأسلوب ذاته إن هي أرادت لعمليتها التنموية النجاح. وقد بدأ كبار اللاعبين السياسيين المحليين بملاحظة هذه الحقيقة، إلا أنهم يحتاجون إلى المزيد من المساعدة الخارجية من أجل تأسيس أفضل نموذج للتركيبة السياسية، وإقامة دوائر ومؤسسات متوازنة للخدمة العمومية وإدارة الشؤون المالية. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©