الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

هلاوس.. فلسفة أسماك الزينة

هلاوس.. فلسفة أسماك الزينة
26 أكتوبر 2008 02:35
أسماك الزينة كائنات عجيبة لا تجيد أي عمل في الدنيا سوى أن تموت· في الصباح تجد الحوض جميلاً أنيقًا والأسماك تسبح سعيدة راضية تلتهم الطعام وتلتقط الحصى·· عند الظهر تجد ثلاث أو أربع سمكات طافية على الماء وقد انتفخت وصارت جديرة بأفلام الرعب الحديثة، فتتغلب على تقززك وحزنك وتحمل هذه ''الجثث'' بالشبكة لتلقي بها في المرحاض، وعند المساء تكتشف أن الحوض لم يعد حوض سمك زينة بل هو وعاء زجاجي لحفظ الماء لا أكثر· عندما ابتعت هذا الحوض قال لي بائع الحيوانات الأليفة في حكمة: ـ''لا تطعم السمك لمدة ساعتين بعد وضعه في الماء لأنه يعاني نقص الأكسجين'' صحيح أنه كان يقول هذا وهو يحمل شبكة مليئة بالأسماك الميتة ليضعها في قفص القطط المنزلية التي يبيعها، لكني قلت لنفسي إنه يعرف ما يقول· وعندما عدت له لأخبره أن معظم الأسماك ماتت سألني في شك: ـ''هل أطعمت السمك على الفور؟'' فقلت: لا·· هكذا هز رأسه متعجباً من جهلي، وأكد أن هذا هو الخطأ بالذات·· لابد من إطعام الأسماك فوراً لأنها تكون في حاجة إلى سعرات عندما تنقل لمياه جديدة· ابتعت منه بعض الأسماك ممتناً لوجود خبراء في هذا العالم، وعدت لأملأ الحوض من جديد ولم أنس أن أضع للأسماك الطعام فوراً· عندما طفت الأسماك -وهو عنوان فيلم شهير لكاكويانس- عدت له لأفهم·· تنحنح بحكمة القرون كأن أجداده كانوا عمالقة البحار، وقال: ـ''هل تضيء النور في الحوض طيلة الوقت؟'' ـ''نعم'' ـ''هذا هو السبب إذن·· لابد ألا يضاء الحوض أكثر من ثماني ساعات وإلا تكاثرت الطحالب'' هكذا عدت للبيت وانتزعت فيشة النور، وتحملت أن يتحول الحوض المضاء الجميل إلى كتلة سوداء كئيبة جاثمة في الظلام تذكرني بالتوابيت· على أنني عندما أعدت وضع الفيشة في القابس وجدت أربع أسماك تطفو على السطح وقد انتفخت وتشوهت· عدت للرجل العبقري أطلب رأيه فحك رأسه مستحضرًا حكمة القرون وسألني عن ظروف الإضاءة ·· ثم عرف أنني أحمق أطفئ النور أكثر اليوم فقال ضاحكاً: ـ''خطأ جسيم·· السمك كالنباتات يحتاج إلى النور·· هذه الأسماك تطفو قرب السطح ولا تنزل للقاع أبداً··'' طبعًا كان السبيل الوحيد لعدم قتله هو أن أستعين بغيره·· وقابلت الكثيرين من هؤلاء الحكماء الذين ينصحونني بأن أضيف الكثير من الملح لمياه الحوض ومن ينصحني بألا أضع الملح أبداً·· وهناك من يعطيني زجاجة صغيرة باهظة الثمن أسكب منها قطرات في الحوض، فإذا فعلت ومات السمك قال لي في جزع: لابد أنك وضعت الدواء ثم أطعمت السمك فوراً·· هذا خطأ·· الآن وقد صار الحوض جثة هامدة ملقاة على سطح البناية، يستخدمها القط كحمام أحياناً، عرفت الحقيقة المروعة: لا أحد يعرف شيئاً على الإطلاق·· نحن محاطون بالذين يتظاهرون بالحكمة والعلم، وتكمن عبقريتهم في التملص من الأخطاء المحرجة· هناك تلك الزوجة الأميركية التي قالت عن زوجها إنه خبير في سباق الخيول·· يخبرك قبل المباراة بالجواد الذي سيفوز ويخبرك بعد المباراة بسبب عدم فوز هذا الجواد!· كل هذا يتلخص تحت عنوان كبير اسمه (الحكمة بأثر رجعي)· إن البورصة والمصارف تعج بهؤلاء العباقرة على كل حال·· أذكر أن قريبة لي وجدت أن الناس جميعاً في مصر يحولون نقودهم إلى دولارات لأن سعرها سيرتفع· هرعت إلى المصرف لتحول مبلغاً ضخماً إلى دولارات، فقال لها مدير المصرف -وهو قريب لنا- في ذكاء وغموض: لا تفعلي·· سوف يرتفع سعر اليورو ولسوف تندمين· هكذا عادت لدارها سعيدة لأنها تعرف رجلاً حكيماً كهذا·· بعد شهرين عادت للمصرف من جديد لتبتاع دولارات فلم تجد دولاراً واحداً· نظر لها المدير لائماً لبضع دقائق ثم قال: ـ''ألم أنصحك منذ شهرين بأن تبتاعي دولارات؟·· ألم أقل لك إن سعر الدولار سيقفز للسماء فلم تصغي لي؟·· عليك أن تتحملي نتيجة عدم الإنصات لي إذن··'' لم تستطع أن تقول أي شيء أو تذكّره بما قال·· كل هذا عبث مع شخص كهذا·· هكذا غادرت المصرف وقد عقد الغيظ لسانها· إلا أنني عندما حكت لي القصة قلت إن عليها أن تحمد الله على وجود هؤلاء الخبراء في حياتنا، فلولاهم لضعنا منذ زمن سحيق·· دعك من كل سمك الزينة الذي كان سيطفو على السطح بسبب جهلنا! د· أحمد خالد توفيق اللازمة مفتاح للشخصية لكل كائن حي يمشي على اثنتين لازمة يكررها من دون قصد، قبل أن يبدأ جملته أو في أثنائها أو بعد انتهائها، وبعضهم يكرر اللازمة مقاطعاً كلام الآخرين، أو يكررها بشكل عبثي في أي وقت وفي كل مكان مثل الشهيق والزفير·· أو النهيق· في العادة، لا يعرف المرء بدايات اللازمة وكيف التصقت بلسانه، وبعضهم لا يدري أن عنده لازمة أصلاً، إلا إذا استمع لصدى صوته· لكن هذا لا يعني أن اللزوميات من قبيل فضول الكلام ولا معنى لها، فهي لا تأتي عبثاً، لكن يمكن أن ينسى المرء سبب اختياره لازمته· من أمثلة لزوميات ما قبل الكلام، كلمة ''تعرف''، وهي مختصر ''هل تعرف؟''، فصاحب هذه اللازمة لا يبدأ كلاماً إلا بـ''تعرف''، وقد يكون سبب اختيار هذه اللازمة هو اعتقاد صاحبها أن الناس لا يعرفون شيئاً، وكل العلوم مخبوءة تحت لسانه· وهناك كلمة ''طبعاً'' وهي مختصة بمن يكذبون في أكثر حديثهم، لذلك فهم يحاولون التأكيد بأن ما يقولونه صحيح وأنه من طبيعة الأشياء· ومن أمثلة لزوميات أثناء الكلام، عبارة ''على العموم''، و''على أي حال''، فبين الجملة والأخرى هناك على العموم، أو على أي حال، ويكمن السر وراء هذه اللازمة في ثلاثة، إما أن صاحبها يتعمد عدم الدخول في التفاصيل؛ لأنها تكشف كذبه، أو أنه يرى نفسه ثرثاراً ويريد أن يغطي على هذا العيب بإيهام المستمع أنه لا يهتم إلا بالعموميات، أو أنه خائب في استعمال أدوات العطف مثل الواو والفاء وثم، لذلك يحتاج إلى أداة ليربط بها بين عباراته، فبدلاً من أن يقول: ''أمس التقيت بصديق لي وتجاذبنا أطراف الحديث''، فإنه يقول: ''أمس التقيت بصديق لي، على العموم، تجاذبنا···''· أكثر اللزميات تأتي عقب انتهاء الجملة، مثل ''تسمع'' التي تأتي على هيئة سؤال وأصلها ''هل تسمع؟'' ويستخدمها من يعتقد أن جليسه لا يستمع إليه؛ لأن كلامه فارغ من المعنى، فيتأكد من حضور ذهنه بكلمة ''تسمع''· وهناك كلمة ''فهمت؟''، وهي لازمة من يعتقد أن 99% من الفهم الذي وزعه الله على البشر، وصل إليه، ولا يثق أبداً في فهم الآخرين، لذلك يتأكد إن فهموا حديثه من عدمه· وهناك لزوميات الاستماع، فصاحبها يكرر لازمته أثناء استماعه للآخرين، مثل ''أف''، وهذا يحاول تمثيل دور المستمتع بالحديث العجيب والشيق الذي يستمع إليه· وهناك اللزوميات العبثية التي تقطع حبل الصمت أو لطرد الملل أو لإثبات حالة وموقف أو لأن فم صاحبها لا يستطيع التوقف حتى لو انتهى كل الكلام، مثل ''آه يا دنيا''· وهناك بالطبع التهليل والتسبيح والتكبير والحوقلة، ولا يمكن اعتبارها من قبيل اللزوميات احتراماً لمشاعر المؤمنين أكثر من اللازم· اللازمة ليست شيئاً عبثياً لا معنى يقف خلفها، بل هي عنوان للمرء ومفتاح لشخصيته، لذلك على المرء أن يختار لازمة معقولة تختصره أمام الناس· أحمد أميري خليك هِناك خليك··· أحسن تفارق ! ''خليك هِنا خليك بلاش تفارق''·· غنتها الفنانة وردة، في محاولة منها لثني الحبيب عن السفر، وحاولت تقمصها واحدة من اللواتي سرقتهن سكين الحب، فكما هو معروف ''مراية الحب عَميْة تخلي البتنجان الأسود فستق''!· انقادت العطشى وراء عاطفتها حتى ''اندلقت ولا حد لمْها''، ثم فاجأها شريك الندامة في ليلة ''غبرة'' بتصميمه على الرحيل، وبدأت تصدح بسيمفونية البكاء علّها تستثير عطفه وتستدر شيئاً من حنانه البارد، لتحرك تلك الصخرة الجاثمة فوق قلبه، ذكرته بالوعد وبالعهد وبالقمر اللي على حبهم شهد، وبسهر الليالي وضرب الصواني عندما كان يشتهي وهي ''تنضرب على عينها'' وتفز تطبخ وتنفخ، كل ما لذ وطاب من الوصفات العربية والعالمية، ''إشي مكسيكي و إشي إيطالي و إشي لبناني و إشي ومغربي و هندي وعراقي وصيني وتايلندي ووو···''· جربت كل الوصفات أغربها و أعقدها لإرضائه، وبعد ما ''ثمر فيه ولا بيّن بعينه على كثر من ما جاه لا واحسافة·· لأ لأ ''؟! المسكينة، صدّقت و أخذت بنصيحة والدتها بأن الطريق إلى قلب أي رجل يمر بمعدته، فسْلمَت بتلك الحكمة العبيطة ومضت بهذا الأمان الذي لا يضمن حتى أصغر ''تيس'' في العالم مش بني آدم!، وبعد أن ''نفش'' وكبر الكرش طار، فلا صيحات التوسل والحلفان والأيمان حركت فيه شيئاً من المروءة، هي تصحو وتنام على نار تكويها، وهو ''يا جبل ما يهزك ريح''، هي ''والله أعلم'' نسيت على ما يبدو أن ابن آدم مخلوق من النسيان، ويعشق التناسي الذي يعفيه من أي مسؤولية كانت متى شاء، فنكران الوعود ونقض العهود وطبع الجحود خاصة لأقرب الناس من شيمه، فلا يوفر أي فرصة كانت سانحة أو مانحة أو جانحة للتنصل من أي التزام لينطلق نحو آفاقه الرحبة الملونة غير آبه بالخسائر أو الضحايا ومصيرهم، وشأنه في هذا شأن الترفع عن الاعتذار على الرغم من كونه فضيلة، فلا يعي بل يجهل الغالبية العظمى من الرجال رقي معانيها وسموها في النفس ومدى تأثيرها ومدلولاتها في قلب المرأة، فكسر القلوب عند البعض هو أهوَن وأسهل من تكسير قشر البلوط· ما علينا من هذا كله·· فالشبورة عندما تخيّم على القلب لا يبقى ثمة مجال ولا معنى للتذكير، خصوصاً عندما يكون كل شيء محسوب بــ''المّلي''، فإذا كنتِ تظنين بألا شيء تحت رأسه سوى تلك الوسادة التي شغلتها أناملك أياماً وليالي، فاسمحي لي واعذريني إذا قلت إنكِ ''مغفلة مع سبق الإصرار والترصد''!، فالرجل معزم وعاقد النيّة على الرحيل من زمان يا حلوتي·· ''وحاط في بطنه بطيخة أكبر من كرشه الذي ربيته سنين طوال بلا فائدة''!· عزيزتي··· خبراء الصحة النفسية يرون - ويشاركهم أهل الحكمة في هذا - أن المصيبة عندما تحل تكون كبيرة، وفي غضون ثلاثة أيام لا أكثر تصغر، لتصبح بحجم مكعب سكر ''القند'' الإيراني وتموت كل ''السالفة''، وهل هناك ألذ من شاي ''مخْدر'' ومهيّل وقند؟! ويا حبذا صحن جانبي كعك بالتمر تنحل أكبر مشكلة صدقيني!· عزيزتي: لقد راهنتِ في البداية على معدته، فأفنيتِ العمر في ذلك واقتنعتِ بنصيحة بالية لم تورثك إلا تقصف أظافرك وشيخوخة جلد وأكزيما ودسك ولا يسلم الموضوع من زهايمر مبكر! والنتيجة على رأي سميرة سعيد: ''لما بآلوا ريش وجناح·· لف على غيرنا سابنا وراح''، فالبدايات الجميلة قد لا تؤدي بالضرورة إلى نهايات جميلة، لذا لن تقف الحياة عند ''واحد باع أو خائن تناسى العشرة الجميلة دون أن يرف له جفن''· لا تحزني وتندبي حظك، فربما كانت الحياة من دونه أجمل وأخف! وحينها ستغنين وابتسامتك تطر حلقك: ''خليك هِناك خليك وأحسن تفارق'' !!!· مسمار! ··أقصد همسة :(الحب أمان والصدق شجاعة)· فاطمة اللامي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©