الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البطّة

البطّة
14 يناير 2012
في إحدى قصص تولستوي القصيرة تحدث عن بطة كانت تسبح مع رفيقاتها فوق مياه البحيرة الصافية. شاهدت البطة انعكاس الهلال على سطح الماء فاعتقدت بأنه سمكة، فغطست في الماء لتصطادها لكنها لم تجد شيئا، ولما رفعت رأسها من الماء وجدت رفيقاتها يسخرن منها ويضحكن عليها. خجلت البطة وطأطأت رأسها، وصارت تخشى كلما رأت سمكة أن يكون الأمر مجرد انعكاس للقمر على سطح البحيرة، كما حصل معها، وبقيت البطة هكذا: خجلانة ومكسورة.... حتى ماتت من الجوع! هكذا تكلم تولستوي، أما ما لم يقله تولستوي، فهو أن الكثيرين منا يعيشون ويموتون على طريقة البطة السوداء تخجلهم المحاولة الأولى الفاشلة، ويحبطون من ردات الفعل الأولى وينكمشون على أنفسهم حتى توافيهم المنية. مشاريع كتاب وشعراء وفانين كثر أحبطتهم ردة الفعل الأولى على بواكير إنتاجهم فتوقفوا عن الإبداع المباح حتى جاءهم هادم اللذات ومفرق الجماعات. رياضيون كثر دثرتهم عثرة المحاولات الأولى، وربما مخترعون و و و و و!! تخيلوا لو أن أديسون مثلا- وليس على سبيل الحصر- تخلى عن محاولة ابتكار المصباح الكهربائي، لو انسحب من التجربة الأولى الفاشلة التي تبعتها حوالي ألفي محاولة فاشلة أخرى، حتى نجح. تخيلوا لو ان أديسون فعل كما فعلت البطة التي تحدثنا عنها.. بالتأكيد كان تأخر اختراع المصباح الكهربائي الى 50 عاما أخرى على الأقل- الى ان يكون قد جاء مخترع غيره لا تحبطه المحاولات الفاشلة- وتأخرت بذلك آلاف المخترعات الحديثة، ولكنا اليوم- مثــلا- نعيش ونعتاش على تكنولوجيا الخمسينيات، بلا كمبيوتر ولا نت ولا ولا ولا ولا!! أقول قولي هذا لعله يؤثر في شابة او شاب أحبطه من حوله، فانكمش كالبطة...... ولا أقول له شيئا سوى سرد قصــة بطــة المرحــوم تولســتوي، فإذا ارتضــى هـذا المصير لنفسه، يكون قد استحق ذلك بالفعل وعن حق وحقيق!! ??? أتركز كلما قرأت في الصحف والإلكترونيات خبرا يفيد بأن عشرينيا قتل ثلاثينيا، أو أن خمسينيا دهس أربعينيا ولاذ بالفرار، أو العثور على جثة سبعيني بالقرب من الحاوية، أو أن ستينيا اغتصب تسعينية قرب الكراجات. أن انتماء الفرد الى عقد عمري لا يحوله إلى لقب، هذا إذا افترضنا أنه يتم تحديد عمر الإنسان بسهولة مثل عمر السيارة.، وهذا افتراض مغلوط، إذ أنني شخصيا خمسيني، ولو وجدوا جثتي لخرج الخبر يقول :»العثور على جثة سبعيني «..أقصد أن الشيب المفرط وصروف الزمان ستؤدي حتما الى أخطاء جوهرية في الأخبار المنقولة. من الممكن مثلا أن نشكل أحزابا عشرينية وأخرى ثلاثينية ورابعة ثمانينية وعاشرة مئوية، وبالتالي نتخلص من ظاهرة صراع الأجيال ونمنع الاختلاط بين المختلفين عمريا، لعلنا نجد أحزابا أكثر انسجاما، على اعتبار ان المتحمسين من الشباب الصغار ينكدون عيشة الحزبيين الكبار من القيادات ويطالبونهم بمواقف حارة وجريئة، وهذا ما لا يقدرون عليه. الأجهزة الأمنية العربية تكون أكثر راحة في التعامل مع أحزاب المعارضة حسب الفئة العمرية، فإن العشرينيين وما تحتهم يتحملون الضرب الشديد، وإن الثلاثينيين يمكن التعامل معهم بالقنابل المسيلة للدموع، والأربعينيون يمكن تفريقهم بالمياه المضغوطة، والخمسينيون يمكن تركهم يهتفون حتى يرتخون وتنزل صماميلهم ويعودن الى بيوتهم متعبين بدون تدخل القوى الأمنية. وإن الستينيين فما فوق، فلا داعي لإرسال القوى الأمنية، ويمكن الاكتفاء بسيارة إسعاف لنقل المجلوطين والمضغوطين، ناهيك عن عرباية تبيع الملبس والشوكولاته والمطازيز، لعلاج المصابين بنقص السكر. يوسف غيشان ghishan@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©