الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

غنّام غنّام يجسد تسع شخصيات في مونودراما معصرنة

غنّام غنّام يجسد تسع شخصيات في مونودراما معصرنة
18 يوليو 2010 21:01
«أنا ابن القضية الفلسطينية بدايةً وابن الهمّ الفلسطيني ثانياً وابن الحلم الفلسطيني ثالثاً».. يقول الممثل والمخرج غنّام غنّام، وهو لا يزال يقف على خشبة مسرح معهد الفنون المسرحية في الشارقة بعد تأدية عرض المسرحية التي شاء لها معدّها ومخرجها الدكتور يحيى البشتاوي أن تكون مونودرامية مع من وجد فيه تعبيراً وافياً لفلسطين غسان كنفاني في روايته «عائد إلى حيفا» التي صدرت عام 1968، وها هي بعد 42 عاماً تعلو المسرح وكأنها قد كتبت اليوم، وقد ساهم في إدخالها هذا الزمن المتشابه بعضٌ ممّا جاء في النص المسرحي بأسماء وأحداث مستجدة لكنها لم تكن مخفية على كنفاني في روايته. عرضان هما الافتتاح لجولة عربية للمسرحية بعد أن قدّمت في الأردن لنحو ثلاثين مرة، مع جمهور غالبيته من الفلسطينيين جاؤوا من عدة إمارات لحضور ما قرأوه من رواية أثّرت فيهم، وأرخت لماض ومستقبل لا تزال أحداثه تتكرر وتتراكم. كما حضر العرضين إماراتيون من مختلف الأعمار تدافعوا إلى الخشبة مهنئين الممثل غنام. أفكار مسبقة كان لابد لها أن تعشعش في الأذهان قبل العرض، فرواية الأديب الشهيد غسان كنفاني «عائد إلى حيفا» كما روايته «رجال في الشمس» التي تحولت إلى فيلم سينمائي، قد تشربتها الأجيال أدبياً وفكرياً، وباتت لوحدها تشكّل ملامح قضية ومسار لها عند الكثيرين. وقد كتبت «عائد إلى حيفا» في زمن اعتقد فيه البعض أنّه سيرسم المستقبل، لكنه جاء بعد نكبة أو نكسة العام 1967 مباشرة، وهنا كان غمز من الممثل غنام غنام وفق النص المسرحي المعدّ من التعابير المستخدمة، وامتلاك البعض لها شعاراً يدلّ على التوجهات الداخلية المتصارعة، إذ يقول في البداية «نكبة» ومن ثم يعتذر هازلاً ممّا آلت إليه الانقسامات الداخلية ليصحّح ويقول «نكسة» بغضّ النظر عن معنى كل كلمة مستخدمة. إذ بات توصيف الأحداث يخضع لتأويلات انتمائية تفرز الناس وتصنفهم.. وهذا ما تابع فيه النص المسرحي في الحديث عن أية مقاومة يودّ خالد الابن الثاني لعائلة فلسطينية هجّرت من حيفا قسراً تاركة وراءها الابن البكر خلدون وهو في شهره الخامس من العمر، أية مقاومة يود الانتماء إليها وتردّد الأب حيال الأمر خوفاً من فقدان ابن ثان بعد فقدان الأول. براعة الأداء أفكار بعض الجمهور المسبقة، والتي تود أن تعيش الرواية مسرحاً، قد تظلم النص المسرحي، ولكن ليس الأداء، فالممثل غنّام غنّام أجاد في ارتداء تسع شخصيات ببراعة المحترف، وهو الذي لم يرض الوقوف جانباً كممثل ومخرج متفرجاً أو يائساً كما حصل مع كثيرين. تسع شخصيات من بينها الأب الحيفاوي وزوجته والابن خلدون والابن خالد والمرأة اليهودية وسواهم، تتغيّر فيها اللهجات، ولا يتغير في الأزياء سوى الكوفية «الفلسطينية» التي تارة تكون حجاباً للمرأة وطوراً كوفية مقاوم، وطوراً كوفية تقي كبار السن من حرارة الشمس، وتلازمهم مساء لتقيهم لسعات البرد. أما الديكور فجاء بسيطاً لا تكلّف فيه، إطارا بابين متحركين على دواليب (عجلات) وإطار صورة تخلو من وجه محدّد، إذ أنها صنعت من قماش أسود علامة الحداد لشهيد أريد له أن لا يحدّد بوجه ما. وعلى المسرح يتحرّك غنّام غنّام وسط جمهور جلس حوله على الكراسي مشكّلاً حلقة على الخشبة، إنهم الحضور الممثل مسرحياً على الخشبة في ميل إلى تفاعل وحوار أفقي أفقي، بدلاً من أن يكون عمودياً. ومن البداية كان ثمة وعد تفاعل معه الجمهور في العودة إلى حيفا، لكنّها تشابكت في النص المسرحي بين الماضي والحاضر وبين النص الروائي والنص المسرحي، فالسرد عند كنفاني والغوص في العمق في الشخصيات يحتاج إلى مساحات أوسع في بعض المواقف، خاصة حين يتقابل الوالد والوالدة مع ابنهما خلدون الذي كبر وترعرع مع عائلة يهودية، وبات جندياً في الجيش الاسرائيلي اسمه دايفيد تيمناً بدايفيد بن غوريون، ثمة تسارع مسرحي لأشدّ المواقف دقّة وصراعاً.. ثمة ولد كبر في مفهوم مختلف، حاقد على الأهل الذين تركوه كما يعتقد لأنهم لم يهتموا به، وليس لأنّ والدته نزلت تبحث عن الوالد وكان النزوح القصري بحشود من الناس الهاربة من الهجوم. هذا الموقف اختصر بنص محدّد كما لو أنه يعلن النهاية، كما العلاقة مع الابن الثاني خالد الذي يريد الالتحاق في صفوف المقاومة، الخيار الذي أربك الأهل في البداية، وريثما تحوّل إلى تأييد بعد لقائهما خلدون أو دايفيد المستعد لقتل أي عربي وجهاً لوجه، كان سريعاً ومختصراً ربما استدعاه لذلك تكثيف النص المسرحي والتقاطه من السرد إلى الفعل الكلامي والحركي على الخشبة. أنا من مريدي غسان كنفاني في حديث مع «الاتحاد»، لفت غنّام غنّام إلى أن المعدّ والمخرج الدكتور يحيى البشتاوي شرفه باختياره للعب المسرحية مختاراً لها الوجهة المونودرامية، حيث ممثل واحد يتقمص كل الشخصيات في حوار بينها وأحياناً في حوار بين إحداها والجمهور. ولم ينف أنها «بالتأكيد مغامرة كبيرة» تحويل النص الروائي إلى مسرحية، ولكنّها «مغامرة محسوبة بذكاء، دخلت في عوالم جديدة، والرواية صدرت في العام 1968 ونحن في العام 2010 وأي ممّن قرأوا الرواية يعلم كم تم الاشتغال عليها مسرحياً». وعن علاقته الشخصية بالمسرحية والنص الروائي، كونها تفاعلاً عاطفياً مع شخوصها، يقول غنام «أنا ابن القضية الفلسطينية بداية وابن الهمّ الفلسطيني ثانياً وابن الحلم الفلسطيني ثالثاً، وأنا من عشاق غسان كنفاني تاريخياً واسم ابني البكر غسان. وكوني كاتب نص مسرحيا وكاتب قصة، فإن غسان كنفاني من العلامات التي أثّرت بتوجهاتي في الحياة. ومن هنا، لي جانب آخر في العلاقة مع النص، عن الجانب الذي رآه أيضاً الدكتور يحيى والمتمثّل في كون بناتي وأحفادي مقيمين في شمال فلسطين وليس بوسعي أن أراهم. وبالتالي، فإن كل هذه العلاقة الوشيجة سواء على الصعيد الشخصي أو على الصعيد الثقافي أو على صعيد الموقف الفكري أيضاً، أنا من أبناء غسان كنفاني في المحصلة، وكلّ هذا كان يدفعني بهذا الاتجاه». وأكّد غنّام أن الإعداد الذي تم بالتعاون بينه وبين الدكتور يحيى البشتاوي، وكل ما قام به كممثل في العرض، هو «مسبق الإعداد»، وإن هذا العمل «لا يحتمل الخروج عمّا أعدّ وإن بدا غير ذلك». النص في البال بدوره يقول المخرج الدكتور يحيى البشتاوي «إن المسرحية ليست سهلة، فالرواية من الصعب تحويلها وتقديمها إلى المسرح». وكان للقائه بالممثل غنّام بعد عودته من بغداد التي قصدها لدراسة الدكتوراه، وللعلاقة الطيبة التي ربطته به ومعرفة تفاصيل حياته وحبّه الكبير لأدب غسان كنفاني، وقرب غنّام من القضية الفلسطينية والفكر الذي تبنّاه كنفاني طوال حياته الأدبية والسياسية، جعلت من الفكرة التي راودت الدكتور يحيى بعمل «عائد إلى حيفا» مسرحي وبشكل مونودرامي، تميل إلى غنّام الذي يقول عنه أيضاً «إن غنام يرتبط بعلاقة عاطفية كبرى مع فلسطين ومع حيفا». وعن النص، يقول «راودني النص طيلة خمس سنوات، إنما كنت لا أزال أبحث عن الإنسان الذي يمكن أن يقوم بهذا الدور، وجاء اللقاء مع غنّام لتكتمل العناصر وتخرج المسرحية للجمهور». ويضيف «تعتمد الرواية طبعاً على السرد المكثّف، وغسان كنفاني يمتاز بميزة محاولته استشراف المستقبل وهو يكتب، وبالتالي حين بدأنا العمل على النص عملنا على قضية موجودة فيه إنما لم تكن مشخّصة، وهي قضية الولد المقاوم، ولم يكن الأهل بداية مع المقاومة، ويبقى أن هذه الشخصية حاضرة ضمن سياقات النص. فعملنا على خط المقاومة وأخذنا الواقع الفلسطيني وتحدثنا عن الواقع العربي أيضاً، كما تحدثنا عن عمق القضية الفلسطينية وما تحتويه هذه القضية من تراكمات كبيرة جداً ومن تشابك في الرؤى وتشابك في الطروحات والأفكار على الصعيد الفلسطيني. لذلك حينما اشتغلنا على هذه الرواية وقمنا بإعدادها أيضاً، اشتغلنا بما يتوافق مع ما هو موجود في دواخلنا، لا سيما أننا، جميع من عملنا في هذا العرض المسرحي، مسكونون بالقضية الفلسطينية التي تشكل همّاً أساسياً في حياتنا». مشاركة الجمهور وتفاعله استخدمت في البنية الدرامية للمسرحية، مشاركة الجمهور بمجرد اجلاس قسم منهم ضمن حلقة حول الممثل على خشبة المسرح، ويقول الدكتور يحيى البشتاوي «المونودراما تتحمل ضمن بنيتها النصية وبنيتها على صعيد العرض أن تكون فيها مشاهد تعبيرية، ومشاهد تركن إلى مسرح بريخت، وبالتالي نحن حاولنا من خلال وضع الجمهور على الخشبة حول الممثل في حلقة، أن نحقّق نظام المشاركة، المشاركة العاطفية والعقلية في الأحداث التي تطرح، لأن الجمهور أيضاً هو جزء من القضية، ووجدنا أن نظام الحلقة أقرب ما يكون لمسرح الحلقة ومسرح الحكواتي، لذلك حاولنا إيجاد هذه الحميمية في جلسة الجمهور حول الممثل في العمل». من دون وجوه المسؤول عن السينوغرافيا فراس الريموني تحدث عن الدلالات التي استخدمت في المسرحية في خدمة الهدف، وعن تشابه مع مسرح الممثل والمخرج اللبناني رفيق علي أحمد، ومسرحه أيضاً مستقى من مسرح الحكواتي، يقول فراس «ثمة تشابه في المونودراما في مفردات السينوجرافيا (الدلالات) في العروض. ولكن يجب علينا الآن التحدّث في التوظيف، وكيف وظفت هذه المفردات وهل كانت ملائمة للعرض أو غير ملائمة. لكن لابد من حالة تناص في التفكير من دون شك وخصوصاً إذا كانت القضايا متشابهة لما يتناولونه. ثمة توارد خواطر في بناء بعض التكوينات التي تتشابه في بعض العروض، بعضها يأتي عن تأثّر مباشر ورؤية لدى المخرج والمسؤول عن السينوجرافيا في العرض المسرحي، وبعضها يتأتى عن عملنا في الأردن منذ زمن انطلاقاً من مسرح الحكواتي». وعن صورة الشهيد في المسرحية التي أتت من دون وجه، إنما قطعة قماش سوداء في إطار، يقول «هذه جزئية من السينوجرافيا التي هي صورة من دون وجه إلا السواد دلالة على أن الشهيد يصير شأناً عاماً ولا يقتصر في وجه واحد وملامح واحدة، ولأن هذا الطرح له تداعياته الشعبية الكبيرة، فهو عن شهداء فلسطين وشهداء الأردن وشهداء الوطن العربي ككلّ، والصورة هنا تذهب في الإطار العام». ويختم فراس الريموني «في العمل المسرحي، نحن نطرح الدلالة ونترك التأويلات للجمهور الذي تصدر عنه الكثير منها من دون أي شك».
المصدر: الشارقة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©