الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

روسيا··· كارثة ديموغرافية

روسيا··· كارثة ديموغرافية
26 أكتوبر 2008 03:03
روسيا هي القوة الصاعدة اليوم وستواصل مسيرتها إلى الأمام في العقود المقبلة دون توقف، هذا على الأقل ما يردده اليوم الخبراء وأجهزة الاستخبارات الغربية، بالإضافة إلى المرشحين الرئاسيين في أميركا وطبعاً يؤكده المسؤولون الروس أنفسهم· وقد عبر الكريملن بوضوح عن الثقة الخارقة التي يبديها في مستقبل روسيا خلال السنة الماضية عندما أعلنت الحكومة الروسية بأن اقتصادها سيكون خامس أكبر اقتصاد على الصعيد العالمي بحلول عام 2020 إلى جانب كل من الصين والهند واليابان والولايات المتحدة· ورغم الأزمة الاقتصادية العالمية الحالية مازال المسؤولون الروس يتوقعون نمواً سريعاً ومتواصلا لبلادهم إلى درجة أن رئيس الوزراء، فلاديمير بوتين، تحدث عن نسبة نمو كبيرة تصل في العام المقبل إلى 5,5%· وبالنسبة للرأي العام الدولي الذي أذهله التدخل العسكري الروسي في جورجيا وما رافقه من تباه، وأبهرتهم الثروة النفطية للدولة الروسية، فإن فكرة الصعود البارز لروسيا على الساحة الدولية قد تكون مبررة ومعقولـــة، لكــــن من يتمعــن قليلاً في الوضع الديموغرافي لروسيا لا شك أنه سيغير رأيه وستبدو فكرة الصعود الروسي بعيدة عن الواقع· فحالياً تواجه روسيا كارثة ديموغرافية حقيقية عجز القادة الروس إلى حد الآن عن التعامل معها، أو إيجاد مخرج حقيقي لها، فرغم الارتفاع الكبير الذي شهدته روسيا في عوائدها من النفط والغاز الطبيعي والأرباح الهائلة التي حققتها نتيجة لذلك، يعاني الأساس البشري للأمة الروسية-وهو المصدر الحقيقي لثروة وقوة البلد-من أزمة خطيرة تهدد مستقبلها· فلو نظرنا إلى عدد سكان الاتحاد الروسي اليوم لرصدنا تراجعاً بنحو سبعة ملايين مقارنة بالعام 1992 عقب سقوط الشيوعية، حيث سجلت البلاد خلال مرحلة ما بعد الاتحاد السوفييتي نسبة عالية من الوفيات وصلت إلى ثلاث بين كل ولادتيين· ويبدو أن الحوافز التي أعلن عنها الكريملن لتشجيع الولادات قبل عامين وما نتج عن ذلك من ارتفاع طفيف في معدلات الولادة لم يحجب المشكلة الأساسية والمتمثلة في تزايد نسبة الوفيات مقارنة مع معدل الولادات بأكثر من 250 ألف حالة وفاة في النصف الأول من العام ·2008 وهكذا يتبدى الوضع الكارثي للصحة في روسيا الذي انحدر إلى الأسوأ مقارنة بسنوات ميخائيل جورباتشوف، أو حتى ليونيد برجنيف، حيث تدنى متوسط العمر في روسيا خلال العام 2006 إلى أقل من 67 سنة، وهو أدنى مما كان عليه في الخمسينيات قبل أكثر من نصف قرن تقريباً· وبالنسبة لمجتمع متعلم ويعيش في المدن يشكل هذا الرقم المرتفع من الوفيات حالة شاذة بكل المقاييس التاريخية، لا سيما إذا عرفنا أن متوسط العمر في روسيا يقارب نظيره في الهند، كمـــا أن متوســـط أعمــــار الرجـــال الروس الـــذي لا يتجاوز اليوم 60 عاماً هو أقل مقارنة بالرجال في باكستان· ويصبح التقهقر الصحي في روسيا أكثر حدة لدى الفئات العمرية القادرة على العمــل، فقد قفز معدل الوفيات لدى الرجال الروس بين 15 و64 عاماً خلال السنوات من 1965 إلى2005 بأكثر من 50%، وربما الصادم أكثر هو ارتفاع تلك النسبة لدى النساء العاملات في روسيا إلى أكثر من 30% خلال الفترة ذاتها· وبالتزامن مع ذلك كانت الظروف الصحيـــة للعمال في أوروبا الغربية تتحسن ويرتفع متوسط أعمارهم إلى درجة أن احتمال الوفاة بالنسبة لرجل روسي في الثلاثين من عمره يعادل الاحتمال نفـــسه لدى رجـــل هولندي في الستين من العمر· هذه الأرقام المخيفة عن الواقع الصحي في روسيا تؤثر سلباً على الآفاق الإنتاجية في المجال الاقتصادي، إذ من الصعب مثلاً توقع نفس المعايير المعيشية الموجودة في أيرلندا، أو نفس الإنتاجية الاقتصادية لبلد يصل فيه معدل الوفيات إلى مستوى الهند· والأكثر من ذلك أن هذه الأرقام والاتجاهات الديموغرافية تنطوي على أبعاد أخطر، لا سيما في ظل تراجع حظوظ الرجال الروس الذين يبلغون العشرين من عمرهم للوصول إلى سن التقاعد، في حين يحتفل خمسة من بين كل ستة رجال أميركيين من نفس العمر بعيد ميلادهم الخامس والستين· وبالنظر إلى الارتفاع الكبير في نسبة الوفيات وتقلص سنوات الحياة بالنسبة للرجال، فإنه يصعب الاستثمار في التعليم العالي والتدريب المستمر لارتفاع التكاليف وقلة المردودية، والحال أنه في الاقتصاد المعاصر يعتبر الاستثمار في الرأسمال البشري أحد أهم محركات النمو الاقتصادي وخلق الثروة· وقد يعتقد البعض أن الأزمة الصحية التي تعاني منها روسيا باعتبارها البلد الصناعي المتقدم يمكن تجاوزها عبر السياسات المعروفة في هذا المجال مثل رفع مستوى المعيشة وتبني سياسيات طبية فعالة، لكن معالجة الاختلالات الصحية المزمنة في روسيا لن يكون سهلاً· فرغم تزايد الدخل الفردي في روسيا بأكثر من 80% خلال العقد الأخير بفضل انتعاش قطاع النفط والغاز، إلا أن نسبة الوفيات بالكاد تزحزحت من أرقامها المرعبة· فالسبب وراء المعدلات العالية للوفيات في روسيا اليوم لا تأتى من الأمراض المعدية التي يمكن القضاء عليها بحبة دواء، أو اتقاء شرها بالتطعيم المبكر، بل تكمن في الأمراض المزمنة وغير المعدية مثل تلك المرتبطة بالقلب التي يفوق معدل الإصابة بها في روسيا أربع مرات بالمقارنة مع أوروبا الغربية· وإذا صدقت توقعات قسم السكان في الأمم المتحدة سيتراجع سكان روسيا بعشر ملايين نسمة خلال العالم ،2020 وهو ما يعني أن متوسط العمر في روسيا سيبقى متقهقراً بسنة على الأقل مقارنة مع أقل الدول تقدماً في العالم· ومع أننا لا نعتقد بحتمية العامل الديموغرافي، ولا بأنه قدر غير قابل للتغيير، إلا أنه من الصعب تصور روسيا كقوة اقتصادية على الساحة العالمية في ظل المشاكل الصحية المتفاقمة التي ترزح تحت وطأتها· نيكولاس إيبرشتاد باحث في معهد أميركان إنتربرايز ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©