الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ماكين وأميركا الحقيقية

26 أكتوبر 2008 03:04
هل يمكن لأميركا الحقيقية أن تتفضل بالوقوف؟ حسبما تقول''سارة بالين ''·· فإنها و''جون ماكين'' يعتقدان سوياً أن أميركا الحقيقية التي تتجسد فيها أفضل القيم هي تلك التي يمكن العثور عليها في المدن الأميركية الصغيرة التي يجب علينا أن نزورها كما زارها ماكين وبالين· أما بقاؤنا جميعاً هنا مشغولين بأعمالنا دون زيارة تلك المدن فلا يعني سوى أننا لسنا وطنيين مثلهما· ما رأيكم في هذا الكلام؟·· هل هو كلام مقنع؟··· لا أعتقد! وليس هذا كل شيء· فبعد أن أدلت بالين بتلك الملاحظات عادت فتراجعت عنها·· غير أن العاملين في حملتهما الانتخابية بما في ذلك قيادات تلك الحملة ما زالوا جميعاً يحاولون غرس رسالة في أذهاننا مؤداها أن بعض أجزاء أميركا أكثر أصالة وأكثر وطنية من باقي الأجزاء، وأن بعض الأشخاص أكثر أصالة ووطنية من باقي الأشخاص أيضاً· ففي يوم الأحد الماضي على سبيل المثال، ألمحت ''نانسي بفوتينهاور'' مستشارة جون ماكين إلى أنه على رغم حقيقة أن نورث فرجينيا قد أصبحت أكثر ميلًا لـ''الديمقراطيين''، فإن ''فرجينيا الحقيقية'' (تقصد ذلك الجزء من الولاية الأكثر ميلاً للحزب ''الجمهوري'') ستكون أكثر استجابة لماكين· واللافت للنظر في هذا السياق أن النائب''روبن هايس'' (جمهوري- نورث كارولينا) قد انضم إلى هذه الجوقة حيث خاطب تجمعاً انتخابياً لماكين قائلًا: ''إن الليبراليين يكرهون أميركا الحقيقية·· أميركا التي تعمل·· أميركا التي تنجز·· أميركا التي تؤمن بالله''· فيما بعد تراجع ''هايس'' -كما تراجعت ''بالين'' من قبل- عن تلك الأقوال· ولكن الذي حدث بعد ذلك، وتحديداً يوم الثلاثاء الماضي في ''ويسترن بنسلفانيا'' ـوفي ذلك الجزء من الولاية الذي لا يحظى فيه باراك أوباما بالتأييدـ هو أن ماكين عاد للحديث عن الموضوع نفسه مجدداً عندما قال: ''إن ويسترن بنسلفانيا هي الجزء الأكثر وطنية، والأكثر تديناً في أميركا بأسرها''· والحقيقة أن شيفرة الحزب ''الجمهوري'' ليست بتلك الشيفرة التي يصعب كشفها: فأميركا في نظر الحزب تنقسم إلى أميركتين: تلك التي تؤيد أوباما وهي أميركا غير الحقيقية وغير الأصلية والأقل وطنية وتديناً والتي يسكنها مواطنون يعتنقون الأفكار الليبرالية ويتصفون بصفات أهل المدن الكبيرة وطرائقهم في السلوك والحديث، والذين غالباً ما يكونون سود البشرة·· وتلك التي تؤيد ماكين وهي أميركا الحقيقية والأصلية، أي أميركا المدن الصغيرة التي يعيش فيها سكان -بيض البشرة حتماً- يعتنقون الأفكار المحافظة، ويؤيدون ماكين· وهذا الإسفاف في الخطاب المسبب للخلاف والشقاق الذي دأب الحزب ''الجمهوري'' على ترديده في الآونة الأخيرة ليس بالجديد، ولكن الملاحظ فيما يتعلق بهذا الخطاب أن أميركا الحقيقية التي يقصدها في كل فترة تغدو تدريجياً أقل شبهاً بأميركا التي يعيش فيها معظم الأميركيين·· لماذا؟ لأن 80 في المئة من الأميركيين يعيشون في مناطق كبرى وليس في مدن صغرى، كما أن ثلث عدد السكان ينتمي إلى أقليات عرقية، كما تقدر الإحصائيات الرسمية أن 5 في المئة من الأطفال الأميركيين تحت عمر خمس سنوات، ينتمون إلى أبوين من الأقليات· وعلى رغم أن 88 في المئة من الأميركيين يؤمنون بالله، فإن 70 في المئة منهم يؤمنون أيضاً بأن الأديان الأخرى تقود المؤمنين بها إلى الحقيقة· وعلى رغم أن 59 في المئة منا، يعتقدون أن ارتداء شارة أو وسام مرسوم عليه العلم الأميركي يعد وسيلة لائقة للتعبير عن الوطنية، فإن هناك 66 في المئة يؤمنون بأن الاحتجاج على السياسات الأميركية الجائرة يعد وسيلة لائقة للتعبير عن الوطنية أيضاً· وفي أيامنا هذه، يقول نصف الأميركيين على الأقل إنهم يفضلون الحزب ''الديمقراطي'' على الحزب ''الجمهوري''· وعلى ضوء ذلك كله ألا يحق لنا أن نتساءل: ما الذي يدفع بالين وماكين وفريق حملتهما إلى مواصلة محاولاتهم لتمرير رسالة مؤداها أن أميركا التي يعيش فيها معظمنا هي أميركا غير الحقيقية، وأن أميركا الحقيقية هي فقط تلك التي تؤيد الحزب ''الجمهوري''؟ إن استمرارهم في ذلك لا يعني من وجهة نظري غير أنهم يحاولون التنفيس عما يحسون به من قلق ناتج عن إدراكهم بأن الفرصة تتسرب من بين أيديهم شيئاً فشيئاً· ومن ثم يحاولون صرف الأنظار عن حقيقة أن أميركا الحقيقية هي أرض التغيير، وأرض التجدد الدائم، وأن وقت التغيير الحقيقي قد حان· روزا بروكس كاتبة ومحللة سياسية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©