الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مصائب باكستان لم تعد فوائد للهند!

مصائب باكستان لم تعد فوائد للهند!
26 أكتوبر 2008 23:23
يعلم الله أن باكستان تستحق بعض الأنباء الطيبة الكفيلة برفع روحها المعنوية، التي هبطت بفعل المآزق العديدة التي تجد نفسها فيها· ففي إحدى مقاطعاتها وهي ''بلوشستان'' يواصل التمرد احتدامه· وفي محافظتها الحدودية الشمالية الغربية، ينشط الجناح الباكستاني من ''طالبان'' في مساحات كبيرة من الأراضي دون أن يتمكن الجيش من وقفه، ويدمى أنف هذا الجيش إذا ما فكر في تحديه· وإلى جوار تلك المحافظة توجد المناطق القبلية التي تمثل ملاذاً لـ''القاعدة''، وناشطي الجناح الأفغاني من ''طالبان''، والتي يعتقد على نطاق واسع أن أسامة بن لادن يختبئ فيها· والتهديد الذي يمثله الإرهاب وحركات الإسلام السياسي لا يترك أمام الحكومة الباكستانية الجديدة المنتخبة ديمقراطياً سوى خيارات صعبة: فلكي ترضي الولايات المتحدة، يتعين عليها التعامل على نحو أكثر عدائية مع التهديدين المذكورين، مما يعرضها إلى المزيد من الخسائر· وإذا ما أصبحت أكثر صرامة، فقد تغامر بإقصاء الرأي العام المستاء من الدور الذي تلعبه الحكومة الباكستانية كحليف لأميركا في الحرب التي تشنها ضد الإرهاب، كما أن تلك الصرامة في حد ذاتها ستؤدي إلى انتشار العنف· ولا يقتصر الأمر على ذلك، بل نجد الاقتصاد الباكستاني يواجه أزمة شديدة حيث يدور معدل التضخم فيه حول 25%، كما يزيد معدل البطالة على 8% -وما يزال يواصل ارتفاعه- ويتناقص احتياطي البلاد من النقد الأجنبي تدريجياً، ويمكن أن يصل الحال بالبلد إلى عدم القدرة على سداد أقساط ديونه· وطالما أن الصورة على هذه الدرجة من القتامة·· فما هي الأنباء الطيبة التي أقصدها؟ الشيء الغريب هو أن تلك الأنباء تأتي من آخر مصدر كانت باكستان تتوقع أن تأتي منه وهو الهند·· بل ومن ناحية أكبر مشكلة تفرق بين الدولتين وهي كشمير المقاطعة ذات الأغلبية المسلمة، والتي خاضت الدولتان حولها حربين كاملتين وعدداً لا يحصى من المناوشات· يفرق ''خط التقسيم'' بين القطاع الذي تديره الهند من كشمير، وذلك الذي تديره باكستان وذلك منذ نهاية أول حرب بين الدولتين على كشمير عام ·1948 وعلى رغم الهدنة التي وقعها البلدان عام ،2004 فإن قوات البلدين لم تكف عن تبادل إطلاق النار واستمر ذلك حتى يوليو الماضي· ولكن من ناحية هذا الخط تحديداً تأتي الآن بعض مشاعر الاستحسان· فقد بدأت التجارة تتدفق عبر ذلك الخط مؤخراً في الاتجاهين لأول مرة منذ أن وجدت المشكلة، بحثاً عن أسواق ومشترين· ويحلم بعض رجال الأعمال المنتشين في الهند وباكستان بأنه إذا ما مضى كل شيء على ما يرام، فإن هذا الممر التجاري سيوفر مدخلا لسوق أكبر ربما يتجاوز الدولتين· وهذا التطور الجديد لم يكن ليصبح ممكناً بدون متغيرين رئيسيين· المتغير الأول هو أن باكستان قد بدأت منذ ،2002 وتحت ضغط أميركي عنيف، في اتخاذ خطوات ترمي لكبح جماح المجموعات الإرهابية التي ظلت لفترة طويلة تدربها وتزودها بالأسلحة والمعدات التي تساعدها على التسلل عبر خط التقسيم· أما المتغير الثاني، فهو أن القادة الهنود غيروا تفكيرهم بشأن باكستان، فقد كانوا في الماضي ينظرون إلى أية مصيبة تلحق بها على أنها تمثل فائدة للهند· ففي عام ،1971 على سبيل المثال، كانت الهند منتشية بفعل النصر الذي حققته على باكستان والذي نتج عنه قيام دولة بنجلاديش التي كانت نشأتها بمثابة المصيبة الكبرى بالنسبة لباكستان· ومن المعروف أن العديد من الهنود، كانوا يرون أن وجود باكستان نفسها وهي دولة إسلامية تم إنشاؤها كي تكون وطناً لهنود جنوب آسيا، يمثل تحدياً للمجتمع الهندي العلماني، وكانت الحجة التي يثيرها ذلك المجتمع دوماً هي أنه طالما أن الهند لا يزال يعيش فيها ملايين المسلمين حتى الآن، فما الذي كان يدعو أصلاً إلى إنشاء باكستان؟ لقد أصبحت الأشياء مختلفة الآن ولم تعد أي مصيبة تلحق بباكستان تعني تلقائياً فائدة للهند· ففي باكستان تقوم في الوقت الراهن دولة مضطربة، مسلحة نووياً، وتعج بالراديكاليين الإسلاميين، والمجموعات الإرهابية، وهو ما سيجعل من موضوع المحافظــــة على سيطرتهـــا -سيطرة الهند- على الاوضاع في كشمير أكثر صعوبة بكثير مما كان عليه من قبل (تلك المهمة كانت صعبة في الأساس بسبب الشهرة التي اكتسبها الجيش الهندي في التعامل مع الكشميريين بوحشية)· وهناك أيضاً مشكلة أكبر، وهي أنه إذا ما تفككت باكستان، فإن الفوضى والعنف سيسودان فيها، وسيمتدان إلى الجناح الغربي من الهند الممتد من كشمير عبر باكستان وصولاً إلى أفغانستان، وإن أي محاولة هندية لتقليص حدته ستؤدي إلى مفاقمته من خلال التسبب في ردة فعل شعبية غاضبة· وفي الوقت الراهن أصبحت مصائب باكستان تمثل مصائب للهند أيضاً· وما يحدث عبر خط التقسيم في كشمير ليس إلا خيطاً رفيعاً من الأمل المضيء وسط سحابة داكنة من التهديدات والمخاطر· فالتجارة في حد ذاتها، ليست ترياقاً شافياً لجراح الصراع، وخصوصاً إذا ما كانت تجرى على نطاق ضيق· فجذور الصراع لا تزال قائمة: فالكشميريون لا يزالون يسعون إلى الحصول على حق تقرير المصير، والهند وباكستان -كلتاهما- تدعيان الحق في ملكية كشمير· ولكن التجارة التي تتدفق، والتي تتوسع تدريجياً، يمكن أن تخلق مكاسب متبادلة، توسع من نطاق المنافع، وتبني الثقة بين البلدين· والثقة تحديداً هي الشيء الذي يحتاجه البلدان لتحقيق أي تقدم -مهما كان بطيئاً ومتدرجاً- بشأن النزاع حول كشمير· وهذا هو السبب الذي يدعوني للقول إن تلك الشاحنات التي عبرت خط التقسيم حملت أخباراً طيبة· راجان مينون أستاذ الدراسات الدولية في جامعة ليهاي وزميل في نيو أميركان فاونديشين ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©