السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإدمان.. مرض نفسي لا وصمة عار!

31 يوليو 2017 14:56
جمعة النعيمي (أبوظبي) بين وصمة العار والمرض النفسي، يحتار مدمنو المخدرات والكحول والأدوية بأمرهم، فإما أن يتعاملوا مع المسألة بشكل إيجابي لتلقي العلاج أو أن يخفوا إدمانهم ويتركوا أنفسهم عالقين لفترات طويلة، تنتهي بقبضة الشرطة وفضيحة ووصمة عار في مجتمعهم، فأين الحل؟. وفي ذلك يتساءل الأهل ما السبب، في انجرار أبنائهم إلى هاوية المخدرات؟، هل هو غياب لغة الحوار التي تعاني منها الأسر في الدول العربية والخليجية؟ أم أن العزلة للشباب والفتيات أوصلت أشخاصاً غرباء إليهم؟ أم أنها برامج التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت التي تترصد الشباب والفتيات؟ وما السبيل للخلاص من هذه الآفة؟. الدكتور حمد الغافري، مدير عام المركز الوطني للتأهيل في الإمارات، أكد أن وصمة العار الاجتماعية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالعادات والتقاليد وثقافة المجتمع في حصول بعض الأمور المعينة، والتي قد تتسبب في وقوع حرج اجتماعي حسب البيئة التي يعيش فيها المدمن، سواء كان الشخص مدمناً على الكحول أو المخدرات، موضحاً أن هذا المفهوم يعتبر مفهوماً خاطئاً، إذ إن الإدمان عبارة عن مرض نفسي حاله كحال الأمراض العضوية التي تصيب الإنسان نظراً لقلة الوعي والثقافة ومستوى المعرفة وقلة برامج التوعية، وهي كلها عوامل أدت إلى ظهور وصمة العار الاجتماعية والعيب خوفاً من الفضيحة وسط المجتمع. وأشار إلى أن مجموعة من الناس تخاف من الفضيحة والعيب وسط المجتمع ومن القانون الذي سيعاقب أبناءها، واختلط المفهومان على الناس، إلا أن القانون الأخير لعام 2017 أعطى المدمن حرية التقدم للعلاج دون أي ملاحقة قانونية، ما يعتبر أولوية قصوى عمل بها المشرّع القانوني لحماية الأبناء، لافتاً إلى أن السنوات الماضية شهدت برامج توعوية، سواء للمخدرات أو الأمراض المصاحبة للإدمان، تزيل مع الوقت وصمة العار الاجتماعية، لأنه مرض عضوي يصيب الدماغ، وله مضاعفات أعراض وعلامات على المدمن، ويجب علاجه، وأشار إلى وجود تجاوب في العام 2002 وبعد العام 2005، حيث صار التركيز على الفئات المستهدفة، سواء الأمهات أو الأسر أو دور التربية الأسرية، وبدأ المجتمع يعي أهمية نشر الوعي وتقبل العلاج». وتابع: «شخصياً المسألة تعتبر مسألة نفسية بالنسبة للشخص المريض، ووصمة العار الاجتماعية بدأت تقل شيئاً فشيئاً، ما جعل مرضى الإدمان يساعدوننا في جلب مرضى آخرين لتلقي العلاج والمحافظة على السرية التامة للمعلومات، بدءاً من فترة العلاج وحتى التعافي». وأضاف: «هناك فئة حساسة في المجتمع، ألا وهي فئة النساء، ونحاول هنا إزالة وصمة العار الاجتماعية للتقدم للعلاج»، مشيراً إلى أن الكثير من النساء اللائي اعتمدن على وصفة الأدوية المخدرة، وأصبحن مدمنات عليها، يخفن جداً من التقدم للعلاج، ولكن بفضل توافر برامج التوعية ، بدأ المركز الوطني للتأهيل بداية طيبة لتقبل العنصر النسائي للعلاج باستحياء، كون وصمة العار الاجتماعية مرتبطة ارتباطاً قوياً بالثقافة والدين والعادات والتقاليد. وأكد أنه بمجرد توفير برامج التوعية، سيتم تغيير المفاهيم في المستقبل، مضيفاً أن الأسر والأهالي قاموا بتقديم العنصر النسائي لطلب العلاج، كما أنهم قاموا بالمساعدة في علاج البنات، موضحاً أن طبيعة الحال تعتبر طبيعة نفسية، نظراً لطبيعة المرض، لأن المريض النفسي لا يعلم ولا يعرف حقيقة نفسه إنْ كان يعاني مرضاً أم لا، ناهيك عن معاناة الأسرة من ابنها الذي يعاني المرض، حيث يتعين عليها أن تتقدم بطلب الاستشارة الطبية عن طريق العيادات الصحية الأولية أو المصحات النفسية، لافتاً إلى أن ذلك يمثل دوراً كبيراً على عاتق المصحات الاجتماعية والمؤسسات التعليمية أو الاجتماعية. وأكد سلمان الزياني عضو هيئة التدريس في كلية الطب والعلوم الطبية في جامعة الخليج العربي أن الثقافة السائدة تعد السبب الرئيس لكون وصمة العار الاجتماعية لها ارتباط قوي ووثيق بها، مشيراً إلى أن هناك ثقافة سلبية وسيئة في الوقت ذاته لدى الأهالي والناس عامة، وأن الناس يخشون كثيراً على السمعة، ولا يراعون مسألة علاج ابنهم المدمن، بل يتسترون عليها، مخافة المجتمع الذي يعيشون فيه، والمشكلة تتفاقم بسرية تامة، وتبدأ المشاكل حينها، وعند استعراض طرق الكشف المبكر على حالات الإدمان، وذلك في مراكز الرعاية الصحية الأولية، يمكننا أن نتفادى الخطر المحيط بالمدمن ودرجة الخطورة، سواء كانت بسيطة أو متوسطة أو عالية، وقبل أن تتفاقم المشكلة، ما يساعد في وقت مبكر على العلاج أو التدخل المبكر ما يغير من سلوك المدمن. وتابع: «هناك كثير من اللجان العلمية التي تؤكد فعالية الكشف المبكر ومدى تأثيره في سلوكيات الإدمان والمنشطات أو الحد منها، وذلك قبل تحويل المريض إلى الطبيب المختص لعلاجه أو الرعاية الأولية، وذلك من خلال التعامل مع المدمنين والأمراض التي يعانونها مثل الدورية ومرضى السكري والدم والدهون، حيث تتم معاملتها المعاملة نفسها، مع مراعاة السرية التامة للمريض»، مشيراً إلى وجود 200 حالة، كما أن هناك مضاعفات للإدمان كأمراض الكبد والقلب والبنكرياس. العلاج بالنصيحة وقال الدكتور عادل أحمد الزايد مدير مركز علاج الإدمان في الكويت: «إن الجانب المهم هنا يتوقف على برامج علاج الإدمان التي تقوم على الحرص بجهولية المدمن بحاله، وليس القصد هنا إفشاء السرية المعلوماتية وإبلاغ الجهات المختصة بحال المدمن، ولكن المقصود هنا هو الحرص على عدم فضح نفسه، لأنه في مرحلة التعافي يكون المدمن سعيداً، ويريد أن يقول إنه مدمن وفخور بأنه يتلقى العلاج ويتعافى»، مشيراً إلى أن الدور هنا منصب على تقديم النصيحة للمدمن وليس فضحه. وأوضح أن مرض الإدمان مرض مزمن، تتخلل الفترة الأخيرة العديد من الانتكاسات حتى في مرحلة التعافي المستمر، كما أن قضية الانتكاسة تعتبر جزءاً من تاريخ المرض، حيث يجب التفريق بين الشخص الجاد والشخص غير الجاد في مرحلة التعافي ورد فعله في الانتكاسة، موضحاً أن الشخص المجتهد في انتكاسته يقوم بدراسة الأمور والعوامل بعد الانتكاسة، في حين أن الشخص غير الجاد يضع خطر الانتكاسة على الآخرين، ليبرر سببها، مضيفاً أن تبرير السلوك هو جزء رئيس، وسلوك المدمن هنا يقوم على البحث الدائم عن المبررات. وأضاف: «إن العدد الأكبر من المدمنين هم من فئة الرجال في دول الخليج، ولكن ليس معنى ذلك عدم وجود نساء»، مشيراً إلى أن ذلك يكون تحت غطاء التستر، حيث إن الخدمات المقدمة لعلاج الإدمان خلال 5 سنوات شهدت طفرة كبيرة. وتابع: «إن عدد المرضى الذين يريدون التعافي من تلقاء أنفسهم يعتبر قليلاً مقارنة بالذين يأتون رغماً عنهم لتلقي العلاج، حيث إن عدد الأشخاص الذين يريدون العلاج كبير»، لافتاً إلى أن العلاقة طردية بين من يريد العلاج من تلقاء نفسه مقارنة بالآخر الذي يأتي لتلقي العلاج رغماً عنه، وأن من يأتي لتلقي العلاج من تلقاء نفسه يكون شخصاً قادراً على التخلي عن الإدمان، ولكنه بحاجة إلى مساحة أكبر عن غيره. وأضاف: «إن العامل الرئيس هنا هو كيفية التواصل والحوار مع المدمن لمساعدته على الإقلاع عن الإدمان، كما أن الأسباب تكون مختلفة، ومنها غياب الأسرة والسلوك التربوي»، داعياً إلى ضرورة التوعية والتثقيف لأفراد المجتمع بحال المدمن وكيفية التعامل معه لمساعدته على العودة إلى حياته الطبيعية. غياب الإدراك من جانبه، قال الدكتور محمود العبري، مدير مركز خدمات الإدمان في سلطنة عُمان: «إن السبب الرئيس لما يحدث في المجتمع، يرجع إلى قلة الإدراك والوعي بقضية المخدرات، وأثرها على الفرد في المجتمع، والمشكلة الأساسية تكمن في المخدرات، فحالها كحال الحوادث التي يتعرض لها الإنسان كالطيش والتهور، مقارنة بالتفكك الأسري وانشغال الأبوين وعدم الاكتراث لتربية الأبناء والعولمة ووسائل التواصل الاجتماعي». ودعا الأسر والأهالي إلى ضرورة إعطاء وقت للتواصل مع الأبناء، لأن الصور القديمة للمدمنين اختلفت عن السابق، ولا بد من وجودها في البيت، ناهيك أن كل شخص يكون في عزلة، ما يمكّن الجماعات المضللة والإرهابية مثل المافيا والتي تتمتع بقدرة على دراسة نقاط الضعف في مريض الإدمان من ناحية الترويح عن النفس والانحلال الأخلاقي، وفي ورشة عمل بناء قدرات العاملين في قطاعي تطوير الخدمات الوقائية وإدارة تعاطي المؤثرات العقلية والاضطرابات المترتبة عنها بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية التي تم تنظيمها خلال العام المنصرم، تمت تغطية مواضيع عديدة، حيث تم وضع استراتيجية وطنية معنية بالدراسات والبحوث والمكافحة والعلاج. وأشار إلى أن التركيز يكون على البرامج الوقائية ذات الكفاءة، كما أن بعض البرامج غير مجدية، والبرامج الناجعة تصب في بناء شخصية الطفل وطرق تواصله ومهاراته الحياتية وانتمائه لوطنه والخلق الحسن ودور الأسرة ووعيها بقضية النشء وكيفية تربيته بطريقة صحيحة، لافتاً إلى أن هناك أساسين هما: الأساس المتعلق بالمجتمع وتقبله ووعيه بالثقافة، والجانب الثاني المتعلق بالبرامج العلاجية، حيث من المفترض ألا يكون على المستوى المرجعي، بل يجب أن يتكامل مع الخدمات الصحية الأولية، إضافة إلى وجود خدمات مجتمعية. وتابع «يتعين أن يكون هناك عيادة تخصصية لعلاج مرضى الإدمان، ويكون الدكتور المختص ذا خبرة وكفاءة عالية في معرفة استقطاب مرضى الإدمان وتشخيص حالة المريض وتحويله وإقناعه لترك السلوكيات السلبية التي يعاني منها، بسبب الإدمان»، مشيراً إلى أن بعض المجتمعات تخاف من الفضيحة أكثر من العقاب، حيث إن أكثر الحالات التي تم علاجها كانت من فئة الذكور، كما يجب عمل دراسة ومسح أكبر، نظراً لأن الخدمة العلاجية متوافرة، وأفراد المجتمع أصبح لديهم وعي بالمشكلة خلال السنوات الخمس الأخيرة، ومن الضروري رفع الجانب التوعوي لعلاج مرضى الإدمان. مجتمع الرجال من جهتها، قالت الدكتور ندى عادل أبو المجد، استشاري طب نفسي ومدير إدارة الإدمان في الأمانة العامة للصحة النفسية في وزارة الصحة في مصر: «إن الإدمان يعد وصمة عار وليس مرضاً، ونحاول عمل توعية عن طريق وزارة التربية والتعليم ووزارة الداخلية»، موضحة أن المدمن مريض وأنه لم يدمن لتلقي العلاج، حيث يمكن إزالة وصمة العار لجعل المرء قابلاً للعلاج، مشيرة إلى أن مجتمع الرجال يعد الأكثر في الإدمان والدراسات المتقدمة أثبتت ذلك، حيث تصل نسبة الإدمان في مصر من 3 إلى 6%، لافتة إلى البدء بعملية التوعية ولكن دون خطة استراتيجية. وتابعت: «ما تم إنجازه خلال 5 سنوات ساعد كثيراً في وضع استراتيجية لمكافحة الإدمان والعلاج في معظم المحافظات، وتنوعت الخدمات الموجهة للمراهقين والمراهقات، وهناك خدمة موجهة للسيدات فقط حيث انطلق برنامج رعاية نهارية للمراهقين، تفادياً لعدم ترك المسألة، وتبين بعد ذلك أن عدد المراجعين زاد ونسب المتعافين زادت هي الأخرى، ولكن ما يجعل قضية الإدمان موجودة في المجتمع، يرجع إلى قلة الوعي وغياب الحوار في الأسرة، والتربية مفقودة، داعيةً إلى وضع حل لهذه الأمور العالقة». ثلاثة عوائق يرى الدكتور عبدالله الشرقي، استشاري الطب النفسي وعلاج الإدمان في المملكة العربية السعودية أن هناك 3 أشياء تمنع الناس من التقدم لطلب العلاج، وهي الوصمة التي ترتبط بالإنسان الذي دخل المستشفى، والسرية التامة للمريض، حيث يعتقد البعض أن هناك تسريباً لمعلومات المريض للناس، إضافة إلى الخوف من العقوبة الأمنية وما يرافقها من حبس وعدم وجود أدوية لعلاجه. وقال: «إن العمل في هذا المجال يوضح أن هناك زيادة في عدد الحالات، سواء الذكور أو الإناث، وأن هناك تغيراً في أنماط التعاطي، إضافة إلى وجود شباب صغار في السن يقومون بالتعاطي، ناهيك عن تغير بعض أنواع المواد المستخدمة، حيث ظهر مؤخراً، تعاطي الشباب لبعض أنواع الأدوية مثل الترامادول، ودواء اللاريكا والأدوية المهدئة مثل كالزناكس والفاليوم». وتابع: «من الصعب تحديد سبب معين لتعاطي المخدرات، نظراً لوجود عوامل متعددة ترتبط بالفرد نفسه وبأسرته ومجتمعه، ومنها فقدان الفرد لأسرته ومجتمعه، ما يجعله أكثر عرضة لإدمان المخدرات، في حين أن صاحب القرار هو الذي تتوقف عليه مسألة العلاج، فكلما كان المريض متعاوناً كلما كان أكثر التزاماً بالسمات العلاجية»، مشيراً إلى أن أكثر المرضى الذين يستمرون في العلاج هم من يأتون من تلقاء أنفسهم، على عكس الشخص المجبر من أسرته لتلقي العلاج، ولتجنب حدوث مثل هذه الأمور، لابد من التزام الحضور لفترات طويلة مع تحاليل دورية، إضافة إلى استخدام الوسائل التي تبقي الشخص في العلاج، مع توفير حوافز دفاعية لاستكماله.  
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©