عندما يأتي ذكر الرياضات البحرية فلابد وأن يرتبط ذلك ارتباطاً كلياً بالمغفور له بإذن الله تعالى الشيخ مكتوم بن راشد آل مكتوم 'طيب الله ثراه'·
فقد كان المغفور له هو المؤسس لنادي دبي الدولي للرياضات البحرية تلك القلعة العملاقة التي تعد القلب النابض لدبي الجديدة·· كما أنه كان المؤسس لمؤسسة الفيكتوري تيم التي لا يتوقف نشاطها فقط على المشاركة في السباقات العالمية·· بل أصبحت مؤسسة صناعية واقتصادية تمد عالم السباقات بالزوارق من خلال التصنيع الذي أصبح علامة تجارية مميزة بكل ما تحمله الكلمة من معاني·
وعندما أردنا الغوص في هذه المعاني كان لابد من الاستعانة بسعيد حارب مدير نادي دبي الدولي للرياضات البحرية ورئيس لجنة بطولة العالم للزوارق السريعة للفئة الأولى··
فسعيد حارب هو الذي عاصر البداية الأولى لنادي دبي وعاصر نشأة الفيكتوري تيم وكان شاهد عيان على بعد نظر الشيخ مكتوم وفكره·· هذا الفكر الذي أوصلنا للعالمية·· وكان وراء هذا الترويج الرائع لدولة الإمارات ولمدينة دبي حتى حظيت الدولة بمكانة بحرية متميزة على الصعيد العالمي·
يقول سعيد حارب: عندما يأتي ذكر الرياضات البحرية، وعندما يأتي ذكر نادي دبي للرياضات البحرية·· والفيكتوري تيم، فلابد وأن يأتي على الفور من ذلك الشيخ مكتوم 'رحمه الله' فهو الصورة الحقيقية لهذه الرياضة وهو المؤسس لنادي دبي وللفيكتوري تيم·
نادي دبي البحري
على صعيد نادي دبي البحري·· فقد وضع من خلاله لجنة للرياضات البحرية سواء على صعيد الرياضات التراثية أو على صعيد الرياضات الدولية·· فقد كان 'رحمه الله' لديه بعد نظر فقد كان يدرك أن الدولة مقبلة على طفرة هائلة·· ورأى أنه يجب أن نحمي ونحافظ على رياضتنا التراثية في مواجهة هذه الطفرة حتى لا تندثر وتذهب أدراج الرياح·· وكان الشيخ مكتوم حريصاً كل الحرص على الرياضات التراثية حتى من خلال اخوانه، فسمو الشيخ حمدان بن راشد عندما أسس سباق صير بونعير السنوي التراثي فعل ذلك بناء على توجيهات من الشيخ مكتوم·
أما من الناحية الدولية·· فقد وصل نادي دبي للعالمية من خلال تنظيمه لجولتين من بطولة العالم للزوارق السريعة في عامي 92 و93 وفاز النادي بلقب أفضل منظم عالمي وهو لا يملك ناديا·
وبعدها مباشرة تأسس نادي دبي النموذجي كصرح موجود بالميناء السياحي·· وقد أنشأه الشيخ مكتوم بفكر والده المرحوم الشيخ راشد بن سعيد لأن الشيخ راشد هو الذي أطلق الميناء السياحي قبل حوالى 40 سنة·
لقد تواصل المغفور له الشيخ مكتوم مع فكر والده عندما أقام هذا النادي العملاق بهذه الامكانيات في نفس المكان وهكذا تحول الاسم إلى واقع ملموس·· فالميناء السياحي بدبي هو القلب النابض للمنطقة الجديدة بدبي· والشيء الملفت حقاً أنه عندما أسس النادي وضع له ضمانات مستقبلية·· فقد كان يدرك أن الحكومة لها التزاماتها وأنها لن تمول نادي دبي البحري إلى ما لا حدود·· من أجل ذلك فكر في مشروع كبير يتولى الوفاء بالالتزامات لنادي دبي·· والمشروع هو انشاء فندق النادي المعروف باسم ميريديان النادي السياحي·· وكان بذلك يعطي ضماناً باستمرار الرياضات البحرية من خلال اعتمادها على نفسها دونما الحاجة لميزانية من الحكومة·· وبالفعل عندما نرى اليوم ذلك الفندق ونرى تواصل الفعاليات بدعم ذاتي·· لا يمكننا سوى الترحم على الشيخ مكتوم الذي أمن الرياضات البحرية من خلال اعتمادها في نفقاتها على نفسها وليس على الحكومة·· لقد كانت رؤية بعيدة النظر منه 'رحمه الله'·
الفيكتوري تيم
واذا تحدثنا عن الفيكتوري تيم فتلك قصة أخرى·· فهو لم ينشئ هذا الفريق ليكون مجرد فريق·· بل من أجل أن يكون منافساً قوياً وأن يتواجد بقوة في الأحداث العالمية·· نعم لم ينشئه للمسابقات المحلية بل أنشأه لكي يمثل الدولة في المشاركات الخارجية·· وكانت أولى هذه المشاركات سنة 90 في أميركا وبالتحديد في مدينتي سارسودا وكيدست·· نعم لقد أراد أن تكون المشاركة في أقصى مكان بالعالم·· كان يريد أن يقول لهؤلاء إننا جئنا إليكم من الصحراء من منطقة الحضر والبدو لكي نؤكد قوة مشاركتنا ونعمل على الفوز بالبطولة·
منذ هذه السنة ولد الفيكتوري تيم كما أراد له المغفور له الشيخ مكتوم عملاقاً فقد شارك في عام 92 في بطولة العالم للزوارق السريعة عندما انطلقت فئتها الأولى·· وكانت مشاركة الفيكتوري بثلاثة زوارق بناء على تعليماته وكان حريصاً على التواجد الشخصي في البطولة·· نعم فقد دعم الفيكتوري مادياً ومعنوياً وكان دائماً يريد توصيل رسالة لنا وهذه الرسالة تقول: أنتم لستم وحدكم ولن تكونوا وحدكم·· فسوف أكون معكم على الدوام·· وكما تواجد في خور دبي عام 92 من بداية السباق وحتى نهايته حرصا منه على الحضور والتواجد مع الفريق خلال جولاته العالمية في الخارج حيث شاهد جولة جزيرة جينزي ببريطانيا عام 93 وشاهد بعد ذلك جولات أخرى في فرنسا وأعطى بحضوره وتواجده دفعة معنوية هائلة للفريق· وهكذا برز الفيكتوري تيم بوجود شخصية الشيخ مكتوم إلى جواره وتمكن هذا الفريق العربي الخليجي الإماراتي من تحقيق الانتصارات والأمجاد واحداً تلو الأخرى وأوجد لنفسه شخصية وشعبية في كل مكان حل فيه بفضل تواجد الشيخ مكتوم ودعمه فقد كان حريصاً ألا يتركه وحده يصارع بل كان معه دائماً مشجعاً ومؤازراً ومكلفاً 'رحمه الله'·
وكما فعل مع الفيكتوري مسانداً من البداية حتى أصبح اسمه على كل لسان فعل مع نادي دبي الدولي للرياضات البحرية فقد تابع خطوات البناء الأولى وخطوات النمو حتى تأكد واطمأن بأن النادي أصبح قادراً على الوقوف على قدميه·· نعم لم يترك نادي دبي أبداً حتى اطمأن أن لديه الضمان المالي وأن النشاط مستمر من أفضل إلى أفضل·
التوجيهات والتعليمات
ويقول سعيد حارب: لقد كان الشيخ مكتوم 'رحمه الله' في تعليماته وتوجيهاته لنا أشبه بالجامعة·
فقد كان يوجهنا دائماً بحسن التنظيم وحسن معاملة الضيوف·· كان يقول: تعاملوا معهم كضيوف وليس كمتسابقين أو متنافسين·· كان يدقق في كل صغيرة وكبيرة خلال استقبالنا وتنظيمنا للبطولات العالمية·· نعم كان متواجداً بتعليماته في الاستقبال وفي الوداع وفي حفلات التكريم·· كان يريد الاطمئنان على كل صغيرة وكبيرة·
كان دائماً يقول: هؤلاء هم سفراؤنا في دول العالم، نعم هم سفراؤنا عندما يذهبون لبلادهم·· فهم ينقلون الصورة الحقيقية للدولة لبلادهم·· ولن نكسبهم إلا بحسن المعاملة قبل التنافس والمشاركة· لقد كان دائماً يحرص على أن نطلعهم على كل معالم الإمارات ودبي حتى تكتمل الصورة في أذهانهم·
لقد كان المغفور له الشيخ مكتوم حريصاً على الترويج الحقيقي للدولة ولمدينة دبي·· وكان دائماً يقول إن الترويج الناجح لا يقدر بمال ولا يقدر بثمن·
لقد غرس المغفور له الشيخ مكتوم فينا فضيلة حسن المعاملة حتى يصبح المتسابقون خير سفراء لبلادنا عندما يعودوا إلى بلادهم·
دروس لا تقدر بثمن
ويؤكد سعيد حارب أن الشيخ مكتوم 'رحمه الله' قد أعطانا دروساً لا تقدر بثمن، تعلمنا منه وسرنا حتى الآن على نهجه ومن بين هذه الدروس كيفية احترام الوقت·· لقد زرع فينا هذا الشيء ولم يتنازل أبداً عنه وكان حريصاً عليه كل الحرص· في أحد السباقات وكان موجوداً بلندن تأخرنا حوالى (5) دقائق على انطلاقة السباق فتلقيت منه مكالمة هاتفية كان فيها متسائلاً لماذا تأخرتم كل هذه الدقائق·· فقلت له إن خللاً فنياً أصاب محركات احدى الطائرات المروحية كان وراء تأخرنا·· وفي السباق الذي تلا ذلك فوجئنا بحضوره إلى السباق قبل نصف ساعة من انطلاقته·· وفي الوقت المناسب تحركت له شخصياً وقلت له نحن جاهزون ولكن هناك بعض الزوارق لا زالت تستعد للنزول وسأل عن جنسية هذه الزوارق وقال لا بأس اذا لم تكن من الإمارات·· وقال التأخير غير مطلوب بالمرة ويجب أن نلتزم دائماً بالوقت في السباق القادم·
ليس الوقت فقط الذي تعلمناه·· بل تعلمنا الاهتمام بكل صغيرة وكبيرة·· ففي أحد السباقات جاء في يخته ووقف على خط سير السباق·· وكنا أمام أحد أمرين إما أن نخاطبه بالتحرك وإما نعزل من خط سير السباق·· وذهبت إليه وقلت وقوفكم خطأ·· وعليكم أن تتقدموا مائة متر إلى الأمام·· وبعد أن أمر اليخت بالتحرك إلى الأمام قال: لقد تعمدت ذلك لكي أعرف هل ستجامل اللجنة الشيخ مكتوم أم أنها سوف تكون ملتزمة·· لقد كان ذلك اختباراً ولقد تأكدت أنني وضعت رجالاً يريدون السباقات ولا يجاملون أحدا·· نعم لقد تعلمنا منه ألا نجامل في العمل مهما كان السبب·
وتعلمنا أيضاً كما ذكرت أن نلتزم بالوقت وألا نؤخر السباق بسبب أي شخصية مهما كانت·
أيضاً أتذكر -يقول سعيد حارب- انه في أحد سباقات الزوارق السريعة قمنا بالغاء السباق نظراً لتغير حالة الطقس·· وكان المغفور له الشيخ مكتوم موجوداً على ظهر يخته فقال له المتواجدون معه حسناً فعلت بأنك نبهت اللجنة بالغاء السباق·· ولكنه بهدوئه المعروف عنه قال لمن معه: اتصلوا وشوفوا لماذا ألغي السباق·· ولما سألوا عرفوا أننا ألغينا السباق نظراً لحالة الطقس·· فقال لمن معه هل شاهدتم فأنا لست الذي ألغى السباق بل ألغاه المنظمون·· نعم ألغينا السباق دون أن نرجع إليه فقد أعطانا الصلاحية والمسؤولية في أهمية اتخاذ القرار الصحيح دون الرجوع لأحد من المسؤولين حتى لو كان حاضراً·· لقد كان الشيخ مكتوم حريصا على تكوين كوادر مسؤولة تستطيع اتخاذ القرار وتستطيع ادارة السباقات بحيدة تامة ودون الرجوع للمسؤولين طالما أنهم واثقون من صحة قرارهم·· لقد كان الشيخ مكتوم يفتخر أننا اتخذنا القرار المناسب في حضوره دون الرجوع إليه·
لقد وضع سموه دروساً مهمة استفدنا منها فقد أصبحت لدينا قدرة على اتخاذ القرار كما أننا قدَّسنا الوقت واحترمناه·· وعملنا دائماً نعتمد على الموضوعية وليس على المجاملة·· إن كل ذلك تعلمناه من مدرسة مكتوم·· إنه موروث نعمل به ووصلنا إلى العالمية بطريقته ومدرسته 'فرحمه الله وأسكنه فسيح جناته· إنا لله وإنا إليه راجعون'·
عدد اليوم
