الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«عبدالله الحكواتي».. صمت إلى حد الصراخ

«عبدالله الحكواتي».. صمت إلى حد الصراخ
19 مايو 2014 23:03
إبراهيم الملا (الشارقة) قدمت فرقة الصواري البحرينية مساء أمس الأول بقاعة العروض في جمعية المسرحيين بالشارقة، عرضها «عندما صمت عبدالله الحكواتي» المشارك ضمن المسابقة الرسمية للدورة الثالثة عشرة من مهرجان المسرح الخليجي التي تنظمها وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع خلال الفترة من السابع عشر وحتى الرابع والعشرين من الشهر الجاري بالشارقة. عمل العرض ضمن مستويات درامية متصاعدة، ضد عنوانه وضد حمولاته اللفظية، استنادا إلى عبارة لشكسبير يقول فيها: «وما الحياة إلاّ ظلّ يمشي، ممثل مسكين يتبختر ساعة على المسرح، ثم لا يسمعه أحد، حكاية يرويها معتوه، ملؤها الصخب والعنف». وعلى وقع هذا العبث المروّض في حلبة السينوغرافيا ودلالاتها، يلملم المؤلف والمخرج البحريني الشاب حسين خليل شظايا اللذة والخيبات التي ينثرها الممثل البحريني المخضرم عبدالله السعداوي المشتبك في دور الحكواتي، حيث بدا منهكا وسط صحراء الحكاية، ودونه ألف متاهة وألف خراب، أما شهرزاد التي تتصدر المشهد الأسطوري في خلفية هذا البوح الذبيح، فبدت مثل شبح أو طيف يلوّن الرواية كلها بالدم والدموع وبالصمت الفائض حدّ الصراخ. العرض يتواطأ السرد مع الكتمان هنا، ومنذ بداية العرض، عندما يدخل الحكواتي بجسده وحضوره وهيبته وسط خشبة أشبه بالحلبة المفتوحة وكأن ثمة صراعا سوف ينشب عما قليل بين الحقيقة والوهم وبين الشواهد والأكاذيب داخل هذا النسيج المتوتر والمهيمن على فضاء مريب ومصطدم بثنائية الانتحال والمصداقية وبجاذبات التفكيك والتجسيد، لتبدأ المناورة الماكرة خارج العلبة الإيطالية التقليدية ويصبح الجمهور المحيط بالخشبة من زواياها الأربع هو المراقب المذهول والشاهد الحائر بين ضفتي المأساة والملهاة، حيث الحكاية تجري بينهما مثل نهر لا يتوقف. يقول عبدالله الحكواتي في المشهد التأسيسي للعرض: «أنا الوحيد القادر على تحويل أي شيء إلى قصة، تنتقل من لسان إلى لسان» وحوله خمسة من المستمعين له في سوق شعبي، ويقوم بأدوارهم كل من الممثلين: محمد الصفار، وباسل حسين، ومحمود الصفار، ومحمد المرزوق، ومعهم مخرج العمل حسين خليل، ونفس هؤلاء الخمسة سيستلمون دفة السرد لاحقا عندما يدخل عبدالله في شرنقة الصمت ولا يخرج منها، لكنه وضمن حيلة العرض ذاته، سوف ينقل لهم جرثومة الحكاية ولعنتها أيضا، كي تتناسل وتينع فيهم مثل نبت شيطاني يمتد ويتحرك في مسارات العرض، ولكي يروي كل واحد من هؤلاء ذكرياته الخاصة والسرية الموصولة بعذابات التاريخ والجغرافيا وبشهوة السلطة وآلام العبودية تحت ظلال تراثنا البعيد والغامض، وفي سراب راهننا الأكثر غموضا، وكل حكاية منها تنفتح على أحلام وجروح، وكل جرح يستدعي الصراع الأبدي بين المحبة والكراهية، وبين الملائكة والشياطين، وبشهية مفتوحة على دراما الوجود، عندما يصبح الكائن وحده المتحكم في مصيره منذ زفرة الميلاد وحتى شهقة الموت. أعداء الحب يصوم الحكواتي الكهل عن الكلام، ربما احتجاجا على واقع أخرس، وموبوء بالفساد والإقصاء، ولكن الحكاية ذاتها لا تريد أن تتوقف أمام هذا الكبت والكتمان، تدور العجلة الجهنمية للأكاذيب والخرافات والوسوسات لأن الشر لا يموت، ولأن أعداء الحب ما زالوا يحتفلون بإشعال الحرائق في كل زمان ومكان، وعندما يصمت عبدالله الحكواتي فإن آلاف الألسنة سوف تدينه، وسوف تعيد تدوير الحكاية حتى لا يقطع شهريار عنق الراوي، وحتى يظل مصير الكلمات موزعا وللأبد بين دم وماء. مناخات اعتمد مخرج العرض على جماليات المسرح الفرجوي وطقوس الإيماءات والإيقاعات الصوتية واللونية المشتبكة مع عناصر البنية المشهدية ككل، وكانت العتمة وروائح البخور والفوانيس الخافتة أشبه بالمدارات الحسية التي عززت فضاء العرض، وأحالته إلى مناخات تراثية تغري حاسّة الإصغاء، وتدمج الجمهور في حلقة التجليات الصوفية والمونولوجات الشجية عندما يكون إيقاع العرض هادئا ومشغولا بخطاب الذات وتأملاتها، وفي المقابل وعند صعود هذا الإيقاع البصري والسمعي والسردي يأخذ العرض منحى صاخبا ومشحونا بعنف متجسد ومتخيل في آن واحد. ورغم محاولة النص خلق توازنات إيحائية بين المفردة الشعبية البحرينية والأخرى الفصيحة، إلا أن ازدحام العرض بالقصص الشخصية للممثلين الستة على الخشبة سبب نوعا من الإرباك في ثيمته الأساسية، فبدت الحكايات المتعددة مثل كتل سردية منفصلة وغلبت عليها الثرثرة والحوارات الزائدة ما أدى إلى تبديد غايات العرض ومقاصده، دون أن يعني ذلك إهمال الجهد الكبير الذي بذله الطاقم الأدائي والتقني من خلال تنويعات الإضاءة والمؤثرات السمعية، ومن خلال الانتقالات الشيقة بين أزمنة السرد المختلفة، ورصد تحولات الشخوص وتمزقاتهم بين الأمثولة الصافية والخديعة المعتمة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©