الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

من معاني العيد

9 يناير 2006

العيد في معناه الديني شكر لله على تمام العبادة، لا يقولها المؤمن بلسانه فحسب، ولكنها تعتلج في سرائره رضا واطمئنانا، وتنبلج في علانيته فرحا وابتهاجا، وتسفر بين نفوس المؤمنين بالبشر والأنس والطلاقة، وتمسح ما بين الفقراء والاغنياء من جفوة·
والعيد في معناه الانساني يوم تلتقي فيه قوة الغني، وضعف الفقير على محبه ورحمة وعدالة من وحي السماء، عنوانها الزكاة والاحسان والتوسعة·
يتجلى العيد على الغني المترف، فينسى تعلقه بالمال، وينزل من عليائه متواضعا للحق وللخلق، ويذكر ان كل من حوله اخوانه واعوانه، فيمحو اساءة عام باحسان يوم·
يتجلى العيد على الفقير المترب، فيطرح همومه، ويسمو من افق كانت تصوره له احلامه، وينسى مكاره العام ومتاعبه، وتمحو بشاشة العيد اثار الحقد والتبرم من نفسه وتنهزم لديه دواعي اليأس على حين تنتصر بواعث الرجاء·
والعيد في معناه النفسي حد فاصل بين تقييد تخضع له النفس، وتسكن اليه الجوارح، وبين انطلاق تنفتح له اللهوات، وتتنبه له الشهوات·
والعيد في معناه الزمني قطعة من الزمن خصصت لنسيان الهموم، واطراح الكلف، واستجمام القوى الجاهدة في الحياة·
والعيد في معناه الاجتماعي يوم الاطفال يفيض عليهم بالفرح والمرح، ويوم الفقراء يلقاهم باليسر والسعة، ويوم الأرحام يجمعها على البر والصلة، ويوم المسلمين يجمعهم على التسامح والتزاور، ويوم الأصدقاء يجدد فيهم اواصر الحب ودواعي القرب، ويوم النفوس الكريمة تتناسى اضغانها، فتجتمع بعد افتراق، وتتصافى بعد كدر، وتتصافح بعد انقباض·
وفي هذا كله تجديد للرابطة الاجتماعية على اقوى ما تكون من الحب، والوفاء، والإخاء، وفيه أروع ما يضفي على القلوب من الأنس، وعلى النفوس من البهجة، وعلى الأجسام من الراحة·
وفيه من المغزى الاجتماعي - ايضا - تذكر لابناء المجتمع بحق الضعفاء والعاجزين، حتى تشمل الفرحة بالعيد كل بيت، وتعم النعمة كل اسرة·
في العيد يستروح الاشقياء ريح السعادة، ويتنفس المختنقون في جو من السعة، وفيه يذوق المعدمون طيبات الرزق، ويتنعم الواجدون بأطايبه·
في العيد تسلس النفوس الجامحة قيادها الى الخير، وتهش النفوس الكزة الى الاحسان·
في العيد احكام تقمع الهوى، من ورائها حكم تغذي العقل، ومن تحتها اسرار تصفي النفس، ومن بين يديها ذكريات تثمر التأسي في الحق والخير، وفي طيها عبر تجلي الحقائق، وموازين تقيم العدل بين الأصناف المتفاوتة بين البشر، ومقاصد سديدة في حفظ الوحدة، واصلاح الشأن، ودروس تطبيقية عالية في التضحية، والايثار والمحبة·
في العيد تظهر فضيلة الإخلاص مستعلنة للجميع، ويهدي الناس بعضهم الى بعض هدايا القلوب المخلصة المحبة، وكأنما العيد روح الأسرة الواحدة في الأمة كلها·
في العيد تتسع روح الجوار وتمتد، حتى يرجع البلد العظيم وكأنه لأهله دار واحدة يتحقق فيها الاخاء بمعناه العملي·
في العيد تنطلق السجايا على فطرتها، وتبرز العواطف والميول على حقيقتها·
العيد في الاسلام سكينة ووقار، وتعظيم للواحد القهار، وبعد عن اسباب الهلكة ودخول النار·
ليس السر في العيد يومه الذي يبدأ بطلوع الشمس وينتهي بغروبها، وإنما السر فيما يعمر ذلك اليوم من اعمال، وما يغمره من احسان وافضال، وما يغشى النفوس المستعدة للخير فيه من سمو وكمال، فالعيد انما هو المعنى الذي يكون في العيد لا اليوم نفسه·
هذه بعض معاني العيد كما نفهمها من الإسلام، وكما يحققها المسلمون الصادقون، فأين نحن اليوم من هذه الأعياد؟ وأين هذه الأعياد منا؟ وما نصيبنا من هذه المعاني؟ وأين آثار العبادة من آثار العادة في أعيادنا؟
ان مما يؤسف عليه ان بعض المسلمين جردوا هذه الاعياد من حليتها الدينية، وعطلوها عن معانيها الروحية الفوارة التي كانت تفيض على النفوس بالبهجة، مع تجهم الأحداث، وبالبشر من شدة الأحوال، فأصبح بعض المسلمين - وإن شئت فقل: كثير منهم - يلقون اعيادهم بهمم فاترة، وحس بليد، وشعور بارد، واسرة عابسة، حتى لكأن العيد عملية تجارية تتبع الخصب والجد، وتتأثر بالعسر واليسر، والنفاق والكساد لا صبغة روحية تؤثر ولا تتأثر·
ولئن كان من حق العيد ان نبهج به ونفرح وكان من حقنا ان نتبادل به التهاني، ونطرح الهموم، ونتهادى البشائر - فإن حقوق اخواننا المشردين المعذبين شرقا وغربا تقتضي ان نحزن لمحنتهم ونغتم، ونعنى بقضاياهم ونهتم، فالمجتمع السعيد الواعي هو ذلك الذي تسمو أخلاقه في العيد الى أرفع ذروة، ويمتد شعوره الانساني الى أبعد مدى وذلك حين يبدو في العيد متماسكا متعاونا متراحما، حتى ليخفق فيه كل قلب بالحب والبر والرحمة ويذكر فيه ابناؤه مصائب اخوانهم في الاقطار حين تنزل بهم الكوارث والنكبات·
ولا يراد من ذلك تذارف الدموع، ولبس ثياب الحداد في العيد، ولا يراد منه - ايضا - ان يعتكف الانسان كما يعتكف المرزوء بفقد حبيب أو قريب، ولا ان يمتنع عن الطعام كما يفعل الصائم·
وانما يراد من ذلك ان تظهر اعيادنا بمظهر الأمة الواعية، التي تلزم الاعتدال في سرائها وضرائها، فلا يحول احتفاؤها بالعيد دون الشعور بمصائبها التي يرزح تحتها فريق من ابنائها، ويراد من ذلك ان نقتصد في مرحنا وانفاقنا، لنوفر من ذلك ما تحتاج اليه امتنا في صراعها المرير الدامي·
ويراد من ذلك - ايضا - ان نشعر بالإخاء قويا في ايام العيد؟ فيبدو علينا في أحاديثنا عن نكبات اخواننا وجهادهم ما يقوي العزاء، ويشحذ الهمم، ويبسط الأيدي بالبذل، ويطلق الألسنة بالدعاء؟ فهذا هو الحزن المجدي الذي يترجم الى عمل واقعي·
وتذكر في صبيحة العيد، وانت تقبل على والديك، وتأنس بزوجك، واخوانك وأولادك، وأحبابك، واقربائك، فيجتمع الشمل على الطعام اللذيذ، والشراب الطيب، تذكر يتامى لا يجدون في تلك الصبيحة حنان الأب، وأيامى قد فقدن ابتسامة الزوج، وآباء وأمهات حرموا أولادهم، وجموعا كاثرة من اخوانك شردهم الطغيان، ومزقهم كل ممزق؟ فإذا هم بالعيد يشرقون بالدموع، ويكتوون بالنار، ويفقدون طعم الراحة والاستقرار·
وتذكر في العيد وأنت تأوي الى ظلك الظليل، ومنزلك الواسع، وفراشك الوثير تذكر اخوانا لك يفترشون الغبراء، ويلتحفون الخضراء، ويتضورون في العراء·
واستحضر انك حين تأسو جراحهم، وتسعى لسد حاجتهم انك انما تسد حاجتك، وتأسو جراحك والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض، وما تنفقوا من خير فلأنفسكم، و من عمل صالحا فلنفسه، و من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه، و من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم و مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسر·
محمد ابراهيم
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©