الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

العيدية

9 يناير 2006
يحلم الفقراء، يهزهم الجوع ويرهق المخيلة، لكنهم يحلمون! من جوعهم يحلمون، وعلى أبواب الصمت تحلق أمنياتهم الصغيرة، وتمضي صوب عالم من صنعهم، إرادته بأيديهم وخيره قرب الأنفاس·· يحلم الفقراء! والعيد بالنسبة إليهم حلم آخر، وزمن آخر لإغماض العينين وإيقاف الذاكرة!
فأية ضحكة ستنشق عنها أفواه الجياع، والعيد يحمل إليهم توبة الأغنياء وحبهم لله صدقات طيبة الخطوات؟! وأي فرح سيسكن برد دورهم المفتوحة للخواء ليزرعه بالدفء؟!
إنها ضحكة الربيع والفرح بالدفء، والارتواء! فرح الأخوة حين ترتسم على الأيدي الممتدة بالحب زارعة بذار التكافل والتراحم!
العيد رحمة ومودة وفرح، صلة وخير وعتق من قيود النفس الشحيحة! والعيد سعادة الغني بالبذل والعطاء، وفرح الفقير بسد الحاجة وتحقيق الأمنيات الصغيرة، ليقل عدد الجائعين والمتخمين!
ما زالت (العيدية) تحفر فرحها في مخيلتنا، حين نبحر بلا أشرعة في طفولتنا، ما زالت حقائبنا طرية الحواشي، ما زالت دافئة بالحلوى والأمنيات·· نجمع العيدية، نقارن أنفسنا بالآخرين، ونحلم بصوت مسموع! وكأن العيد للفقراء·· وللصغار!
فلماذا نشوه ملامح العيد الجميلة؟! لماذا نحمله فشلنا في التعامل مع الحياة، وفهمنا الخاطئ للأشياء، لتنقلب الأمور، ويتبادل الناس الأدوار دون مبرر أو فائدة؟
لماذا نحبس أنفسنا داخل قضبان العادات ونترك اتساع الرحمة والفرح؟! لنفقد جوهر العيد، وروحه المحلقة بمضمونها السامي! وبدل أن تزرع العيدية الفرح في نفس الفقير تغرس في صمته المرتعش الحيرة والترقب، فها هو الهم يكسو وجهه كلما اقترب العيد، جاعلاً من ضحكات الانتظار على وجوه صغاره مبرراً للانتقام، وطريقة للتنفيس من الغيظ المكتوم، بل ويعمد الى حرمانهم من الملابس الجديدة والعيدية، وذلك ليقدمها لرحم أو لذوي قربى، ليستر فقره، ويتظاهر بالاقتدار، تخلصاً من همس الناس وعتابهم·
وفي بعض الحالات يستدين الفقير ليقوم بواجبه تجاه الرحم وذوي القربى، بل ان بعضهم يسرق الفرحة من أيدي أبنائه حين يجمع منهم العيدية التي يحصلون عليها من الآخرين· وذلك لتقديمها لأخت أو قريبة ميسورة، قد لا تشكل لها نقوده شيئاً، وقد تلقي بها لأحد أبنائها لينفقها في العيد، تاركة ملامح الحسرة والعوز على وجوه أبناء الفقير المكابر!
فالعيدية رغم أنها تعودت أن تحمل فرح العيد وتتجول به على الأيدي الصغيرة والمنتظرة فإنها تكون في كثير من الأحيان نقوداً متحركة في دورة تفتقر الى العدالة، يقدم فيها الفقير للغني، ويحرم فيها الفقير من لحظات الحلم الجميل!
وفي العيد يجاور الحزن الفرح، يرافقه في المخيلة وصحوة الذاكرة، ليحمل وجوه أناس أحببناهم وشاركونا فرح الأعياد ورحلوا، عادت الأعياد ولم يعودوا! وتركونا لحزن فقدهم والشوق!
من حقنا أن نشعر بالحزن، ومن حقهم أن نذكرهم، فينسكب من أفواهنا الدعاء! أما زيارة القبور فمغالاة في الحزن، وإطفاء لشعلة الفرح في نفوس الناس، ودمع في وقت يحن للضحكة، ووجوم في وجه هو أحوج للابتسام! ومن المؤلم أن يشارك الصغار في الطقوس لزرع نفوسهم بالكآبة، باسم الوفاء للراحلين، والأطفال أحق بوفائنا لطفولتهم، ولملابسهم التي لم ينتظروا طلوع الشمس ليرتدوها، أملاً بالبهجة واللعب!
من حقهم ألا نزرع عيونهم بدموعنا ونحن نهرب من فرحهم لعتمة كآبتنا، فنطفئ بالدمع والعتمة شموعهم المضاءة ببراءتهم والحلم!
العيد فرح وبهجة وحلوى! وصغار لا يتسع الكون لصدى ضحكاتهم، والعيد صلاة وتكبير وصدقات! وهو أيام لزرع الفرح وحب الله لا للانفلات من كثير من سلوكيات الدين وآدابه بحجة الفرح، مصطنعين مرونة زائفة تفسد العيد·
سمية عبدالحميد
المصدر: 0
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©