المرابطون الصامدون

وجدتني من المرابطين الصامدين في البلاد أمام إغراء الهروب إلى خارج الحدود من هجمة الحر وقيظ صيف هذا العام، ليس من باب البطولة أو حبا في التصدي للمهام الصعبة لكنه حكم الزمان. غير أنني رأيت في مراكز التسوق ازدحاما غير عادي وتوقعت أن يكون هناك مهرجان أو عروض غير تقليدية واكتشفت أن الازدحام نتيجة حالة اللجوء الجماعي إلى تلك المراكز اتقاء الحر وإبعادا للملل وبحثا عن مشاهد تبعد السآمة والكآبة الناتجة عن نقص الأوكسجين في الهواء بسبب الرطوبة التي تشبعت بها الأجواء. ووجدت أن بعض المراكز تفاعلت مع حالة اللجوء إليها فصارت تقدم عروضا لتسلية الجمهور، فتجد بعضا منها يقدم برامج ترويجية لدول وأمم تعرض فيها تراثها الشعبي من خلال فنون موسيقية شعبية ورقصات تقليدية تنقلك إلى أجواء احتفالية في تلك الدول. شعرت بالراحة لأنني لست الوحيد المرابط في البلاد، وفكرت في استغلال تواجدي الصيفي القسري في القيام ببعض الاستكشافات التي لم أجد لها مساحة زمانية في خضم انشغالاتنا بالحياة اليومية، محاولا إقناع نفسي بأن الإجازة لا تعني بالضرورة حمل الحقائب والتنقل من مطار إلى آخر، لكنها يمكن أن تكون كذلك تنقلا بين المدن المحلية، غير أن حالة الحر والرطوبة تجعل الحالة المزاجية العامة خاملة تفضل الركون إلى الكسل وإلى البقاء تحت براد التكييف. خصوصا في مجتمعاتنا التي تهمل استغلال الأوقات الذهبية بسبب تراكمات ثقافية مغلوطة رسخت في الأذهان الرغبة في المبالغة الاسترخاء في وقت الإجازات، لدرجة أن يتحول الليل نهاراً والنهار ليلاً، فالإجازة يمكن أيضا أن تكون فرصة لإعادة ترتيب الأوراق والتخطيط للمستقبل والخروج من الروتين وهي فرصة لإشباع الرغبات النفسية المهمة المتمثلة في الهوايات المختلفة. ولأن الحال كذلك فلم يعد من مبرر لأخذ إجازة وقضائها محليا وتمضية أيامها السريعة في النوم أو اللجوء إلى مراكز التسوق، خصوصا أن شهر رمضان الكريم يحل علينا هذا العام في أكثر شهور الصيف حرارة ورطوبة وطولا، الشهر الذي يطول فيه النهار ويقصر الليل، إنه أغسطس العتيد. على أي حال وإرضاء للنفس وإيهاما لها للخروج من المسألة خروج المنتصرين، فقد وجدت أن أفضل دواء لعدم التعرض للملل والكسل، هو في الدوام وممارسة المهام الوظيفية وتأجيل الإجازة حتى وقت السفر، حتى وإن كان من مبادئ الإجازة الحصول على مزيد من الراحة للتخلص من الضغوط اليومية الناتجة عن المهام الوظيفية، والارتباطات العملية، فضلا عن أنها فرصة لتجمع العائلة في مكان وزمان واحد. rahaluae@gmail.com