الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

إندونيسيا··· مقاربة تحترم المساواة بين الجنسين

إندونيسيا··· مقاربة تحترم المساواة بين الجنسين
29 أكتوبر 2008 22:13
تطلب ليلى منير من الأمهات الشابات الخمسين في الفصل استعمال مخيلتهن وتسألهن: كيف سيكون حالكن لو قام أزواجكن بدعم حقكن في العمل ومساعدتكن في الأعمال المنزلية؟ بدا التعجب على النساء الجالسات في مقاعدهن من هذا السؤال بينما ضحك بعضهن· غير أن ما يبدأ كمزحة حول الأزواج السيئين يتحول إلى نقاش جاد حول دور الجنسين وحقوق النساء حيث تعلّم منير طلبتها أن الإسلام يدعم ويشجع تمكين المرأة، وكذلك ينبغي أن يفعل الرجال أيضاً· بهذه الطريقة البسيطة، والمهمة في الوقت نفسه، تتحدى ليلى، التي تدير منذ عام 2002 ''مركز البيسانترن لدراسات الديمقراطية'' في جاكرتا، الآراء والمواقف التقليدية حول النوع في إندونيسيا التي تعد أكبر بلد إسلامي· بهذه الطريقة تحاول ليلى استرجاع ما تعتبره رسالة القرآن الضائعة· فبينما يتوهم كثيرون في الغرب أنه كتاب يحض على عدم التسامح، ترى ليلى أنه عكس ذلك تماماً، فهو يحض على التسامح والانسجام بين الأديان كافة· وحيث يرى بعض الإسلاميين المتشددين أنه يدعو لحمل السلاح، ترى هي أنه كله دعوة للسلام· وبدلاً من الاعتقاد بأن ثمة في الإسلام ما يبرر التفاوت بين الرجل والمرأة، ترى ليلى واجباً على عاتق جميع الرجال يتمثل في العمل على تمكين النساء· وللانتقال من النظري إلى التطبيق، فتحت ليلى مركزاً للتدريب عام 2002 بهدف الوصول إلى المدارس الدينية التقليدية التي تعرف باسم ''البيسانترن''· ويوجد في إندونيسيا نحو 18000 مدرسة من هذا النوع، يتردد عليها نحو 3 ملايين طالب· وتلعب مدارس ''البيسانترن'' دوراً مهماً في إعداد أجيال إندونيسيا المقبلة، غير أنه ينظر إليها أحياناً على أنها منتجة للعنف؛ ذلك أن عدداً من المتهمين في تفجيرات بالي عام ،2002 والتي قُتل فيها أكثر من 200 شخص، كانوا قد انضموا إلى مدارس ''البيسانترن'' في جاوا الشرقية· كما قيل أيضاً إن أحد الانتحاريين الذين استهدفوا مؤخراً فندق ''ماريوت'' في جاكرتا، من طلبتها· ونتيجة لذلك، بات يُنظر إلى هذه المدارس -والتعليم الديني في إندونيسيا عامة- بكثير من الريبة والخوف· وفي هذا السياق يقول ''رون لاكنز بول''، أستاذ الأنثروبولوجيا بجامعة نورث فلوريدا في جاكسونفيل، والذي كتب كثيراً حول تلك المدارس: ''للأسف إذا بحثت عن البيسانترن في أحد محركات البحث على الإنترنت، فإن التعريف الذي ستحصل عليه هو: مكان لتدريس الإرهابيين في إندونيسيا''· غير أن ''لاكنز بول'' لا يتفق مع هذا التعريف السلبي إذ يقول: ''هناك ما بيـــن 100 و150 بيسانترن فقـط هي التي لها ميـــول راديكالية، وليس ذاك بالعدد الكبير''، مضيفاً: ''لقد كانت مدارس البيسانترن على الدوام منفتحة ثقافياً''· ومن جانبها، ترى ليلى أيضاً أن مدارس ''البيسانترن'' المتشددة هي الاستثناء الذي ينبغي الانتباه إليه· ولما كانت هي نفسها قد تربت في واحدة من مدارس ''بيسانترن'' في جومبانج بإقليم جاوا الشرقية، والتي أسسها والداها في خمسينيات القرن الماضي، فإن ليلى تدرك جيداً أن ثمة الكثير من التقاليد التي ينبغي احترامها، وتقول: ''كان والداي تقدميين وواعيين بمسألة النوع، وكانت والدتي أول امرأة قاضية في إندونيسيا، ويرجع الفضل في ذلك إلى والدي الذي كان يمارس تدريس القرآن ويشدد على أهمية تمكين المرأة''· لكن ليلى ترى أيضاً أن قيم والديها لا تشاطرها كل مدارس ''البيسانترن''، وأن حقوق النساء مهملة عموماً في المدارس الدينية، وتقول: ''لقد بدأ مركزنا بقضايا مرتبطــــة بالنســـاء، لأن تلك هي المشكلـــة الأكثر إلحاحاً؛ أي أن نشجع المساواة بين الجنسين وحقوق المرأة''· والواقع أن الإحصائيات تدعم رأيها؛ حيث تبلغ نسبة من يعرفن القراءة والكتابة من بين النساء في إندونيسا 86%، مقارنة مع 94% للرجال· كمـــا أن فرص عمل النســاء تراجعت خلال السنوات الأخيرة مقارنة بفرص الرجال· ومساهمة منها في معالجة هذا الاختلال، تدير منظمة ليلى ثلاث مدارس تقــــوم بتدريـــس نحـــو 500 طفل، إضافة إلى أمهاتهم في حالات كثيرة· التعليم الإسلامي الكلاسيكي يعزَّز بالنقاشات والندوات حول الصحة النسائية ومساواة الجنسين· ومن خلال دورات تدريبية في نحو 10 مناطق في جاوا الشرقية، تتعامل المنظمة مع مئات المعلمين، سعياً لجعل المساواة بين الجنسين جزءاً من التعليم، ويشمل ذلك عقد حلقات دراسية لتفسير الأحكام الشرعية حول النساء· ويقول ''لاكنز بول'': ''إنها تقوم بأشياء جديدة وخلاقة· إنها تدفع مدارس البيسانترن إلى أبعد من دورها التقليدي''· وتلك مهمة قد تكون بسيطة أحياناً كحث النساء على القراءة· ففي الفصل، سألت ليلى النساء عما إن كن قد لاحظن وجود المكتبة في الطابق الأرضي، فردت كثيرات منهن بالإيجاب· لكن حينما سألتهن ما إن كن قد قرأن فيها، أجابت كثيرات منهن بالنفي· وإلى جانب المواضيع المتعلقة بالنوع، تساعد منظمة ليلى أيضاً مدارس ''البيسانترن'' على مناقشة مواضيع مثل التعددية والديمقراطية والتسامح في المناهج الدينية· مقاربة جديدة إذن تقدمها ليلى منير، ليس فقط بالنسبة لما تدرسه، وإنما لأنها ترفض طريقة الحفظ والاستظهار التقليدية المستعملة في المدارس الدينية· وفي هذا السياق توضح: ''أقول لطلبتي: لا تحفظوا فقط، وإنما ناقشوا أيضاً· لماذا تعتقدون أن ذلك مهم؟ تلك هي الكيفية التي يقترحها القرآن لدعوة الناس للإسلام: ليس بالقوة، وليس بالتهديد''، ثم تلت نص الآية القرآنية: ''ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة''· ديفيد مونتيرو -جاكرتا ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©