الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الصين: إصلاح زراعي أم ثورة مضادة؟!

الصين: إصلاح زراعي أم ثورة مضادة؟!
29 أكتوبر 2008 22:13
يعتبر الفلاح ''زانج خياوسي'' مثالاً حقيقياً للفلاح الصيني الحديث· فهو يفلح مزرعة أكبر من مزارع أقرانه في القرى المجاورة بحوالي عشرة أضعاف في هذا الجزء الواقع في وسط الصين، ويعد من الذين يحسبون في الصف الأمامي الذي يجسد احتمال نجاح سياسات إصلاح الأراضي الجديدة التي بدأت تنتهجها بكين مؤخراً، مع العلم أن من شأن هذه السياسات تحسين مستوى حياة 750 مليوناً من مواطني الريف الصيني· وفيما لو نجحت هذه التجارب العملية التي شرع في تطبيقها في أنحاء مختلفة من البـــلاد، يأمل المسؤولون في أن يسارع الفلاحون إلى محاكاتها وتطبيقها على نطاق أوسع· وتتلخص هذه التجارب في محــاولات مشابهـــة لهذه التي يجريها الفلاح ''زانج خياوسي'' في قريته، بتحويل المزرعة العائلية الصغيرة إلى مزرعة حديثة أكبر مساحة· على أن هذا النجاح الزراعي نفسه، يهدد بدق آخر مسمار في نعش حلم الملكية الجماعيـــة للأرض، الذي طالمـــا سيطر على مخيلة الزعيم الصيني المؤســـس ''ماو تسي تونج''· يقول ''زانج خياوسي'': لقد حلمت دائماً بزراعة مساحة أكبر من الأرض، إلا أنه لم تتح لي الفرصة المواتية لتحقيق حلمي· أما اليوم فقد أصبح تحقيق هذا الحلم ممكناً لأن الحكومة بدأت تدعم فكرتي أخيراً· وفيما وصفته وكالة ''شينخوا'' الحكومية للأنباء بـ''الوثيقة التاريخية''، كانت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الحاكم قد أعلنت موافقتها في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، على السماح للفلاحين ببيع حقوق استغلالهم للأراضي المخصصة لهم· وتهدف هذه السياسة الجديدة إلى تشجيع الفلاحين على حيازة الأرض، وحث الفلاحين غير المنتجين اقتصادياً على البحث عن وظائف أخرى لهم غير فلاحة الأرض، فضلاً عن الارتقاء بمستوى دخل العائلات الفلاحية الريفية· ''غير أنه يجب ألا يفهم من هذه السياسات أنها تتجــــه إلى خصخصــــة الأراضي الزراعية، التي لا تزال ملكية جماعية· إلا أن من شأنها أن توفر الكثير من الأمان المعيشي والاقتصادي لأعداد كبيرة من الفلاحين، فضلاً عما تحويه من جوانب إيجابية عديدة أخرى''· ذلك هو تعليق ''لي بنج'' المحامي والمستشار القانوني بـ''معهد التنمية الريفية'' في سياتل، وهذا المعهد منظمة ناشطة في الدفاع عن المزيد من الحقوق القانونية للفلاحين· وقد أثنى ''لي بنج'' كثيراً على السياسات الصينية الزراعية الأخيرة· يذكر أن الرئيس ''هو جنتاو'' قد جعل من تحسين مستوى حياة المواطنين في الريف هدفاً رئيسيـــاً من أهــداف حكومته· وتجيء هذه الإصلاحات بمثابة رمز تاريخي لتلك الإصلاحات الراديكالية التي كان قد أجراها الزعيم الأسبق ''دينج خياوبنج'' قبل ثلاثين عاماً، بكسره لنمط الملكية الجماعية للأرض، الذي كان قد تبناه النظام السوفييتي· والفكرة وراء التمرد على ذلك النمط، تمكين الفلاحين الصينيين من التصرف في مساحات الأراضي المخصصة لهم كيفما شاءوا· وتعد تلك الخطوة الثورية التي خطاها ''دينج خياو''، البداية الحقيقية للنمو الاقتصادي المذهل الذي حققته الصين خلال العقود الثلاثة الماضية· غير أن فلاحي الريف لم يجنوا ثمرات هذا النمو الاقتصادي بأي درجة مقاربة بنظرائهم من سكان المدن والمراكز الحضرية· وبالنتيجة تزيد الفجوة الاقتصادية بين الريف والحضر على معدل 3-1 حتى اليوم· وبموجب النظام القائم ، يوزع الفلاحون في كل قرية الأرض بالتساوي فيما بين سكان الريف الذين استمرت حيازتهم المجانية للأرض إلى 30 عاماً شريطة أن يكونوا قادرين على فلاحتها واستثمارها زراعياً، مع إعطائهم حق بيع محاصيلهم ومنتجاتهم لمن يشاءون· وقد ساهم هذا النظام لحظة تشريعه، في حفز الإنتاج الزراعي وتحسين مستوى حياة الفلاحين· إلا أنه أثبت عدم فعاليته بعد مضي 30 عاماً على تبنيه، وتحول إلى نظام مقيد لطاقات الفلاحين الإنتاجية، إلى جانب تأثيره السلبي على البيئة الريفية الصينية· وفوق ذلك، أدى نزوح نحو 120 مليون فلاح من القرى إلى المدن خلال السنوات الأخيرة الماضية، بحثاً عن فرص حياة أفضل، إلى عدم تمكن الكثيرين منهم عملياً من فلاحة الأراضي المخصصة لهم في الريف بالمستوى المطلوب· والذي حدث أن الكثير من هؤلاء الفلاحين النازحين، شرعوا في استئجار الأراضي المخصصة لهم، بطرق غير مشروعة لأقاربهم وجيرانهم· والملاحظ أن الحكومة تساهلت مع هذه السلوكيات وغضت الطرف عنها· وعلـــى رغـــم هـــذا التغيير الإيجابـــي، يلاحظ تردد الحكومة إزاء خصخصـــة الأراضي الزراعية، أو حتى السماح للفلاحين برهـــن حقــــوق فلاحـــة أراضيهم بهدف استثمارهـــا ماليـــاً، مخافة أن تخسر تلك الأراضي لدى استغلالها زراعياً، فينتهي الأمر بأصحابها إلى الإفلاس· وعلى حد قول ''تشن خوين'' نائب رئيس ''لجنة العمـــل القيادي الريفي'' التابعة للحزب الشيوعي، فإن الأرض تمثل القشة الأخيرة التي يتعلق بها مصير وحياة غالبية الفلاحين الصينيين· وبما أن نظام الضمان الاجتماعي الصيني أبعد من أن يوصف بالكمال، فإن من الواجب ألا تسمح الحكومة للفلاحين باستغلال عقود أراضيهم على نحو مغامر، ربما يؤدي إلى خسارتهم لها في نهاية الأمر· والمؤكد أن في خسارة الفلاح لأرضه وبيته وعمله، ما يهدد استقرار النظام الاجتماعي· وعليه فإن من الضروري أن تنفــــذ سياســــات إصلاح الأراضي هذه خطــوة بخطـــوة على أساس تدريجي· بيتر فورد - الصين ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©