الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

درية شفيق نصيرة المرأة بالقلم والبندقية

درية شفيق نصيرة المرأة بالقلم والبندقية
29 أكتوبر 2008 22:22
أصدرت سلسلة المئويات بمكتبة الأسرة المصرية كتاباً من أعمال درية شفيق عنوانه الأصلي ''المرأة المصرية من العصر الفرعوني'' وصدر لأول مرة عام ،1955 ولم يطبع ثانية، ومنذ ذلك الحين لم يطبع اي كتاب من أعمالها لأن درية شفيق في مطلع عام 1956 نظمت اعتصاماً نسائياً بنقابة الصحفيين لمطالبة الرئيس عبدالناصر بمنح المرأة حقها السياسي بالتصويت في الانتخابات وحق الترشيح، ومن يومها اعتبرت في زمرة المغضوب عليهم وتجاهلها الجميع رغم ان عبدالناصر منح المرأة في العام التالي مباشرة حقوقها السياسية· وظلت د· درية حتى وفاتها عام 1975 في طي النسيان عندما سقطت ميتة من شرفة منزلها في حي الزمالك، وقيل انها كانت تعاني اكتئاباً حاداً، ولم يتذكرها احد بعد وفاتها، لذا فإن مبادرة هيئة مكتبة الأسرة تستحق التوقف، وقد جاءت بمناسبة مرور مئة عام على ميلاد د· درية شفيق· ودرية ابنة احمد شفيق باشا صاحب كتاب ''مذكراتي في نصف قرن'' رئيس ديوان الخديو عباس حلمي وكان من قبله مع الخديو محمد توفيق· درست د· درية الفلسفة بجامعة السوربون وتتلمذت على يد احمد لطفي السيد وتشربت افكاره، وعملت بالصحافة حيث ترأست تحرير مجلة ''المرأة الجديدة'' ثم أصدرت مجلة خاصة بها هي ''بنت النيل'' وكانت تطالب بإصلاح قوانين الاحوال الشخصية لانصاف المرأة وطالبت كذلك بمنح المرأة كافة حقوقها السياسية والاهم انها دعت إلى ان تشارك المرأة في النضال والكفاح المسلح ضد الاحتلال الأجنبي، وعرضها ذلك لانتقادات شتى· بنت النيل كانت درية قد أسست عام 1949 حزب ''بنت النيل'' وأعلنت برنامج حزبها، ويقوم على محو الامية المتفشية بين النساء خاصة، وقادت مظاهرة صاخبة إلى البرلمان المصري في نوفمبر 1950 للمطالبة بحقوق المرأة وان يصدر البرلمان التشريعات لنيل تلك الحقوق وشكلت في العام التالي ''اتحاد بنت النيل'' لإعداد الشابات عسكريا للنضال، ولتدريب ممرضات في ميادين القتال، حين تصاعدت المواجهة المسلحة بين فرق المقاومة الوطنية وقوات الاحتلال البريطاني في منطقة قناة السويس· وكانت جرأة د· درية موضع انتقاد شديد ومؤاخذة من بعض التيارات في المجتمع، انها متأثرة بأفكار أوروبا وبعيدة عن الواقع المصري والعربي والاسلامي وكتابها الذي بين ايدينا يثبت ان تلك الانتقادات وذلك الهجوم لم يكن على اساس صحيح فتبدو هنا ملمة جيداً بالتراث والفقه الاسلامي فيما يخص المرأة· وكانت حريصة منذ مقدمة الكتاب على ان تضع النقاط على الحروف في هذه القضية، ففي حديثها عن أهدافها من الكتاب قالت إنها تسعى إلى ''توضيح رعاية الاسلام للمرأة وعنايته بحقوقها وتوضيح هذه الحقوق للمرأة سواء كانت سياسية او اجتماعية''· وتضيف قائلة: ''الإسلام لم يحارب المرأة ولم يحل دون تمتعها بحقوقها كما يزعم بعض من ينتسبون الى الاسلام''· وتناولت د· درية في كتابها حال المرأة المصرية منذ العهد الفرعوني، لكنها خصصت للمرحلة الفرعونية بأكملها اقل من اربع صفحات بالكتاب، ثم انتقلت الى العصر الاسلامي الذي استغرق منها قرابة خمسين صفحة تناقش فيها اقوال الفقهاء وحقوق المرأة التي أقرها الاسلام· وتوقفت مطولاً عند تعدد الزوجات وذكرت آراء الفقهاء الذين يبيحون التعدد وافكار اولئك الذين يقيدونه مثل الامام محمد عبده والشيخ المراغي والشيخ عبدالمجيد سليم وغيرهم وطالبت باصدار تشريع يحد من التعدد، ويجعله ضرورة لا تتاح الا في حالات بعينها، يكون الزوج مضطراً معها للزواج بأخرى، ذلك ان التعدد يقتضي بنص القرآن تحقيق العدل، العدل غير ممكن او مستحيل، مما يوقع الظلم بالزوجة الاولى وحجتها في ذلك أن ولي الأمر يمكنه اتخاذ الاجراءات للحد من التعدد وتتأسى بموقف عمر بن الخطاب امير المؤمنين حين امر حذيفة بن اليمان ان يطلق زوجته اليهودية وكان قد تزوج بها في المدائن، رغم ان الزواج بالكتابيات مباح وجائز بنص القرآن، لكن عمر رضي الله عنه رأى ان المصلحة لا تتفق مع هذا الزواج، فأمر بانهائه ولذا قام حذيفة بتسريح زوجته، لانه كان اميرا يقود جيوش المسلمين وتخوف عمر عليه من زوجته غير المسلمة ''اليهودية'' فقد تنقل اسرار المسلمين الى الاعداء· وتتساءل درية شفيق ''اليس عمر في هذا قد قيد مباحاً؟ وهل بتصرفه هذا يقال عنه انه خالف تعاليم الدين؟ او انه استعمل حقاً له كولي للمسلمين في تقييد مباح دعت المصلحة اليه''؟ وتقييد المباح يحدث في المحاكم الان، فلا تسمع المحكمة دعاوى الزوجية ما لم يكن عقد الزوجين موثقاً رغم ان الشرع لم يلزم المسلمين توثيقه واشترط الشارع فقط شاهدين والإشهار لكن الضرورة ومصلحة المسلمين دفعت المشرع الى ان يطلب توثيق الزواج حرصاً على حقوق المتزوجين وضماناً لسلامة المجتمع بعد ان اتسع وازداد عدد المسلمين· ولا ترى د· درية غضاضة في ان يتدخل الشرع ويضع قيوداً على تعدد الزوجات، حتى لو رأى بعض الفقهاء ان الاصل فيه الإباحة· وتقول ''إن ما انُادي به اليوم واسعى الى تحقيقه ليس من ابتكاري وانما هو روح التشريع وحكمته نادى به من قبل جل العلماء والفقهاء ومن الظلم لهذا الدين السمح وشريعة الاسلام الغراء التي حبت المرأة كل توقير وتكريم بقاء هذه الأوضاع بلا اصلاح وتنظيم''·· وتضيف: ''حرصاً على سمعة الاسلام امام خصومه واعدائه ومنعاً للفساد المتفشي المترتب على تعدد الزوجات ناديت ومازلت انادي المسؤولين في كل بلد إسلامي بإصدار تشريع عاجل يمنع تعدد الزوجات لغير ضرورة ملحة يقدرها المختصون بتنفيذ هذا التشريع من رجال الفقه والاجتماع تمشياً مع روح الشريعة الغراء ومحافظة على كرامة المرأة الاسلامية وحفاظاً لكيان الاسرة المسلمة من هذا الانهيار وإبقاء على وحدة المجتمعات الإسلامية قوية سليمة''· في باكستان ودعيت د· درية شفيق لزيارة باكستان وألقت عدة محاضرات شرحت فيها رأيها في التعدد، فقام عدد من العلماء بالرد عليها، وحين زار رئيس وزراء باكستان مصر - مطلع الخمسينيات من القرن الماضي - وزع وفد علماء باكستان رسالة كتبها سماحة السيد محمد القادري رئيس جمعية علماء باكستان ورئيس وفد علمائها إلى مصر بعنوان ''درية شفيق وتعدد الزوجات'' كانت الرسالة تفند رأيها فأرسل اليها مولانا ابو الكلام آزاد رسالة يدافع عنها وقال فيها ''لقد اتفقت كل الاتفاق آراؤك ضد تعدد الزوجات مع روح الإسلام السمحة·· إن هؤلاء الذين يبيحون تعدد الزوجات بلا قيد ولا شرط اما انهم جهلاء بتعاليم الاسلام واما انهم يريدون عمداً من وراء ذلك تحريف هذه التعاليم''· وكان سبب هذه الحملة عليها كما تقول هي أن رئيس وزراء باكستان السيد محمد علي كان يسعى الى الاقتران بسكرتيرته رغم انه متزوج· وفيما يخص المرأة المصرية اعتبرت درية شفيق ان الحقبة الفرعونية شهدت ازدهاراً للمرأة فقد رفع الفراعنة المرأة الى مقاعد الحكم وارتضى رجالهم في فخر واعتزاز ان تحكمهم ملكات كانت عهودهن رمز العدالة والتقدم والاستقرار ثم تدهور حال المرأة مع تدهور حال مصر عموماً في ظل الاحتلال اليوناني والروماني الى ان جاء الاسلام فأعاد إلى مصر مكانتها وانتعش حال المرأة لأن·· ''الاسلام جاء ليحرر أمة الاسلام جميعا من العبودية والظلم والاستبداد''· وتضيف: ''لذلك لم يكن غريباً ان تنتعش معنويات المرأة المصرية بعد رسوخ قواعد الدولة الاسلامية فتعود تسعى الى استرداد ما سلبتها عهود الاحتلال والطغيان من الحقوق والحريات وتمضي قدماً في سبيل غايتها المقدسة''· وحين يكون الحديث عن صورة المرأة في ظل الدولة الاسلامية بمصر لابد من التوقف أمام ''شجرة الدر'' السيدة التي حكمت مصر في فترة فارقة وهي المواجهة العسكرية مع الصليبيين في دمياط والمنصورة وأمكن تحت قيادتها دحر الصليبيين واسر قائدهم لويس التاسع في دار ابن لقمان بالمنصورة· وتنازلت شجرة الدر عن العرش بإرادتها حقناً للدماء بأن الخليفة العباسي ارسل يطلب إزاحتها عن الحكم وسانده بعض الأمراء المصريين في ذلك وساندها هي آخرون وكاد الامر يتحول الى حرب اهلية، في ظل تربص الصليبيين بالبلاد، فقررت التنازل لزوجها عز الدين ايبك والمهم في حالة شجرة الدر انها وإن كانت شخصية قوية، فما كان لها ان تصعد الى السلطة وتتولى عرش مصر لو أن الاسلام لا يرحب بدور المرأة السياسي والاجتماعي· الثلث الأخير من الكتاب خصصته درية شفيق لكفاح المرأة المصرية، منذ مجيء حملة نابليون مروراً بتجربة محمد علي ثم مشاركتها في الثورة الُعرابية وهو الدور الذي لم يتوقف أمامه المؤرخون بالانصاف الكافي حتى اليوم كما لعبت المرأة دوراً في كفاح مصطفى كامل ثم ثورة 19 وما بعدها· وتستحق درية شفيق اهتماماً واحتفاءً اكبر ولعل صدور هذا الكتاب بداية لإعادة طباعة بقية أعمالها وتناول دورها المهم في الربع الثاني من القرن العشرين
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©