الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نيكولّلو أمّانيتي

نيكولّلو أمّانيتي
29 أكتوبر 2008 22:22
''الأدب يمكّننا من أن نتمثّل حياة الناس الغرباء عنّا وعن عالمنا· وأحداث روايتي ''مثلما يشاء الربّ'' يمكن أن تكون خبراً موجزاً تنشره جريدة يومية سيّارة، لكن الفنّ الروائي مدّني بالقدرة على تحويل الحدث إلى نسيج كشفت به عوالم تؤدّي بالناس إلى حافة الجنون''· هكذا علّق الروائي الإيطالي نيكولّلو أمّانيتي على أحداث روايته التي نشرها مؤخراً· ويعتبر أمّانيتي أحد أهم الروائيين الشبان الجدد في إيطاليا· فحالما نشر روايته التي تحمل عنوان ''لست خائفاً'' حظي بإعجاب النقاد واهتمام المشتغلين بالأدب والفنّ· أما روايته الأخيرة ''مثلما يشاء الربّ'' فقد نال بها أهمّ جائزة تمنح في إيطاليا· وحال صدورها بلغت مبيعاتها أكثر من خمس مائة ألف نسخة· اللافت في هذا العمل انشغال مؤلّفه بمحنة الإنسان المعاصر داخل مدينة تسحق القيم وتجرّد الكائن من إنسانيته وتحوّله إلى مسخ· فالمدينة بضواحيها وأسواقها وعماراتها الضخمة إنما تجسّد فظاعة المدن الحديثة التي أنشئت على عجل ليحتمي بها ضعفاء الحال من العمال والمهمّشين والعاطلين والمتاجرين بكلّ شيء بما في ذلك كرامة الإنسان وعرضه· يقول نيكوللو أمّانيتي إن هذه المدينة متخيّلة لكنها تضعنا رأساً في حضرة واقع نعايشه وبالكاد نراه، لأن حواسّنا المتبلّدة اعتادت عليه حتى غدا في عداد المألوف· والحال أن هذا الواقع هو الخراب عينه: خراب الكائن وتعفّن الحياة داخل مدن أغلب ناسها من الضعفاء والمقهورين الذين أُكرهوا على العيش في أتون من الصراع الدموي في ما بينهم، حتى ليكاد وجود الكائن يتحوّل إلى عار على الوجود وعلى الحياة· إن شخصيات الرواية عنيفة متوتّرة مصابة بهستيريا البحث عن خلاص تعلم مسبقاً أنه مستحيل، فتواجه أقدارها بمزيد من السقوط والعنف· يكفي أن نتملّى شخصية رينو زينا أحد أبطال الرواية وسندرك أن الكاتب يجتذب القارئ إلى مناطق في النفس البشرية تبعث على الدوار· فزينو شخص جاهل سكّير عاطل عن العمل ألف البطالة وعدّها قدراً ومصيراً· وهو يدين بالولاء للنازيين الجدد ولا يحبّ غير ابنه كريستيانو البالغ من العمر ثلاثة عشر عاماً لاغير· غير أن الحب الأبوي يتحوّل إلى كارثة حين يجتذب الأب ابنه إلى جحيم حياته اليومية حيث العنف والعنصرية والصراع من أجل البقاء حتى الموت والجريمة· لذلك تصبح الرواية عبارة عن هبوط مروّع باتجاه العالم السفلي داخل مدائن خمّت بناسها ولا شيء فيها غير الجريمة والاغتصاب والخطف والرياء· وتصبح القراءة عبارة عن ترحال متعجّل داخل مدينة أو آلة جهنمية لا تبقي ولا تذر، فيما تعمد الرواية إلى محاسبة القيم كلّها: الصداقة والحبّ والوفاء والأبوّة والأخوّة· لا شيء يسلم من المساءلة والفضح: يُعرَّى الحبّ فإذا هو الكراهية عينها· ومن خلال الوفاء يتراءى الغدر صارخاً· ولا يعقب الحلم إلا السقوط المريع· ''كما يشاء الربّ'' رواية تضع الحضارة قدّام خرابها وخراب منتجيها
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©