الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

ألبيرتو مانغويل.. رحلة عجائبية في «غابة المرآة»

ألبيرتو مانغويل.. رحلة عجائبية في «غابة المرآة»
31 يوليو 2017 00:39
إبراهيم الملا(الشارقة) يستند كتاب «في غابة المرآة» دراسات عن الكلمات والعالم لـ «ألبرتو مانغويل» على المتاهة الافتراضية لحكاية «آليس في بلاد العجائب»، كي يمتحن قوة الكلمات وتأثيرها السحري، والمخترق لما كنا نعتقد أنه عصي على الكشف والبيان والمقاربة الإيجابية، اعتماداً على مفهوم خاص لدى الكاتب بأن الكلمات تجعل الكون متناسقاً، وتجعل من القراءة متعة تبدأ بالإمساك بكتاب ملء اليدين، والشعور المباغت بذلك الإحساس بالانبهار من خلال الكلمات المتعاقبة، وهي تدخل أيضاً في سياق المتعة المدينية والثقافية اللاحقة على القراءة مثل النقد والنشر والترجمة. يصف مانغويل، الأرجنتيني المولد الكندي الجنسية، طقوس وتقنيات الكتابة التي يتبعها بدقة آسرة، ويقحمنا في تفاصيل تضيء على تجربة ذاتية كامنة، ويمكن تعميمها أيضاً على كتاب آخرين مجهولين، قد نعثر عليهم يوماً في كوكب الحلم! تنطلق المقدمة التمهيدية للكتاب من جذر القراءة المبكرة لقصة «آليس في بلد العجائب» عندما كان مانغويل في التاسعة من عمره، مشيراً إلى عدم فهمه لأشياء كثيرة لدى قراءته الأولى تلك، رغم إحساسه بالانزلاق وبكل طمأنينة وأمان على سطح المستنقعات الخطرة، وصولاً إلى شق الطرق عبر الأدغال الكثيفة، مستسلماً ببساطة لدفع الأمواج القوية للحكاية. يذكر مانغويل أن انطباعه الأول هو أن الرحلة حقيقية، وأنه كان رفيق سفر لـ «آليس» المسكينة، فوقوعها في جحر الأرنب، واجتيازها للمرآة، ما كانا سوى البداية، مضيفاً بأنه في تلك السن المبكرة وقبل تعرفه على حكاية «آليس» كان عدم التصديق لديه أقل حيرة؛ لأنه لم يكن قد ولد بعد كقارئ بات يكتشف العالم من خلال الكلمات، فكان الخيال الخرافي يبدو له أحياناً أكثر واقعية من الواقع اليومي، ولا يعني هذا بالنسبة له أن الوجود الحقيقي لبلد يشبه بلاد العجائب، ولكنه كان يعلم بأنها بلاد مصنوعة من المواد نفسها التي صنع منها بيته، والشارع، والقرميد الأحمر للمدرسة. يقول مانغويل: «إن الكتاب يصبح كتاباً آخر في كل مرة نعيد فيها قراءته، فـ «آليس» الأولى أيام الطفولة، كانت تعني لي رحلة مثل الأوديسا أو بينوكيو، ولقد شعرت دائماً بأنني أفضل حالاً برفقة (آليس) مما أنا عليه برفقة (عوليس) أو دمية من خشب، وعندما قرأت (مختارات من الفكاهة السوداء) لـ«أندريه بروتون» انجلى أمامي بوضوح أن (آليس) كانت شقيقة السورياليين!». وفي فصل بعنوان: «بورخيس عاشقاً» يسرد مانغويل مرويات ملاصقة لعلاقة بورخيس الضارية مع الكتب، ضراوة قد تصل أحياناً حد التخلّي والاستسلام لطوفان من الشجن، يقول مانغويل: «كان بورخيس يقرّب الكتب من وجهه، حتى ليكاد يلامسها، كما لو كان أنفه يستطيع أن يستنشق الكلمات التي لم يعد يراها، وعندما كنت أصحبه في طريق العودة إلى البيت سيراً على الأقدام، يبدأ بورخيس الشغوف باستعادة الذكريات ووصف المدينة مثلما كانت أيام كان نظره سليماً، ويتذكر قصص أوباش في بارات معتمة عند زوايا شوارع خطرة». في فصل بعنوان «موت تشي غيفارا» يستعيد مانغويل الحوار الأخير لغيفارا مع المقدّم البوليفي أندرياس زليخ، وهو حوار وصفه بالوثيقة التاريخية التي تم حفظها وتدوينها من قبل أعداء الحالمين بالعدالة الإنسانية المنتهكة قسراً، إنها اليوتوبيا الممزقة تحت مقصلة وجود شرس وإقصائي لأبشع حدّ. قتل غيفارا في اليوم التالي للحوار، ولكن صورته كشهيد مكسوّ بالكرامة والدم، ظلت تتوالد في الأزمنة النقية، تجوس في غابة المرآة، وفي شظايا الاغتراب الفادح للفقراء والكادحين وسكان الأرياف المنسيين، هؤلاء المتمسكون ببراءتهم حتى النخاع، والمسافرون أبداً نحو طفولتهم الخضراء، وطفولة العالم ذاته، قبل انبعاث الكلمات، وفي أقصى مدى يمكن أن يبلغه الصمت، أو يبلغه ذهول «آليس» في بلد عجائبي بات ينهض مجدداً فوق خرائب اليأس.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©