الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عندما نتوقف عن التفكير

عندما نتوقف عن التفكير
29 أكتوبر 2008 22:25
يرى هارلود بلوم أن القراءة عملية فردية، والقارئ لا يسمح له الوقت أن يغطّي كل النصوص، فيتم تحديدها، وتعيين المعايير حتى يتمكن من القراءة؛ لأنه لا يستطيع أن يقرأ كل شيء، وشيئا فشيئا تتحول هذه النصوص المختارة إلى معيار، فينشأ ويكبر مع الأجيال، حتى يأتي وقت لا تتعرف الأجيال إلا على كتاب بعينهم، فتنشأ التعصبات بعد ذلك إلى نصوص بعينها، فالقارئ إذا يعين النصوص الرفيعة لأنه معرض للزوال، وأمامه وقت طويل، لكنه وقت محدد أيضا سيتوقف يوما ما بينما النصوص لا تتوقف، وبذلك فلماذا يغرق القارئ نفسه في قراءة النصوص السيئة بحجة العدالة الاجتماعية، وغاية العدالة الاجتماعية هذه ليست من مسؤولية القارئ· ويرى بلوم أن الكتاب العظماء يدمرون القيم ـ قيمنا وقيمهم ـ وإذا قرأنا هذه النصوص العظيمة حتى نشكل قيمنا الأخلاقية والشخصية والسياسية والاجتماعية سنصبح أشخاصا في منتهى البشاعة من الأنانية والاستغلال··· إن القراءة لمصلحة أيديولوجية ما ليست قراءة على الإطلاق، واستقبال المصدر الجمالي يجعلنا قادرين على تعلم كيف نتحدث عن أنفسنا، وكيف نثبت أنفسنا، وقراءة النصوص الرفيعة بعمق لا تخلق شخصا سيئا أو مفيدا أو مواطنا صالحا، ومن يبغض النصوص الرفيعة يعاني من الإثم النخبوي الذي يرى باستمرار أن النصوص الرفيعة تخدم بشكل مباشر الاهتمام الاجتماعي والسياسي· وهنا يقول بلوم: رغم أن النصوص الرفيعة غير محددة، فإن من يهاجمها يريد أن يضع معيارا ليقيمها، وهذا المعيار سياسي وأخلاقي، وأنا أدرك أن هناك نوعا من الاتحاد الواضح بين الثقافة الجماهيرية أو ما يطلق عليه النقد الثقافي، الذي يصم النصوص الرفيعة بوصمة المغالطة· إن الإدراك لا يمكن أن يتتابع بدون ذاكرة، والنصوص الرفيعة هي الفن الحقيقي للذاكرة، والأساس الحقيقي للتفكير الثقافي··· فنحن بلا نصوص رفيعة سنتوقف عن التفكير· ويعد المنظور الذي يقدمه بلوم لتأمل النصوص الرفيعة من المنظورات التي يعاد النظر فيها اليوم، ولعل اتجاهات الطلاب في الجامعات الأميركية الآن تفضل دراسة النصوص الرفيعة من منظور ثقافي، وهذا السبب الذي جعل بلوم يضع تفسيره للنصوص الرفيعة تحت عنوان حزين، وهو مرثاة للنصوص الرفيعة، وهو ينظر إلى انهيار القيمة الجمالية للنصوص الرفيعة الغربية على الأقل في جامعة عفٌم، الجامعة التي يدرس فيها بلوم، وهؤلاء الطلاب متأثرون بالدراسات الثقافية التي ترفض عد القراءة عزلة اجتماعية، تلك الفكرة التي يؤكدها بلوم، ويصر على أن القراءة الحقيقية هي نشاط انعزالي، والنصوص الرفيعة لا تعلم أحدا أن يصبح مواطنا صالحا·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©