أساليب الشعريّة المعاصرة

ليس هذا العنوان من إطلاقنا، ولكنّه من إطلاق الناقد الدكتور صلاح فضل في كتابه الجميل· فقد أهدانِيهِ الصديقُ صلاح فضل على هامش الموسم الأوّل لأمير الشعراء بأبوظبي، وظَلْتُ أمنّي النفس بقراءته إلى أن أمكنتْني الفرصةُ فأزمعتُ اليومَ أن أقدّم بعض الانطباع عن قراءتي الأوّلية لهذا الكتاب· فلْأَجتزئِ اليومَ، إذن، بما حضَر ومثُل· ولعلّ أوّل الصعوبة التي تساور سبيلي في تقديم هذا الكتاب أنّ صاحبه صديق حميم، وأنّ القرّاء يعرفونه في مشارق الأرض ومغاربها، ومنهم قرّاء ''الاتحاد الثقافي'' الذي يكتب صلاح فضل عموداً أسبوعيّاً فيه··· فماذا أقول، إذن، لقرّاء ''عمودي''؟ وهل هم مُحتاجون، حقّاً، إلى أن أقدّمَ إليهم كتاب ''أساليب الشعريّة المعاصرة''؟ وهل لا أكونُ كمجرّد جالب التمر إلى هجَر، كما تقول العرب في أمثالها؟ يقع هذا الكتاب الجميل في عشرة فصولٍ هي: مدار الأساليب الشعريّة؛ واللّمْس بالشعر وشعريّة الحِسّ؛ وحيويّة الخطاب الشعريّ عند السيّاب؛ وأسْلَبة الدراما في الشعر؛ وأسلوب الشعر الرُّؤْيَوِيّ؛ وتحوّلات مدينة الشعراء عند محمود درويش؛ والتجريد في شعر أدونيس؛ وسعدي والبنية المراوغة؛ وقصيدة النثر وقلب القمر؛ والأرابيسك الشعريّ عند عفيف مطر· ويتبيّن لنا من خلال عرْض هذه العناوين أنّ هذا الكتاب يشتمل على أربعة فصول نظريّة، وباقي الفصول تطبيقيّ· وقد تراوح الفعل النقديّ بين التّأمّلات المجرّدة مثل: ''بين النظريّة والتجريب''؛ و''من التعبير إلى التوصيل''؛ و''سلّم الدرجات الشعريّة''؛ و''جدولة الأساليب الشعريّة''، وبين الفصول التطبيقيّة ممّا لم نذكر من عناوين القضايا المثارة؛ وذلك لاتّساع موادّ هذا الكتاب من وِجهة، وضيق حيّز هذا العمود من وجهة أخرى· ويسرّنا أن نُثبت فقرة من مطلع: ''من التعبير إلى التوصيل''، حيث يقول المؤلّف: ''يقول علماء المعرفة: إنّ الأداة الرئيسيّة للدخول في الدراسات الإنسانيّة هي الفهم· والفهم بطبيعته يتّجه إلى التعبيرات، ومن هنا نجدهم يعتبرون ''التعبيرات'' هي الموضوع المشروع والوحيد للدراسات الإنسانيّة· والتعبيرات، حسب وصفهم، مظاهر فيزيقيّة نستقبلها بواسطة الحواسّ· فنحن نرى الكلمة المكتوبة، تماماً مثلما نرى العلامات المميّزة على أنواع الزهور· ونحن نسمع الكلمات مثلما نسمع صوت الرعد، لكنّ الكلمات، بعكس تلك المظاهر الأخرى، لها طبيعة مزدوجة···''· إنّ الذي يُدفع إلى كتاب ''أساليب الشعريّة المعاصرة'' تتزاحم في نفسه ما يقرؤه في القسم النظريّ المتّسم بالاحترافيّة النقديّة وعمق الرؤية، وما يقرؤه في القسم التطبيقيّ المتّصف بذكاء الطّرح، وابتكار التحليل، والقدرة على استكشاف مكامن الظاهرة الجماليّة في النص المطروح للقراءة التحليليّة· وعلى أنّ هذا الكتاب يقع في ثلاثِمائةٍ وستٍّ وخمسين صفحةً من القطع الكبير، فهو، في الحقيقة، يحتاج إلى توصيفٍ أشملَ لِكَيْمَا تَضِحَ مَعالِمُه، وتبدُوَ مكامِنُه؛ ولكنْ حسْبُنا اليومَ أن نقرّر أنّه من بين أحسن الكتب التي كُتبت عن الشعريّة العربيّة المعاصرة