الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ثلاثة باحثين مصريين يؤسسون لتأصيل نظري للحوار

ثلاثة باحثين مصريين يؤسسون لتأصيل نظري للحوار
29 أكتوبر 2008 22:27
الدعوة للحوار مع الغرب لا تزال قائمة أمام جميع المعنيين في المجتمعات العربية والإسلامية رداً على الدعوة التي فجرها صموئيل هنتنغتون حول ''صراع الحضارات القادم''، فجرى العديد من اللقاءات التي تنادي لحوار الحضارات والثقافات· ولكن السؤال هنا: هل نمتلك آليات الحوار، وأساليبه ووسائله وأدواته، كالتي طورها الغرب بشكل مميز، وجعل منها مدارس كالتفاعلية والتأويلية والظواهرية والتعبيرية والبرغماتية والفلسفية، بحيث أصبح للحوار تقنيات تكشف عن المخبوء الذي يكنه كل طرف نتيجة التراكم التراثي والمعرفي لديه؟· وإذا كنا لا بد منضوين في هذه الحوارات، أليس علينا إتقان هذه الأساليب في حواراتنا مستندين إلى وعي من هويتنا وثقافتنا؟· حول هذه الأسئلة والأفكار يدور موضوع كتاب ''الحوار مع الغرب ـ آلياته ـ أهدافه ـ دوافعه''· وقد صدر هذا الكتاب الهام عن دار الفكر بدمشق بالتعاون مع برنامج الدراسات الحضارية وحوار الثقافات في القاهرة، وهو يشكل الجزء الأول من مشروع بحثي تأصيلي كبير للعلاقة بين الحضارات والحوار مع الغرب· يقع الكتاب في 216 صفحة من القطع المتوسط، وهو يضم ثلاثة بحوث هامة كتبت الأول منها الدكتورة منى أبو الفضل أستاذة العلوم السياسية في جامعة القاهرة، وكتبت البحث الثاني الدكتورة أميمة عبود الأستاذ المساعد في جامعة القاهرة، بينما كتب البحث الثالث الأستاذ الدكتور سليمان الخطيب رئيس قسم الفلسفة في جامعة المنيا· وتقدم هذه البحوث آراء في موضوع الحوار مع الغرب برؤية جديدة، حيث تتحدث الدكتورة منى عن النظرية الاجتماعية المعاصرة والخصائص الفصلية لها، وكيف يمكن إعادة طرحها من خلال رؤية بديلة، مما يقدم الفرصة لإثراء الحوار بين الثقافات المتباينة في عصر تجتاحه العولمة· عرضت المؤلفة للمقدمات الفلسفية لعلم الاجتماع المعاصر، وبينت أن المحك لأي نظرية اجتماعية يكمن في القدرة على تناول الأبعاد المتشابكة والمركبة للميدان، وأن النظرية الاجتماعية لا يمكن أن تستعيد عافيتها وهي رهينة المنظومة المعرفية الوضعية· استثمار الوعي تؤكد الدكتورة منى أن إعادة التفكير في النظرية الاجتماعية في ضوء النظام المعرفي التوحيدي تستهدف جعل هذا الخيار الذي يحقق الوفاق والرشاد ممكناً، حيث يأتي المدخل الاستراتيجي المتبني منظور النسق المتقابلة بالبديل المتاح لدعم البناء والمراجعات النقدية في حقل التخصص، وباستثمار الوعي التخصصي الكامن الذي يتخطى الاستياء الحالي في الميدان جنباً إلى جنب مع استكشاف إمكانيات المصادر التي طالما تم تجاهلها، قد يكون ممكناً تجاوز أسر تلك الحلقة المفرغة التي طالما انتهت بتعزيز روح اليأس وخيبة الأمل، وأدت إلى بذر القنوط والشك والسخرية· وإذا لم يسفر الكشف عن ثقافة الوسط إلا تغيراً في مزاج الخطاب الحالي، نكون قد اجتزنا العتبة على طريق المراجعات وإعادة الطرح في النظرية الاجتماعية، ذلك أن الوقوف على الأرض الصحيحة هو الشرط الأول لتجاوز العقبة الكبرى في سبيل أي إصلاح أو طفرة نوعية محققة، ألا وهي عقبة الاستغناء بما هو أدنى عما هو أوفى، والمتمثلة في غرورنا العلمي· وتتحدث الدكتورة أميمة عبود عن أسلوب الحوار، وتبين السياقات المختلفة لمفهوم الحوار، بوصفه أحد أشكال الخطاب الإنساني الذي يجمع بين اللغة والممارسة والتبادلية والفاعلية والتواصلية والفلسفية، والأساليب المتداخلة مع أسلوب الحوار كالنقاش والمجادلة والمناظرة والتثاقف، كما تدرس الأشكال المختلفة لأسلوب الحوار، وتتناول الإطار المفاهيمي والمناهجي لتحليل الحوار، أي القواعد المنظمة لأسلوب الحوار وآليات تحليله، من الخطاب في الاتجاهات اللغوية التداولية، والتأويلية، والبرغماتية، والنظريات المتجهة إلى القارئ والاتجاه التعبيري والظواهراتية· كما بحثت في موضوعات الحوار وأطرافه ونتائجه، بالإشارة إلى النماذج الحوارية وما تناولته في قضايا رئيسية· وبهذا الصدد فهي تؤكد أن أنماط الحوار هي أنماط لعقليات يتحدد فيها الفاعل والموضوع والسياق، لأن أي حوار هو في النهاية إما إنتاج لمعرفة جديدة تطمح إلى تغيير الواقع وتجاوز سلبياته، أو حوار حول شروط وأدوات وطرق إنتاج المعرفة وأدواتها· وهذا وفق ما تقتضيه صيغ الحوار، وهل هو خطاب فلسفي أو خطاب سياسي أو خطاب ديني أو خطاب تاريخي أو خطاب معرفي، الأمر الذي يجسد بدوره طريقة التفكير ودرجة الوعي بالواقع وقضاياه، والذي يؤدي بدوره إلى نوع من مراجعة ونقد الذات، يتحدد به مجموعة من سمات التفكير الثقافي لذهنية أو عقلية ما· المنظومات الفكرية وتختم الدكتورة أميمة بالقول: إن المسألة تتعدى صراع الحضارات أو المصالح أو الثقافات أو صدامها وحوارها، إذ هي إشكالية (الأنا التواصلي)، و(الأنا التسلطي الإمبريالي) أو (الأنا التسلطي)، فهي مشكلة الإنسان مع نفسه، وهذا ينطبق على الإنسان في الدوائر الحضارية والثقافية كافة· ويكمن الحل في اعتقادها بقراءة نصوص خطابات الحوار، فهناك قراءة تكرس (الأنا الإمبريالي أو الانغلاقي) وهي القراءة التي تتعامل مع النصوص والخطابات الفكرية كمنظومات فكرية متماسكة، أو كأنساق معرفية مقفلة، أو كاتجاهات منهجية حاسمة، فتصنفها وتعمل على اختزالها أو إلغائها، نافية ما يمكن أن تنطوي عليه من إنجازات فكرية ومعرفية· أما القراءة التي تطرق وتستنطق وتكشف وتقلِّب وتحفر وتفكك وتبني وترمم وتزحزح وتفتت وتفسر وتؤل، فهي القراءة التي تدعم (الأنا المنفتحة أو التواصلية)· ومن دون هذه القراءة الأخيرة تنتفي إمكانية الحوار وتفقد قيمه، ذلك لأن الحوار الحقيقي شرطه الاعتراف المتبادل حتى يفيد كل من المتحاورين من الآخر، فينتهي بعد الحوار إلى غير ما بدأ به، فلا حوار بلا تبادل أو تفاعل، ولا تبادل دون اعتراف متبادل، أي دون الإقرار بحق الاختلاف· فشرط الحوار هو التخلي عن العقلية الدوجماتية، لأن منطلق الحوار هو معرفة الحقيقة والإقرار بحق الآخر في الاختلاف والتمايز، وغاية أي حوار هو التعارف، أي تعرّف كل طرف على نفسه من جديد في ضوء معرفته بغيره، وعلى نحو يؤدي إلى إعادة اكتشافه لذاته ولغيره، فهو ممارسة وتدريب على الاعتراف بالحقائق· ثم تضيف: إن الحوار هو منهج أو أسلوب أو طريق وليس غاية، ويكون حواراً حول إنتاج معرفة جديدة تطمح إلى تغيير الواقع، أو يكون حول شروط وأدوات وطرق إنتاج المعرفة· أما البحث الثالث فيقدم فيه الدكتور سليمان الخطيب دراسة حول أنماط انتقال الأفكار وآلياتها بين التفاعل والاستلاب، فيتحدث عن الوجه الآخر للحضارة الغربية من حيث المركزية والعنصرية وتهميش الحضارات والثقافات الأخرى، وبين منهجية التغريب في تعامله الاستلابي مع الغرب، وتخليه عن ذاتيته وثقافته وخصوصيته التاريخية والحضارية· ويذكر تجربة الحضارة الإسلامية، فيما يتعلق بالمنهجية التي التزمتها في تعاملها مع الثقافات والمجتمعات التي فتحها المسلمون، ويوضح الموقف الإسلامي من الحوار مع الآخر وضرورة التفاعل ورفض الانغلاق والتقوقع· كما يوضح حقيقة الذاتية الحضارية والخصوصية الثقافية بوصفها مطلباً يوفر الحضانة اللازمة للأفكار أمام التذويب والانصهار والهيمنة والاختراق· وبعد أن يستعرض الدكتور الخطيب الموقف الإسلامي في تعامله مع إنجازات الحضارات الأخرى يطرح السؤال التالي: ماذا نأخذ من الآخر؟ وماذا نترك؟ وماذا نقبل وماذا نرفض؟ وبأي المعايير نستبعد ونرفض، ونقبل ونأخذ، ثم يقول: لا شك أن المفهوم الإسلامي للحضارة ينطوي على عدد من المرتكزات والأسس التي تعبر عن حقيقة المنظور الإسلامي من المسألة الحضارية، وإذا كانت الحضارة في أبرز معانيها تشمل الجانبين الروحي والمادي، فإن الإسلام ـ في قواعده وأسسه الشرعية ـ قد حدد وضبط مرتكزات العقيدة التي تمثل جوهر الشخصية المسلمة، والتي لا يجوز الاجتهاد حولها، وإنما تأتي في إطار التسليم والإذعان لأنها من الأمور التوقيفية، ويتساءل الخطيب: إذا ما ترك الإنسان في حياته الروحية والأخلاقية عرضة لتجارب الخطأ والصواب، فكيف ستكون النتائج المترتبة على ذلك؟· لا شك أن تجربة الخطأ والصواب لا يمكن تطبيقها على الجوانب الروحية والأخلاقية، لأن هذه النسبية ستحيل حياة الإنسان إلى التغير والتبدل وعدم الاستقرار، لأنها تخضع لهوى الإنسان وتقلباته النفسية والمزاجية، وندرك ما يمكن أن يترتب على هذا الخيار من نتائج سلبية خطيرة نلمس نتائجها في غياب الوازع الديني والأخلاقي في واقعنا المعاصر· أما عن المستوى المادي والكوني فإن الإسلام قد أطلق فيه ومن خلاله ملكات الإنسان وإمكاناته في إطار مقتضيات الاستخلاف والتمكين والإعمار التي تأتي في سياق التوجيه النبوي: ''أنتم أعلم بأمور دنياكم'' وأيضاً في قوله (ص): ''الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها''· هذه التوجيهات تبرز حقيقة الموقف الإسلامي من هذا الجانب الذي يشار إليه في إطار المصطلحات المعاصرة للعلم المادي، بالتكنولوجية، وبالتقنية، وبثورة الاتصالات، وغير ذلك، فيما يعبر عن الحضارة في شقها المادي ووسائل المعاش، وهي متغيرة ومتطورة ومتبدلة· وينتهي الدكتور الخطيب إلى القول: إن هناك مساحة مشتركة من الممارسات ذات الطابع الإنساني التي لا يرفضها الموقف الإسلامي كتعبير عن التفاعل والتلاقح مع الآخر، دون أن يخل ذلك بالحفاظ على ذاتيتنا العقدية وهويتنا الثقافية· ويضيف الدكتور الخطيب أنه وفي الإطار المعرفي والثقافي الذي تحياه المجتمعات الإسلامية، لا بد من الاعتراف بأننا نعيش مأزقاً معرفياً يترك آثاره السلبية على مسيرتنا نحو النهوض والفعالية، وخاصة فيما يتعلق بجهازنا الفكري وعالمنا الثقافي، ومن ثم يؤثر بوضوح في تعاملنا المنهجي مع الآخر بصورة سلبية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©