الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الحج والرهانات الاستراتيجية في العالم الإسلامي

18 سبتمبر 2016 22:17
مع أن الحج موسم تعبدي شعائري من مقاصده الأساسية توحيد كلمة المسلمين وتعاضدهم، إلا أن محاولات تسييسه بدأت بصفة علنية منذ قيام الثورة الخمينية في إيران. وقد بلغت هذه المحاولات أوجّها في الموسم الأخير الذي قاطعته السلطات الحاكمة في طهران، وقد كان موسماً ناجحاً من حيث حسن التنظيم وجودة الاستقبال ونوعية الخدمات التي قدمتها السعودية لضيوف الرحمن. رفعت السعودية ومعها البلدان الخليجية والعربية إجمالًا رسالة انفتاح وتعاون إلى بقية بلدان العالم الإسلامي بهذه المناسبة السنوية العظيمة التي تحل هذا العام في سياق متأزم من مسار العالم الإسلامي الذي تنخره الصراعات الطائفية وقد تحولت إلى نمط من الفتنة الأهلية الدامية بين أبناء الدين الواحد. كما يعاني من استفحال موجة التطرّف العنيف الذي شوه صورة دين الرحمة وحوله إلى مشكل بالنسبة لبقية العالم. المعروف أن الملك سلمان بن عبدالعزيز رفع منذ وصوله للسلطة -بل قبل ذلك- شعار وحدة الطيف الإسلامي بمختلف ألوانه، رافضاً نعت السعودية بالهوية المذهبية أو العقدية الضيقة، معتبراً أنها المحور الروحي والاستراتيجي لكل العالم الإسلامي، وهي الرسالة التي قوبلت بالتعصب الراديكالي والعدوان من لدن إيران راعية الفتنة الطائفية في المنطقة. لقد كان المأمول في ضوء التحديات الراهنة تبلور نظام إقليمي إسلامي واسع بأجنحته الخمسة الرئيسية: العالم العربي في امتداده الأفريقي (شرقاً وغرباً)، والعالم التركي بامتداداته في البلقان وآسيا الوسطى، وإيران، والمجال الإسلامي في جنوب شرق آسيا بمحوره الإندونيسي وامتداداته في ماليزيا، ومجال شبه القارة الهندية بمحوره في باكستان وبنغلاديش وامتداداته الأفغانية. وعلى رغم وجود منظمة إقليمية جامعة هي «منظمة التعاون الإسلامي» (التي كانت تسمى عند تأسيسها عام 1969 منظمة المؤتمر الإسلامي)، فإن هذا التكتل الواسع لم يتمكن منذ تأسيسه من تشكيل الحد الأدنى من الهوية الاستراتيجية الجامعة نتيجة لشدة تباين واختلاف توجهات أعضائه الذين لا يربطهم إلا الاستناد العام للدين الإسلامي. وعند استقلال هذه البلدان كان التوجه وقتها هو النزعة «العالم ثالثية» المناهضة للاستعمار في مرحلة برزت فيها بقوة الأيديولوجيات القومية في عموم المنطقة (الناصرية في مصر والأتاتوركية في تركيا والسوكارنية في إندونيسيا..)، ما انعكس في قيام كتلة «باندونغ» التي أريد لها أن تكون محوراً دولياً ثالثاً إلى جانب القطبين المتصارعين على الخريطة الدولية. وإذا كان قيام منظمة المؤتمر الإسلامي ارتبط برمزية القدس بعد العدوان الإسرائيلي الوحشي على المسجد الأقصى، إلا أن نهاية مرحلة السبعينيات عرفت ثلاثة تحولات كبرى تركت أثرها على طبيعة توازنات الكتلة الإسلامية الوليدة: قيام الثورة «الإسلامية» في إيران، وما أدى إليه من مشروع أيديولوجي طائفي فتح بؤر توتر وصراع متزايدة في قلب المنطقة، والحروب الأفغانية التي أفضت إلى قيام نموذج «الإسلام الجهادي المتطرف» الذي كانت الدولة الباكستانية الهشة أولى ضحاياه قبل أن ينتقل الخطر إلى بقية البلدان الإسلامية والعالم كله من بعد، واتفاقية كامب ديفيد المنفردة بين مصر وإسرائيل وما أفضت إليه من شل كامل للنظام العربي. ومع أن مرحلة التسعينيات شهدت توسع المجال الإسلامي باستقلال بلدان آسيا الوسطى المسلمة عن الاتحاد السوفييتي واستقلال بلدان البلقان الإسلامية بعد تفكك يوغوسلافيا، إلا أن هذا المسار كان في الغالب دموياً وحاداً، ولا تزال آثاره قوية ملموسة على مستوى علاقات روسيا بالبلدان الإسلامية وأدوارها الجديدة المشبوهة في المنطقة. والحالة الراهنة تتلخص بوضوح في تنافس ثلاث تجارب «إسلامية» في المنطقة هي: الخمينية الإيرانية وقد تحولت إلى نزعة طائفية حاضرة بحدة في الصراعات الأهلية التي مزقت أوصال المشرق العربي، والأردوغانية العثمانية التي راهنت رهاناً خاسراً على تيارات الإسلام السياسي (الإخواني) للهيمنة على المنطقة، والنموذج «السلفي الجهادي» الذي خرجت من عباءته الدولة الطالبانية وتنظيم «القاعدة» و«داعش».. وهو المستفيد الأول من تفكك العديد من الدول التي عرفت تجارب الانتقال السياسي العنيف (سوريا والعراق وليبيا واليمن والصومال...). والتحدي المطروح راهناً إذن على الكتلة الإسلامية هو استعادة هذا الدين الجامع وانتشاله من الاستقطابات الأيديولوجية والطائفية التي مزقت الأمة وفجرت الفتن والصراعات بين مكوناتها. إن المطلوب -حسب عبارة العلامة الشيخ عبدالله بن بية- هو وقف «انتحار» الأمة الذي هو المشهد الظاهر اليوم بالنسبة لمن يتابع أوضاع المنطقة وأزماتها. * أكاديمي موريتاني
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©