الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اللغة العربية..غريبة في ديارها

اللغة العربية..غريبة في ديارها
20 مايو 2014 20:52
تشغل قضية الحفاظ على اللغة العربية حيزاً كبيراً من اهتمام القيادة الرشيدة في الدولة، وقد انطلقت مبادرات حيّة تعبر عن طموحات الشعوب العربية في أن تستعيد الضاد مكانتها، وتعمر فضاءات الوجود الإنساني من جديد، رغم أن تنفيذ المبادئ السامية التي انطوت عليها هذه المبادرات يحتاج إلى صبر ودأب خاصة أن اللغة العربية هي المعادل الحقيقي للهوية. أشرف جمعة (أبوظبي) لم يخب وهج اللغة العربية، ولا يزال يتدفق بين جدران البيوت، التي يحرص الآباء فيها على إكساب أولادهم الضاد في مراحل مبكرة عبر تحفيظهم كتاب الله عز وجل، مع الحرص على إنشاء مكتبات منزلية، غير أن مبادرات اللغة العربية، وتحديداً إطلاق جائزة مخصصة للغة العربية من العوامل التي من شأنها ضخ دماء العربية بصورة أرحب في المدارس والجامعات وأماكن العمل والبيوت، وبين الناس في كل مكان. شكوى دائمة حول قيمة هذه المبادرات، ودورها في المحافظة على الهوية والثقافة العربية، يقول أستاذ الأدب والنقد الحديث بجامعة الإمارات الدكتور أحمد الزعبي: «لقيت المبادرات والمقترحات الرسمية باستعادة الحضور القوي للغة العربية في شتى المجالات صدى واسعاً من الترحيب والاهتمام من أبناء اللغة، والمؤسسات كافة، وأنهت الشكوى الدائمة عن غياب الاهتمام باللغة العربية، وهذه المبادرات تعيد إلى اللغة العربية روحها وحضورها المبعثر»، مشيراً إلى أنه بحضور اللغة تحضر هيبة الأمة وترتقي مكانتها، ويتقارب أهلها ويتوحد صوتها، مع ضرورة وجود جهة أو هيئة رسمية قوية جادة تأخذ على عاتقها تنفيذ هذه البرامج بمسؤولية وجدية، وتكون مدعومة مادياً ومعنويا وحكومياً من أجل الإقبال على اللغة باقتناع. ويقول: «انتشرت في السنوات الأخيرة في أرجاء العالم ظاهرة تعلّم اللغة العربية، فأنشئت المعاهد لدراستها، وتواصلت هذه المراكز مع كل الجامعات والمعاهد العربية لتبادل الدارسين والمدرسين في مجال اللغة العربية، وقد تواصلتُ بحكم إشرافي على هذه المهمة مع جامعات صينية وألمانية وروسية وأميركية وفرنسية وإسبانية وغيرها، تطلب إرسال طلبتها لتعلم اللغة العربية في جامعات أو معاهد عربية أي بين أهل اللغة». وينتقد إقبال العالم على لغتنا بينما أهل اللغة ينفرون منها ويقللون من شأنها، ويقول: «اللغة العربية اليوم في حالة انحسار في موطنها، وفي حالة انتعاش في بلاد الغربة، فالعالم اليوم يقبل على تعلّمها بحسب الاستطلاعات الرسمية، بينما يحجم أبناؤها عن دراستها، وأحيانا، عن التحدّث بها»، وهُناك «دراسة حديثة في أميركا أظهرت أن اللغة العربية ستكون الثانية في العالم في عام 2020». وأشار إلى أن انشغال القارئ المعاصر بثقافات سريعة، فيها الكثير من الاختصار تقدم بلهجات مختلفة عززت سيطرة اللغة الدارجة، وأسهمت وسائل الإعلام المبهرة وشبكات التواصل الاجتماعي في تغييب اللغة العربية السليمة، لذا لابد من بناء جسور عملية بين المؤسسات الأكاديمية والمؤسسات الثقافية والإعلامية والرسمية لإحداث التوازن ما بين اللهجات واللغة. ويرى أنه لابد من الارتقاء بالملاحق أو الصفحات الثقافية والإبداعية في صحفنا ومجلاتنا العربية، بحيث تعكس صورة جادة عن الثقافة المعاصرة، لتضمن جذب القارئ، وترتقي بذائقته، وتشكل حضوراً تلقائياً للغة في مفرداته اليومية، فتخف حدّة مفرداته إلى أن يعتاد الناس على أن هذه اللغة السليمة، هي الدارجة، وعند ذلك سيتذوق المجتمع جماليات اللغة. لغة التواصل ويقول: ما دامت الثقافة لا تستطيع منافسة طوفان الفضائيات ومبتكرات التكنولوجيا وصراعات الاستهلاك، فلابد أن تبتكر الثقافة أساليب جديدة مناسبة تضمن من خلالها مكاناً فاعلاً حتى لا تبقى على الهامش. و«عند تشخيص هذه الحال الخطيرة لوضع اللغة العربية الآن، نجد أسباباً كثيرة، إذ تعصف باللغة العربية عواصف كثيرة تفضي إلى ضعفها منها: تداخل الثقافات واللغات الأخرى، وتساهل وسائل الإعلام، وغزو اللهجات المحلية، وهناك أكثر من لهجة حتى في البلد الواحد، بالإضافة إلى تقصير المؤسسات الثقافية والمثقفين، وغياب التعليم الجاد للغة العربية من مرحلة الحضانة إلى المرحلة الجامعية، وهو ما أدّى إلى «اللغة الخليط» للتواصل بين الناس في الشارع والمؤسسات والأسواق والمعاملات، وهذه الظاهرة أخطر في المناطق التي تكثر فيها الثقافات والجنسيات مثل منطقة الخليج، حيث تصبح لغة التواصل خليطاً من المفردات بلا بنية لغوية سليمة. ويشير إلى أن اللغة العربية في المؤسسات التعليمية في المدارس والمعاهد والجامعات، وإن كانت أحسن حالاً من لغة العامة الخليط، فقد أصابها الوهن أيضاً، وتسرّبت إليها اللهجات المختلفة والمفردات الدارجة والعبارات الأجنبية المتنوعة، لتغيب اللغة العربية السليمة، بعد أن انقرضت اللغة الفصيحة إلاّ في أضيق المجالات، ولإنقاذ اللغة العربية من الغياب التدريجي والضعف المستشري والاستبدال الاختياري، فإن مبادرات جادة في هذه المسألة يمكن أن تصلح الكثير من التردي في حال اللغة العربية. وعاء الفكر ويؤكد أستاذ الدراسات العربية في جامعة الحصن أبوظبي الدكتور باسم يونس البديرات أن اللغة مكون أساسي في بنية الهُوِيّة الوطنية لأي مجتمع، فهي وسيلة للتعبير عن المشاعر والحاجات، بالإضافة إلى أنها وعاء التفكير، واللغة أيضاً من أهم ما يميز أمة عن غيرها، فهي الوثيقة التي يحملها الفرد؛ فالإنسان لا يُعرف من خلال ملبسه أو مأكله فقط، بل من خلال أهم مكون للهُوِية وهو اللسان. و«هناك أسباب أدت إلى ضعف استعمال اللغة العربيّة، مما أسهم في تشوّه هذه الوثيقة المميزة للأمة في ظل انتشار مفاهيم العولمة، التي أدت إلى متغيرات ثقافية، واجتماعية، بسبب الانسياب السهل للمعارف والمعلومات بين الأمم نتيجة ظهور الشبكة العنكبوتية، والقنوات الفضائية، بالإضافة إلى قلة النتاج الثقافي والعلمي في اللغة العربية، مقارنة بغيرها من اللغات». وأضاف: «اللغة العربية تعيش غربة في أهم حصونها، وهي المؤسسات التعليمية تحت ذريعة أنها لا يمكن أن تستوعب منجزات العصر في ميادين المعرفة المختلفة، خصوصاً العلوم، فلجأت تلك المؤسسات إلى استخدام لغة مغايرة للغة الأم كالإنجليزية وغيرها، وهو ما قد يكون له الأثر على هُوِيّة الإنسان العربي». مبادرات مميزة وقد تنبهت الجهات الرسميّة لخطورة هجر اللغة العربية في ظل التنافس الحاد بين الأمم الحيّة في المحافظة على لغاتها، ويقول البديرات: «أطلقت مبادرات مميّزة تهدف إلى إحياء استعمال اللغة العربية، ومن أبرزها مبادرات صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، في جعل اللغة العربية لغة حياة، وآخرها إطلاق جائزة اللغة العربية، التي تعد محاولةً جادة لإحياء استعمال لغة الضاد»، و«من المبادرات الفاعلة مساهمة صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، التي اهتمت بدعم اللغة العربية وتعليمها بوسائل ذكيّة، وتقديمها بطرائق تعليمية تُسهم في سهولة تعليمها وتعلّمها، في ظل العزوف عنها، وغيرها من المساهمات التي ستسهم في الحفاظ على لغة القرآن الكريم من التهميش، فالمحافظة على اللغة مسؤولية لا تقتصر على الأفراد، بل هي مسؤولية المجتمع بأكمله على المستويين الشعبي والرسمي». هوية وطنية ويستبشر الكاتب والمخرج المسرحي الإماراتي صالح كرامة العامري كثيراً بالمبادرات، التي أطلقت في دولة الإمارات، مؤخراً، ويرى أن المستقبل يحمل كثيراً من الإشراق بالنسبة لعودة اللغة العربية إلى الصدارة في محيط الحياة التعليمية والعامة وتحريك الماء الراكد في بحيرة الضاد، هو في حد ذاته إحياء للغة، وتنشيطها وإعادة جريانها في شرايين أهلها. ويلفت إلى أن الاهتمام المتزايد باللغة العربية من قبل القيادة الرشيدة يحافظ على الهوية الوطنية، ويسهم في تعزيز وترسيخ محبة الضاد في النفوس، فضلاً عن أن هذه المبادرات والجوائز، التي ترصد تصب في المصلحة العامة لجميع الدول العربية، لأن أهل العربية هم أولى بمعرفتها وتعلمها كما ينبغي. ويشير إلى ضرورة الاهتمام بالنشء، واستحداث مناهج توائم المتغيرات الاجتماعية والتكنولوجية مما سيسهم في ميلاد جيل جديد لديه حرص على التمسك بالضاد، وهو ما يمنح فرصة لإعادة صناعة الأدباء والشعراء والكتاب، فاللغة العربية تنتعش أكثر بوجود من يجيد فنونها جميعاً. لغة الحياة ويذكر الروائي الإماراتي حارب الظاهري أن اللغة العربية بجمالها تستطيع أن تستحضر وجودها في الزمان والمكان من خلال المبادرات اللماحة التي صدرت في الدولة. ويقول إن «تلك المبادرات أعادت الثقة لدينا بأن عودة لغة القرآن إلى الوجود العالمي ليست مستحيلة في ظل حرص قيادات الدولة الرشيدة على إطلاق المبادرات والجوائز الكبرى، التي تعمِّق حلقات البحث، وتستنفر الطاقات من أجل تطوير مناهج اللغة، وإعادتها إلى مناحي الحياة». ويرى أن اللغة العربية حاضرة بقوة في وجدان كل مسلم غير أنها تحتاج لمن يزيل الغبار من عليها حتى تستعيد مكانتها ووهجها، خصوصاً وأن هناك لهجات محلية كثيرة تسيطر على لغة الشارع مما يتطلب تغييراً في لغة الإعلام المقروء والمسموع، وفي المدارس والجامعات». حركة دائبة ويوضح جرير سالم الكعبي أن سعادته كبيرة بالحركة الدائبة والسعي المستمر من أجل تدعيم لغة القرآن في الحياة العامة. ويؤكد أنه استجابة للمبادرات التاريخية في الدولة حول مستقبل اللغة العربية فإنه يحفظ أبناءه القرآن الكريم، ويعمل على أن يكون تعليمهم في المستقبل غير بعيد عن اللغة العربية حتى وإن تعلموا لغات أخرى، فضلاً عن إنشائه مكتبة تحوي العديد من القصص المسلية والكتب العلمية البسيطة ليستفيد منها الأبناء في هذه المرحلة، مشيراً إلى أن الوطن العربي بأكمله يحتاج لمثل هذه المبادرات حتى لا تجرف الحياة لغته.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©