الثلاثاء 19 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بالتيمور.. خلفيات الشغب والغضب

8 مايو 2015 22:24
في عام 1965، بادر السياسي وعالم الاجتماع والسيناتور الديمقراطي المخضرم «دانييل باتريك موينيهان» بقرع ناقوس الخطر للتحذير من الانخفاض المحسوس في معدلات الزواج في أوساط الأميركيين الأفارقة. واليوم، لم يعد في وسعنا أن نتفهم ما جاء في تقريره من دون أن نفكر في الظروف القائمة في بالتيمور، التي تقف وراء اندلاع أعمال الشغب في الأسبوع الماضي. وقد جاء في تقرير «موينهان» ما يلي «تكمن المشكلة الاجتماعية الكبرى في تفكك التركيبة العائلية. وهناك دليل قائم على أن (العائلة السوداء) التي كانت تقيم في الغيتوهات المتوزعة على أطراف المدن، أصابها تحلل وانهيار. صحيح أن الجماعات التي تنتمي إلى الطبقة المتوسطة تمكنت من حماية نفسها من هذا الخطر، إلا أن أعداداً كبيرة من طبقة العمال التي تفتقر للمهارات التقنية وذات المستويات الثقافية المنخفضة عانت من تفكك الروابط الاجتماعية التقليدية. وما دام هذا الحال على حاله، فستتواصل دورة الفقر وتكرر نفسها مع كل ما يرافقها من تداعيات وأضرار». ونتوقف هنا عند مقولة «موينيهان» قليلاً لنشير إلى أن الحال لم يبقَ على حاله فحسب، بل إنه قد ازداد سوءاً. ففي عام 1963، بلغ معدل عدد الأطفال السود المولودين خارج إطار الزواج الشرعي 24 في المئة بالمقارنة مع 3 في المئة للأطفال البيض. إلا أن معدل الأطفال البيض غير الشرعيين قفز منذ ذلك الوقت وحتى الآن إلى 29 في المئة. وفي المقابل، ارتفع معدل الأطفال السود غير الشرعيين حتى بلغ الآن 72 في المئة. ولكن.. ما أهمية هذا الموضوع، وما هي نتائجه الاجتماعية؟ للإجابة على هذا السؤال، قدم «موينيهان» مؤشرات إحصائية تشير إلى أن الأطفال الذين يكبرون ويترعرعون من دون أبوين، يسجلون نتائج أخفض في اختبارات معدل الذكاء، وترتفع بينهم معدلات التسرّب المدرسي في المرحلة الثانوية، ويتحولون بسهولة إلى أحداث جانحين مع كل ما يرافق ذلك من تبعات تتعلق بانعدام القدرة على العمل والإنتاج. وتترتب عن هذه الظواهر الشاذة تداعيات كثيرة وخاصة منها ما يتعلق باعتلال الصحة الجسدية والذهنية وإدمان المخدرات والعديد من النتائج السلبية الأخرى. وتشهد هذه المشكلة المزيد من التفاقم مع الانخفاض المتواصل في معدلات الزواج. و«بالتيمور» واحدة من المدن التي تسكنها أغلبية من السكان السود في الولايات المتحدة، وهي التي اندلعت فيها أعمال الشغب نتيجة الغضب الذي تفشى بين سكانها ضد رجال الشرطة بعد مصرع الشاب «فريدي جراي». إلا أن تصاعد الغضب، كما قال أوباما، ليس إلا نتيجة مباشرة للفقر والبطالة. ولا توجد ثمّة حاجة الآن لإعادة النقاش حول ما إذا كانت الطفولة مع انعدام الإطار الأسري الشرعي هي التي تسبب الفقر أم العكس. وطبعاً يتحدث كثيرون عن مشكلة النساء صغيرات السنّ اللائي ينجبن أطفالاً من دون آباء يشاركون في تربيتهم، وتقع عليهن أعباء ثقيلة لتربيتهم والعناية بهم. وذات مرة، أطلقت مدينة نيويورك حملة تهدف إلى زيادة الوعي حول العلاقة القائمة بين الحمل عند النساء صغيرات السن والفقر. وكتب صاحب حساب على مواقع التواصل الاجتماعي النصيحة التالية: «إذا تمكنت من استكمال دراستك، أسرع في الحصول على وظيفة ثم تزوج بعد ذلك قبل أن تنجب أطفالك. وعندئذ ستحقق 98 في المئة من الحظوظ التي تضمن لك ألا تعيش بقية حياتك وأنت تعاني من شرور الفقر». ولاشك أن غياب الآباء لا يمثل المشكلة الوحيدة التي تواجه بالتيمور وبقية المدن والبلدات في الولايات المتحدة، فما زالت ثقافة التفرقة العنصرية تبرز بوضوح في مجتمعات السود. ولا زال أمام الحكومة الكثير مما يتحتم عليها فعله من أجل توفير المزيد من الفرص الاقتصادية في المناطق والتجمعات السكانية الفقيرة. ويقول عالم الاجتماع «لورنس ميد»: «إن الشيء المهم بالنسبة للطفل حتى يحقق النجاح لا يتعلق بما إذا كان أبوه غنياً أم فقيراً، بقدر ما يتعلق بما إذا كان قد تعرف على أبيه أصلاً». وفي مجتمع اليوم الأكثر قرباً من المساواة بين أفراده قياساً إلى ذي قبل، يمكن للأبناء أن يتعلموا المبادئ الأولى للعمل والإنتاج من آبائهم. إلا أن ربّ أسرة منفرد (الأب أو الأم)، لا يمكنه القيام بكل الجهد المطلوب. وتصبح هذه المهمة مستحيلة التحقيق إذا كان يعمل وقتاً كاملاً لإعالة نفسه وأبنائه. ويبقى الحل المناسب كامناً في ضرورة العمل على مكافحة التفكك الأسري والإنجاب غير الشرعي وخاصة عن طريق نشر الوعي والثقافة الاجتماعية في أوساط النساء صغيرات السن. وهذا ما تسعى إليه ولايات أميركية عديدة مثل تكساس وإلينوي ونيويورك. فرانسيس باري *محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©