الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المسلمون بين أزمة الخطاب وخطاب الأزمة

المسلمون بين أزمة الخطاب وخطاب الأزمة
31 أكتوبر 2008 01:46
طرحت ''الاتحاد'' في منتداها الثالث الذي انعقد قبل أيام قضية تتعلق بحالة التدين في عالمنا العربي والإسلامي بين ما يمكن أن نطلق عليه ''أزمة الخطاب الديني'' و''خطاب الأزمة''· فالمناقشات والآراء المتباينة بين ضيوف المؤتمر الذي احتضنته صحيفتنا في عيد ميلادها التاسع والثلاثين، تحت عنوان ''الدين والمجتمع في العالم العربي''، كشفت عن ضرورة التمييز بين ''خطاب الأزمة'' المرتبط بحالة التراجع الحضاري التي تعيشها الأمة، وبين ما أطلق عليه البعض ''أزمة الخطاب الإسلامي'' السائد في مجتمعاتنا اليوم· حرص المنتدى على حشد نخبة من الكتاب والباحثين الذين أثروا النقاش بتنوع مشاربهم الفكرية وإن كانت تجمعهم الكتابة في ''وجهات نظر''، وتناول على مدى يومين عدة محاور، من بينها ''إشكالية الدين والسياسة في المجتمع''، وكيف يمكن للدين بمفاهيمه الصحيحة أن يكون عاملًا رئيسياً في بناء دولة القانون والديمقراطية العربية أو الإسلامية المنشودة، وهل ثمة تعارض بين الإسلام والديمقراطية؟ وناقش ''صعود التدين في أوروبا'' و''إخفاق الحداثة السياسية العربية'' وتنامي موجات التدين في العالم العربي· وسلط الضوء على الجماعات الدينية وتأثيرتها على المجتمع· وأثار المنتدى العديد من التساؤلات المشروعة حول دور الدين في المجتمع و''هل الدين مقيد للتطور أم دافع للتقييد؟'' فضلاً عن جدلية الشعارات الدينية بين ''تدين السياسة'' و''تسييس الدين''· أشارت المناقشات الى ''أنّ العالم العربي يعاني من أزمة في الخطاب الإسلامي'' على حد قول الدكتور خليفة السويدي خلال مشاركته في المنتدى، والذي أكد أهمية تشجيع العلماء المعتدلين ''المغيبين عن الإعلام وتقديمهم كنماذج جيدة، لما لذلك من دور في تعديل مسيرة الجماهير''، فيما اعتبر آخرون أن الخطاب الديني ''فشل في تقديم خطاب متسامح مع العالم وأخفق في تحصين الشباب''، وفقاً للدكتور عبدالحميد الأنصاري· يحسب للمنتدي انه ألقى بحجر في البحيرة وفتح النقاش والجدل حول هذه القضية، وهي مناقشات تثري قضية الحوار التي نحتاج إليها لنوسع من قيم التسامح التي دعا وحث عليها الإسلام· من هنا تبرز أهمية مناقشة حالة ''الخطاب الإسلامي'' خاصة في ظل المفارقة التي نلمسها اليوم بين حقيقة تعاليم الإسلام وقيمه، وبين واقع المسلمين؛ فالإسلام يدعو الى العلم والتعلم فيما يبقى المسلمون في ذيل الأمم من هذا الجانب· وتحث تعاليم الدين الحنيف على القوة بمفهومها الواسع، فيما يعاني المسلمون حالة ضعف لا تخفى على أحد، وتأمر نصوص الدين بالشورى، فيما يعاني غالبية المسلمين أنواعاً متباينة من الاستبداد· ويأمر الإسلام بالزكاة وتحقيق حد الكفاية لكل مسلم بل لكل مواطن يعيش في الدولة المسلمة، بينما نجد أن معظم التجمعات الفقيرة تنتمي جغرافياً الى ديار المسلمين·· والقائمة طويلة لا يتسع المجال لسردها· غير أن ما نود التنبيه إليه هو أن الأزمة ليست في أصل الخطاب الديني الصحيح ولا في قيمه وتعاليمه التي تركها لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، وإنما في واقع الأمة المأزوم وربما المهزوم، وحالة الوهن والضغف السائدة في الكثير من أنحاء عالمنا العربي والإسلامي والتي تتجلي في تراجع إسهامنا في انتاج الحضارة وتحولنا الى مجرد مستهلكين لمنتجاتها المادية والفكرية، فضلاً عن بقائنا في موقع المفعول به، وتقلص حركة غالبية المسلمين إلي حيز رد الفعل· هذه الحالة لا تتجلي في جانب أو آخر من حياة المجتمع المسلم المعاصر، ولا تنحصر في الجوانب المادية من حياة المسلمين، وإنما تنعكس ايضاً على فهم غالبيتهم للدين وتعاليمه ومقاصده الكبرى، وترتبط كذلك بطريقة تعاملنا مع قيمه وفهمنا لنصوصه· والنتيجة أن الكثيرين ''هبطوا'' بالدين من عليائه ليكون على قدر قامتهم القصيرة· خطاب الأزمة ناتج عن عقلية الوهن التي إما تغفل مقتضيات العصر فتهرب الى الماضي والتاريخ، وإما تغفل عن جذور الحاضر فتهرب الى الآخر متجاوزة مقتضيات الجغرافيا وأحمال التاريخ· يثمر خطاب الأزمة مسلماً يعيش برجليه في القرن الحادي والعشرين ورأسه في القرن السابع· ومن ثم فإن كثيراً من التجاوزات التي ترتبط بالتدين أو تتسمح بعباءة الدين تعبر عن خطاب هذه الأزمة وليس عن أزمة الخطاب الديني الصحيح·
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©