الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

داعي الضمير

داعي الضمير
31 أكتوبر 2008 01:51
حُكي أن ملكان ابن أخي ماوية قال: قلت لها يوماً: يا عمة حدثيني عن بعض عجائب حاتم وبعض مكارم أخلاقه، فقالت: يا ابن أخي أعجب ما رأيت منه أن أصابت الناس سنة أذهبت الخف والظلف، وقد أخذني وإياه الجوع وأسهرنا، فأخذت سفانة، وأخذ عديا وجعلنا نعللهما حتى ناما، فأقبل عليّ يحدثني ويعللني بالحديث حتى أنام، فرفقت به لما به من الجوع فأمسكت عن كلامه لينام، فقال لي: أنمت؟ فلم أجبه، فسكت ونظر في فناء الخباء، فإذا شيء قد أقبل فرفع رأسه فإذا امرأة فقال: ما هذا؟ فقالت: يا أبا عدي أتيتك من عند صبية يتعاوون كالكلاب أو كالذئاب جوعاً فقال لها: أحضري صبيانك فوالله لأشبعنهم، فقامت سريعة لأولادها فرفعت رأسي وقلت له: يا حاتم بماذا تشبع أطفالها فوالله ما نام صبيانك من الجوع إلا بالتعليل، فقال: والله لأشبعنك وأشبعن صبيانك وصبيانها، فلما جاءت المرأة نهض قائماً، وأخذ المدينة بيده وعمد الى فرسه، فذبحه، ثم أجج ناراً ودفع اليها شفرة، وقال: قطعي واشوي وكلي وأطعمي صبيانك، فأكلت المرأة وأشبعت صبيانها، فأيقظت أولادي وأكلت وأطعمتهم، فقال: والله ان هذا لهو اللؤم تأكلون وأهل الحي حالهم مثل حالكم، ثم أتي الحي بيتا بيتا يقول لهم انهضوا بالنار، فاجتمعوا حول الفرس، وتقنع حاتم بكسائه وجلس ناحية، فوالله ما أصبحوا وعلى وجه الأرض منها قليل ولا كثير إلا العظم والحافر، ولا والله ما ذاقها حاتم وانه لأشدهم جوعاً وأخباره كثيرة مشهورة ومن شعره: أماويّ إن المال غاد ورائح ويبقى من المال الأحاديث والذكر وقد علم الأقوام لو أن حاتماً أراد ثراء المال كان له وفر وأغار قوم على طيء فركب حاتم فرسه وأخذ رمحه ونادى في جيشه وأهل عشيرته ولقي القوم فهزمهم وتبعهم فقال له كبيرهم: يا حاتم هب لي رمحك فرمى به اليه فقيل لحاتم: عرضت نفسك للهلاك، ولو عطف عليك لقتلك· فقال: قد علمت ذلك ولكن ما جواب من يقول هب لي؟ ولما مات عظم على طيء موته، فادعى أخوه انه يخلفه فقالت له أمه: هيهات شتان والله ما بين خلقتيكما وضعته فبقي والله سبعة أيام لا يرضع حتى ألقمت أحد ثديي طفلاً من الجيران وكنت أنت ترضع ثديا ويدك على الآخر، فأنى لك ذلك· قال الشاعر: يعيش الندى ما عاش حاتم طيء وان مات قامت للسخاد مآتم وكانت العرب تسمي الكلب داعي الضمير ومتمم النعم، ومشيد الذكر لما يجلب من الأضياف بنباحه· والضمير: الغريب وكانوا اذا اشتد البرد وهبت الرياح ولم تشب النيران فرقوا الكلاب حول الحي وربطوها الى العمد لتستوحش فتنبح فيهتدي الضلال ويأتي الأضياف على نباحها· قصة أمانة حكى أبوبكر الطرطوشي في كتابه ''سراج الملوك'' قال: أخبرني أبوالوليد الباجي عن أبي ذر قال: كنت أقرأ على الشيخ أبي حفص عمر بن أحمد بن شاهين ببغداد جزءاً من الحديث في حانوت رجل عطار، فبينما أنا جالس معه في الحانوت إذ جاء رجل من الطوافين ممن يبيع العطر في طبق يحمله على يده، فدفع إليه عشرة دراهم وقال له: أعطني بها أشياء سماها له من العطر فأعطاه إياها فأخذها في طبقه وأراد أن يمضي فسقط الطبق من يده فانكب جميع ما فيه فبكى الطواف وجزع حتى رحمناه، فقال أبوحفص لصاحب الحانوت: لعلك تعينه على بعض هذه الأشياء، فقال: سمعاً وطاعة، فنزل وجمع له ما قدر على جمعه منها ودفع له ما عدم منها، وأقبل الشيخ على الطواف يصبره ويقول له: لا تجزع فأمر الدنيا أيسر من ذلك· فقال الطواف: أيها الشيخ ليس جزعي لضياع ما ضاع لقد علم الله تعالى أني كنت في القافلة الفلانية فضاع لي هميان فيه أربعة آلاف دينار ومعها فصوص قيمتها كذلك فما جزعت لضياعها حيث كان لي غيرها من المال، ولكن ولد لي ولد في هذه الليلة فاحتجنا لأمه ما تحتاج النفساء ولم يكن عندي غير هذه العشرة دراهم فخشيت أن أشتري بها حاجة النفساء فأبقى بلا رأس مال، وأنا قد صرت شيخاً كبيراً لا أقدر على التكسب، فقلت في نفسي أشتري بها شيئاً من الاعطر فأطوف به صدر النهار فعسى أستفضل شيئاً أسد به رمق أهلي ويبقى رأس المال أتكسب به، واشتريت هذا العطر فحين انكب الطبق علمت أنه لم يبق لي الا الفرار منهم، فهذا الذي أوجب جزعي· قال أبوحفص: وكان رجل الجند جالساً إلى جانبي يستوعب الحديث فقال للشيخ أبي حفص: يا سيدي أريد أن تأتي بهذا الرجل إلى منزلي، فظننا أن يعطيه شيئاً، قال: دخلنا إلى منزله فأقبل على الطواف وقال له: عجبت من جزعك، فأعاد عليه القصة فقال له الجندي: وكنت في تلك القافلة؟ قال: نعم وكان فيها فلان وفلان، فعلم الجندي صحة قوله فقال: وما علامة الهميان وفي أي موضع سقط منك؟ فوصف له المكان والعلامة، قال الجندي إذا رأيته تعرفه، قال: نعم، فأخرج الجندي له همياناً ووضعه بين يديه فحين رآه صالح قال: هذا همياني والله، وعلامة صحة قولي أن فيه من الفصوص ما هو كيت وكيت ففتح الهميان فوجده كما ذكر، فقال الجندي: خذ مالك بارك الله لك فيه، فقال الطواف: إن هذه الفصوص قيمتها مثل الدنانير وأكثر فخذها وأنت في حل منها ونفسي طيبة بذلك، فقال الجندي: ما كنت لآخذ على أمانتي مالاً، وأبى أن يأخذ شيئاً ثم دفعها للطواف جميعها فأخذها ومضى ودخل الطواف وهو من الفقراء وخرج وهو من الأغنياء·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©