السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تحولات «نجيبة» السياسية

تحولات «نجيبة» السياسية
21 يوليو 2010 20:34
تمردت ياسمين عبدالعزيز على أدوار “الفيديت” من خلال شخصيات متنوعة واستطاعت أن تقف نداً لكل نجوم الكوميديا الرجال في شباك التذاكر. وفي فيلمها السينمائي الجديد “الثلاثة يشتغلونها” قصة وسيناريو يوسف معاطي وإخراج علي إدريس قدمت شخصية “نجيبة” البنت المجتهدة “الفلتة” كما يطلق عليها والدها العامل البسيط “متولي” (صلاح عبدالله) وهي لا تهتم بجمالها بل تخفي ملامحها خلف نظارة طبية ضخمة وتضع على أسنانها دعامات للتقويم تزيد مظهرها قبحاً، وكعادته يضعنا السيناريست يوسف معاطي في قلب الأحداث الساخرة مباشرة منذ البداية فنرى “نجيبة” حصلت على المركز الأول في الثانوية العامة بمجموع 101 في المئة ورغم هذا التفوق والاجتهاد تبدو ساذجة ولا تعرف كيف تتخذ قرارا حتى عندما تتم استضافتها في البرنامج التليفزيوني “صباح الخير يا مصر” لا تعرف بأي كلية ستلتحق ولماذا؟ “نجيبة” نموذج للعشرات من أوائل الثانوية العامة الذين يحققون المجاميع الضخمة ورغم ذلك يفشلون في الحياة العلمية وربما يتعثرون في دراستهم الجامعية فهم مجرد أشخاص لا يجيدون التفكير والتعامل مع مشكلات الحياة وليس لديهم مهارات سوى الحفظ. ومن المتناقضات التي يرصدها السيناريو أن حسن مصطفى صاحب المصنع الذي يعمل فيه والد “نجيبة” يرسب ابنه للعام الثاني على التوالي في الثانوية العامة رغم الدروس الخصوصية والمدرسة الفخمة وبينما يوزع العامل البسيط “متولي” الشربات على زملائه ليشاركوه فرحته بتفوق ابنته يشعر صاحب المصنع بالحقد عليه ويقرر إنهاء خدمته مع آخرين تخفيفاً للنفقات، وتشعر “نجيبة” بالحزن والضائقة التي تمر بها أسرتها وتقرر البحث عن عمل بالثانوية العامة وبعد رحلة بحث لا تجد سوى المدرسة التي تخرجت فيها لتعمل مدرسة للصف السادس الابتدائي وتسند لها ناظرة المدرسة “أبلة صباح” (رجاء الجداوي) أحد الفصول التي تسبب ازعاجا للمدرسة وتنجح “نجيبة” في عملها الى جانب التحاقها بالجامعة ويعود والدها الى تلقينها أهمية أن تواصل التفوق وتحقق حلمه في أن تصبح رئيسة للجامعة بينما تنصحها والدتها (هالة فاخر) بأن تبحث عن عريس ملائم وثري يكون من طلبة السنة الرابعة ولأن “نجيبة” لم تعتد إعمال عقلها فهي تلتزم بما يطلبه والدها ووالدتها وتتفانى في استذكار دروسها وعملها، وتبدأ البحث عن العريس الثري بناء على نصيحة والدتها وبمجرد أن تقع عيناها على “نبيل” (أمير المصري) تتخيل أنه العريس المناسب ورغم الاختلاف الكبير بين شخصية ومظهر كل منهما، نراها تحاول مغازلته والتودد اليه وتستعرض مع والدتها اسماء الطلبة الاثرياء في الدفعة النهائية وتجد معظمهم أبناء لصوص أو منحرفين أو تجار مخدرات وحتى “نبيل” زميلها في السنة الأولى قضى والده عدة سنوات في السجن، فهو أحد اللصوص الكبار، ولا تمانع والدتها طالما أنه قضى العقوبة. ولأنها لا تعرف سوى الكتب تقرأ “نجيبة” كتاباً عن كيفية إقامة علاقة مع شاب وتحفظه وتنفذ ما جاء به لكن زميلاتها في الجامعة يلحظن إعجابها بـ “نبيل” ويحاولن مساعدتها بشكل عملي وتتغير شكلا وسلوكا لتدخل عالم “نبيل” الشاب العابث المستهتر الذي يسخر منها، ولكنه لا يمانع من استغلالها ويتغير أسلوبها مع الطلبة من التشدد الى التبسط الى حد المبالغة، ويقلدها التلاميذ في شكلها وأسلوبها ويتفق “نبيل” معها على مساعدته في الامتحان حتى يتقدم لخطبتها بعد النجاح، وأمام الحاحه تسلمه ورقة إجابتها ويسجل عليها اسمه بينما ترسب هي لأول مرة في حياتها وتحاول الاتصال بـ”نبيل” فلا يجيبها وتسرع اليه بعد أن أخبرتها إحدى زميلاتها بأنه يقيم احتفالا بنجاحه في إحدى البواخر النيلية وتفاجأ بوجود فتاة معه تخبرها بخطبتهما. وتثور “نجيبة” وتضرب “نبيل” وخطيبته وأصدقاءه ويتم القبض على الجميع ويتولى الضابط (محمد لطفي) التحقيق معهم وفي قسم الشرطة تلتقي “نجيبة” بالشاب الثائر “خالد”(نضال الشافعي) منسق حركة “خنقتونا” وشاعر وعضو بأحد الأحزاب اليسارية، ويبدي إعجابه بها وسرعان ما تنقاد اليه “نجيبة” وترتدي الكوفية الفلسطينية وتشارك في المظاهرات. وينعكس هذا التغير على سلوكها مع الأطفال الذين يقلدونها في كل شيء في ملابسها وطريقة حديثها وتلحظ أن “خالد” يبدي إعجابه بها ويدعوها لمنزله لبحث تفاصيل الوقفة الاحتجاجية بمنسابة ذكرى تأسيس حركة “خنقتونا”، وتكتشف انه يملك سيارة فارهة لا تناسب ما يردده من شعارات جوفاء، ويرصد السيناريو في ادانة ذكية كيف يستفيد حملة الأبواق من المتاجرة بالشعارات، فهو يكتب في عدة صحف وعضو في عدة منظمات وجمعيات يجني من ورائها الكثير فضلا عن سلوكه الشخصي الذي يدل على ازدواجية فهو ينهال بالسباب على رجل بائس اعترض طريقه ويهينه لأنه حافي القدمين، ويصارحها بأنه لا يفكر بالزواج رغم إعجابه بها وأن الأفضل لهما أن تجمعهما علاقة حب بلا زوج ويتدخل الأمن للقبض على المتظاهرين وبينهم “نجيبة” و”خالد” والتلاميذ الصغار. وتفاجأ “نجيبة” بتخلي “خالد” عنها بل وانكاره المشاركة في المظاهراة وتصاب بصدمة ثانية وتعود للجامعة في حالة نفسية سيئة وتتلقاها زميلاتها المحجبات ويصحبنها للصلاة في المسجد، وهناك تلتقي بالداعية “عمار حسني” (شادي خلف) الذي يبدأ استغلالها لتحقيق مصالحه ويتودد اليها ويقدم لها وظيفة مقدمة برامج في إحدى الفضائيات الدينية التي يشارك بها. وتتغير “نجيبة” للمرة الثالثة شكلا وموضوعاً وترتدي الحجاب والقفاز وينعكس التغيير على تلاميذها الصغار فيرتدي الصبيان الطواقي البيضاء والفتيات الحجاب وتندفع “نجيبة” وراء الداعية بلا مناقشة وتصدق كل ما يقوله حتى عندما يعرض عليها الزواج وتقول: لكنك متزوج من اثنتين فيرد: شرع الله وانت الثالثة لا تعترضي، وتطلب فقط مهلة حتى انتهاء الامتحانات. وينعكس انخراطها في التيار الديني المتشدد على دراستها حيث ترى بعض زميلاتها يهمسن بأن الاثار أوثان ودراستها حرام، وينصحنها بأن تقود حركة طلابية لتحطيم التماثيل. وفي لمحات سريعة وحوار ذي دلالة تكتشف زي هذا الداعية الذي يستثمر موهبته في الدعوة لجني أكبر عائد مادي وعندما يتم القبض على “نجيبة” وزملائها وفصلهم من الجامعة، يعلن براءته منهم على الهواء وفصلها من العمل بالقناة، ويؤكد أن الدين لا يعرف هذا التشدد وتسمعه “نجيبة” وهو يبدأ رحلته في خداع فتاة أخرى، وهكذا تتلقى صدمة جديدة تكون السبب في ان تستعيد وعيها وعقلها ويحتضنها والدها مؤكدا انه هو الذي اخطأ في تربيتها وجلعها لا تعرف شيئا عن الحياة سوى حفظ الكتب والتفوق الدراسي. وتقرر “نجيبة” أخيراً أن تكون نفسها وترفض كل القيود لتصنع مع تلاميذها مستقبلا مختلفاً يعتمد على التعامل بشكل مباشر مع الحياة وتصحب طلابها في رحلات علمية وتثقيفية ويحقق التلاميذ أفضل النتائج وتحصل “نجيبة” على كأس المدرسة المثالية ويتدخل الوزير لتعود لدراستها الجامعية وهناك تلتقي باستاذ شاب هو (أحمد عز) وتعجب به وتنتهي الأحداث بزواجها من فتى أحلامها. ورغم بساطة القصة فإن الحيوية التي تتمتع بها ياسمين عبدالعزيز جعلت الفيلم ممتعاً ومبهجاً وغزل السيناريست يوسف معاطي العديد من الظواهر السلبية ضمن الأحداث بمهارة وبلا اقحام. واستطاع المخرج علي ادريس أن يقدم توليفة فنية مميزة لولا بعض المشاهد التي كان يمكن حذفها ويحسب له اختياره للممثلين الذين برع كل منهما بشكل لافت مثل شادي خلف في شخصية الداعية العصري “عمار حسني” ونضال الشافعي في شخصية “خالد” الشاعر والمعارض الانتهازي واجادت رجاء الجداوي في تقديم صورة واقعية للناظرة بمظهرها وسلوكها التلقائي وصلاح عبدالله المتألق دائما ويحسب لياسمين عبدالعزيز جرأتها واجتهادها وأسلوبها المميز في اختيار ملابسها بطريقة مناسبة لكل شخصية تعكس حرصها على مصداقية العمل بعيداً عن العري أو الإثارة حتى عندما تحولت الى فتاة “روشة” تسهر في الديسكو وتذهب الى حمامات السباحة. وحقق المونتير ماجد مجدي الايقاع المتوازن على الشريط السينمائي وتميزت موسيقى تامر كروان بالتناغم وأضفت لمسات محمد أمين المصداقية من خلال ديكورات تتسق مع الأحداث. ويبقى السؤال الصعب في انتظار ياسمين التي نجحت للمرة الثانية في تحدي نجوم الكوميديا الرجال وحققت رصيداً لا يستهان به من شباك التذاكر.. ماذا بعد؟
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©