الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أصيلة أول الحياة والفن

21 يوليو 2010 20:36
صدر مؤخراً عن دار عكاظ للنشر في الرباط، الكتاب المشترك بين الرسام المغربي ابن مدينة أصيلة يونس الخراز، وبين الشاعر المغربي المهدي أخريف بعنوان: “يونس الخراز/ نزوات في الرسم والحياة”. في هذا الكتاب الذي جاء في 122 صفحة من الحجم المتوسط والمزين بعدد كبير من الصور التي تؤرخ لمراحل مختلفة من حياة الفنان الخراز، نجد الكثير من اللوحات الفنية التي تحمل توقيع الفنان. يرد هذا الفنان على أسئلة الشاعر بحس جمالي وفلسفي وبتجاوب كبير مع الأسئلة المقلقة والمثيرة. يصف الشاعر المهدي أخريف يونس الخراز بكونه الرسام الموهوب الذي بدأ الرسم “من نهاية السبعينات وبداية الثمانينات حيث يشق طريقه في عالم الرسم (في الصباغة والحفر معا في آن واحد) بدايته الفنية تزامنت بل وتلازمت تماما مع بداية تجربة موسم أصيلة الثقافي الذي عرف انطلاقته عام 1978، والذي سيصبح بالنسبة إلى يونس ورسامين آخرين من جيله مدرسة أساسية سواء في الرسم أو في الخبرة الثقافية”. ومن ثم سوف يستفيد إلى حد كبير من تجربة الموسم متعلما ومحتكا بكبار الرسامين والنحّاتين المشاركين من مختلف جهات العالم في أوراش ومحترفات الموسم التشكيلية مثل رسامي جيله الذين كانوا يشقون طريقهم في الصباغة والحفر. ويقول يونس الخراز عن موسم أصيلة “كان موسم أصيلة بمثابة مدرسة تعلمت فيها ما لا يمكن تعلمه في المدارس. لقد استفدت الكثير، من مساهماتي، المتعاقبة في دورات المهرجان، في تجارب الصباغة على الجدران، في محترف الحفر، في المعارض في إنجاز المطبوعات وفي مجالات ثقافية وإبداعية أخرى متنقلاً من مرحلة التعلّم والتلقي إلى المشاركة في الإعداد للمهرجان بجانب مُجايليّ من الفنانين كما أتاح لي ارتباطي بهذه التجربة المتفردة في المغرب والعالم العربي ربْط صلات وعلاقات إنسانية وإبداعية شديدة الغنى والتنوّع مع فنانين مغاربة مثل المليحي وبلكاهية أو عرب مثل: مروان قصاباشي (سوريا)، محمد عمر خليل (السودان)، أحمد نوار (مصر)، أو أجانب مثل: كريشناريدي (الهند)، هكتور سويني (الأرجنتين)، مانويل كروث (اسبانيا) وغيرهم”... ويؤكد المهدي أخريف أن يونس الخراز لم يكف عن توكيد: “هذا البعد الاستيتيقي في مجمل أعماله بصيغ مختلفة: تجريد “مخلوقاته” المكانية والإنسانية من أي تعبيرية، من أي “حياة ثانية” غير حياتها الممتلئة تجريداً وهموداً داخل اللوحات، ثم في مرحلة ثالثة –أو رابعة؟- تجريد مخلوقاته ذات “الطبيعة الميتة” من أي طبيعة حية يجري عادة إضفاؤها عليها في الرسوم التعبيرية. لعل يونس أراد أن ينبهنا إلى أن إضفاء الحياة على موضوع “ميت” بطبيعته ممكن بطرق أخرى غير اللمسات والتقنيات الانطباعية والتعبيرية المعروفة، ممكن بمعالجات تمضي في اتجاه معاكس، معاكس للتجسيم والتعبير وللتجريد والتعتيم، في آن واحد. أما الناقد الفني الإسباني خوان سانشيز كارباخال فقد كان له رأي آخر في هذه الأعمال حيث كتب متسائلاً: “هل يتعلق الأمر بالعودة إلى الاشتغال على موضوع مستهلك بطرق جديدة حقاً؟ هل الإضافات والتنويعات التي قدمها كافية ومقنعة لتبرير هذه العودة خاصة بالنسبة إلى فنان طموح عودنا على تقديم الجديد في كل معرض؟ أم أن الأمر يتعلق ببساطة بتقديم أعمال تستجيب لأذواق فئة مؤثرة من مقتني اللوحات من عشاق الجمالية التزيينية؟” وعن حبه الشديد للفضاء المعماري لمدينة أصيلة يقول الخراز: “فيما يخص رسومي عن الفضاء المعماري للمدينة العتيقة. هي رسوم تعود في الحقيقة إلى بداياتي الأولى. ذلك أن رسومي الطفولية كانت لنوافذ وأبواب وأمكنة. ثم انتقلت تدريجياً مع مرور السنوات إلى رسم الأضرحة المعروفة مثل ضريح سيدي أحمد المنصور، محمد بن مرزوق، سيدي أحمد بوقُجَّة (احتفظ له حتى اليوم برسمين يظهر فيهما بشعر طويل كالهيبيين) ثم فيما بعد انتقلت إلى الاشتغال على أبنية الزوايا والجوامع بتقنيات مائية وبالأقلام الملونة (منها الزاوية الحمدوشية والتيجانية، وجامع الزكوري، وحتى الحمامات، ثم حمام الجامع وحمام الليموني..). أما انتقالي من “شعرية المكان” إلى “نثرية الوجوه” بتعبيرك أنت (يقصد المهدي أخريف)، فلم يكن نقلة “مفاجئة” أو على الأقل أنا لا أراه كذلك. إذ قبل تجربة “الوجوه” والبرتريهات اشتغلت على موضوع “الأشجار العارية” على ثلاث شجرات تحديداً. حدث الأمر مصادفة تماماً خلال مروري اليومي تقريبا – نزولا وصعودا – بباب البحر استوقفتني ذات خريف من نهاية الثمانينات ثلاث شجرات عاريات من الأوراق هي تلك التي مازالت واقفة جنب السور الخلفي لمدرسة ابن خلدون بلونها الرمادي ومن خلفها السور البرتغالي المكلل أعلاه ببياض وسطوع البيوت المجاورة. شجرات ثلاث غريبة بدت لي دائما كما لو أنها أنزلت من كوكب آخر”. من هذه الشجرات، يقول الفنان يونس الخراز “استوحيت بضعة رسوم استخدمت فيها بالفحم الأسود والرمادي لمسات خاطفة تحول معها موضوع الشجرات إلى خطوط أو تخطيطات اقرب إلى بورتريهات تجريدية منها إلى أي شيء آخر. واليوم لا أخفي عنك رغبتي في العودة إلى فحص رسومي الشجرية الثمانينية تلك ليس بغرض تكملة “سلسلة” ما، بل لمحاولة ابتكار رابط معين مفتقد حتى الآن بين عُريين: “عري الشجرات الثلاث” و”عري الجسد الأنثوي” الذي هو موضوع أعمالي الراهنة”. وفي الكتاب نقرأ شهادات لعدد من كبار الكتاب منهم محمد شكري الذي وصف أعمال الخراز بقوله: “له كذلك نزواته الجميلة في فن الطبخ، وها أنا أشهد له بحضور المهدي ورشيد الأندلسي، بالإجادة في تحضير أطباق “المعجنات” على الطريقة الإيطالية والسمك على الطريقة الزيلاشية.. لكنني أنصحه بمناسبة هذه الشهادة أن يبتعد تماماً عن محاولة تقليدي في طبخ طاجين “الكوكوعو” أو “الأرانب” لأن أي محاولة منه محكوم عليها سلفاً بالفشل الذريع”. نلمس في هذا الكتاب وشهادات الخراز عشقه لمدينة أصيلا التي اختارها واختارته، فهو يقول عنها “فردوس مناسب على مقاسي. عشت في بلدان ومدن عديدة داخل المغرب وخارجه. وأحببت مدنا شتى غربا وشرقا لكن أصيلة حبّي الثابت الوحيد، مكاني الأول والأخير”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©