السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

قراءة في العلاقة بين الفصحى والعاميات

قراءة في العلاقة بين الفصحى والعاميات
21 يوليو 2010 20:38
يشير الباحث سمر روحي فيصل بشكل غير مباشر في مقدمة الكتاب إلى طبيعة الدراسات التي تناولت موضوع اللغة العربية في العصر الحديث، وذلك من خلال التأكيد على ضرورة التمييز بين أمرين، هما حب اللغة من جهة والقراءة المنهجية في دراسة وتحليل قضايا هذه اللغة والموقف المعاصر منها، الأمر الذي يجعله يقارب تلك القضايا من خلال اعتماد المنهج التحليلي مع الاستعانة أحياناً بالمنهجين الوصفي والتاريخي كما يشير إلى ذلك في مقدمة الكتاب. تتوزع فصول الكتاب على مجموعة من القضايا التي يرى ضرورة مناقشتها فيبدأ أولاً بمناقشة قضية طالما شغلت الباحثين والدارسين في شؤون اللغة وما زالت وهي قضية الازدواجية اللغوية بين اللغة الفصيحة والعامية حيث يشير أولاً إلى المشكلات التي نجمت عن تلك الازدواجية، ويبحث في كيفية انتقال اللغة الفصيحة من شبه الجزيرة العربية إلى الأمصار الأخرى، وما طرأ على هذه اللغة من تطورات ساهمت إلى جانب الظروف المحلية في نشوء تلك العاميات. لكن الباحث يظهر حذراً واضحاً في مناقشة تلك القضية عندما يختار هدفاً واضحاً للدراسة يتمثل في معرفة تاريخ العلاقة بين اللغة الفصيحة والعاميات نظراً لأنها تشكل مدخلاً إلى معرفة أن تلك المشكلة لم تكن وليدة الحاضر، وإنما هي ذات جذور تاريخية. ويشترط الباحث لدراسة تلك اللغة القيام بدراسة اللهجات العربية دراسة علمية منهجية بعد جمعها من مصادرها الأساس والعمل على إحصائها بشكل دقيق. وفي نهاية البحث يخلص إلى نتيجة مؤداها أن تلك العاميات لم تكن سوى حصيلة للتفاعل اللغوي بين اللهجات العربية الوافدة من الجزيرة العربية مع الفاتحين المسلمين ولغة البلاد الأصلية. قضايا التعريب وتيسير النحو العربي القضية الأخرى التي يتناولها هي قضية التحديات المعادية التي تواجهها اللغة العربية، فيناقش أولاً أطروحات المستشرقين الأجانب حول واقع اللغة مركزاً على البعد الأساس في تلك القضية والمتمثل في صعوبة تعلمها ما يتطلب ضرورة تيسيرها. ويميز الباحث على مستوى هذه الدعوة بين موقفين الأول إيجابي والثاني سلبي وذلك من خلال مناقشة أطروحات المطالبين باستبدال الفصيحة بالعامية أو الحروف العربية باللاتينية، لينتقل بعدها إلى دراسة موضوعة تيسير النحو العربي الذي يراه ضروريا دون أن يمس جوهر تلك اللغة. وفي توصيفه لمشاكل النحو يحدد مشكلة الفصل القائمة بين النحو وعلم المعاني وضعف الأساليب المتبعة في اكتساب المهارات اللغوية، وإهمال وحدة هذه اللغة. كما يناقش موضوع التعليم باللغات الأجنبية لتنقل منها إلى دراسة قضية قدرة تلك اللغة على استيعاب العلم الحديث وتأصيله عبر قدرة اللغة العربية على استيعاب العلم الحديث والمصطلحات العلمية والتقنية، وقدرة هذه اللغة العلمية العربية على نقل علوم العصر وتطويرها كما حدث في عهود الترجمة والتعريب في العصرين الأموي والعباسي. ويبحث أيضا في قدرة هذه اللغة على المساهمة في تأصيل العلم الحديث. ونظراً لاتصال قضية الترجمة والتعريب بالقضية السابقة فإنه يخصص لها البحث التالي كاشفاً عن الإشكالات المعاصرة التي تطرحها وفي طليعتها قضية الإشكال المعرفي في عصر الثورة العلمية، والإشكال التاريخي النابع من عدم دراسة التجربة التاريخية للتعريب بشكل جيد، إضافة إلى الإشكال اللغوي الماثل في عجز اللغة العربية عن وضع التسميات والمصطلحات المناسبة للعلوم والتقنيات الحديثة الوافدة. ويبحث الفصل التالي في تجارب التعريب العربية كما تبدت في التجربة السورية عبر مراحلها التاريخية المختلفة، ثم يعود إلى مناقشة قضية الكتابة باللغة العربية في أربعة محاور يستعرض في الأول مفهوم الكتابة كما جاء في معاجم اللغة، وفي الثاني يتناول واقع الكتابة والطموحات المستقبلية، وفي الثالث الكتابة الوظيفية بين الواقع والطموح، في حين يبحث المحور الأخير في موضوع الكتابة الإبداعية التي هي كل كتابة فنية أو إبداعية أو منهجية تمتلك قدرة التأثير في القارئ والإقناع. وبعد أن يناقش واقع تدني مستوى الكتابة الإبداعية عند الطلاب ينتقل إلى مناقشة مشكلات الكتابة الإبداعية عند الكاتب والتي يراها ماثلة في دخول الكاتب إلى حقل الكتابة من دون إعداد تربوي سليم، وفي انشغاله بتأمين ضرورات العيش من خلال العمل في مجالات أخرى غير الكتابة، مما يبقي الكتابة مجرد هواية. وتمثل لغة الحوار في الأدب قضية أخرى من قضايا اللغة العربية يجدها نابعة من الانحراف في فهم الواقع الموضوعي للحوار الأدبي في السياق التاريخي لاستعماله، وفي المفهوم الفني للغة. لذلك يبحث في تجلياتها الماثلة في مسألة الازدواجية اللغوية بين الفصيحة والعاميات في لغة الحوار، وفي استعمال العامية في تلك اللغة كما شاعت أولاً في الرواية المصرية بحجة محاكاة الواقع الطبيعي دون إدراك للتمايز القائم بين الواقع الحقيقي والواقع الفني. ويعود الباحث إلى الحديث عن علاقة اللغة بتكوين الوعي القومي ودورها في تعميق هذا الوعي ما يستدعي العمل على ترميم الصدوع التي تحول دون انتشار هذه اللغة عبر مجموعة من الإجراءات أهمها تأليف معاجم حديثة تتوافر فيها الدقة والسهولة في البحث عن معاني الكلمات، في حين يبقى موضوع الكتابة العربية وتيسيرها هو الشاغل الأكبر الذي يتطلب العمل على إيجاد الحلول المطلوبة التي تحقق المطابقة بين اللفظ والكتابة والاعتراف باللغة العربية الجديدة التي شاعت مع ظهور الصحافة والأدب الحديث.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©