الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مجالس الشعراء (2)

مجالس الشعراء (2)
21 يوليو 2010 20:42
قال رزين أخو دعبل الخزاعي: اجتمعنا يوماً عند أبي نواس، وهو إذ ذاك في ربض محمد بن زبيدة، وفينا دعبل، ومسلم بن الوليد، وأبوالشيص. فلما كادت الخمر أن تغلب العقول، قال أبو نواس: قد اتفق اجتماعنا، فلماذا لا نتمم يومنا بما يذكرنا به المتأدبون؟ فقلنا له: إنه ذاك.. فالتفت إلى مسلم يقول: هات.. فلله إحسانك في الإجابة إذا نوديت، فاختر من شعرك ما شئت، فليس من شاعر إلا وهو يعرف حبة القلادة من شعره. فاستوى مسلم جالساً، وقال: ليس بك حاجة إلى مكاثرتنا، علمنا معك من الكلام درره، وخالص جوهره، وإنما أردت إقرارنا بذلك، فقد سلمناه لك. فقال أبو نواس: ما لهذا قصدت، ولكنك تريد أن تتعالى علينا بجودة شعرك، فامض لما اجتمعنا عليه، فلن ندع مشاركتك في ذلك، فابتدأ مسلم ينشد قوله: أجررت حبل خليع في الصبا غزل وشمرت همم العذال في عذلي فلما انتهى إلى قوله: موف على مهج، في يوم ذي (...) كأنه أجل يسعى إلى أمل قال أبو نواس: ما أراه يجيء بعد هذا الكلام ما يفي بوزنه، ثم التفت إلى دعبل مازحاً فقال: هات الآن، فكأني بك قد جئت بسقط شعرك. لا تعجبي يا سلم من رجل ضحك المشيب برأسه فبكى قال دعبل: هو ذاك، فتجاوزني إلى غيري، فقال: كلا، فأين تلذذ السمع بعذوبة جيد الكلام، فجاء بها إلى آخر بيت، فقال أبونواس: أحسنت ملء فيك. ثم التفت إلى أبي الشيص، فقال: العنادية العنادية، ما خطر بخلدي قط قولك: لا تنكري صدي ولا إعراضي ليس المقل عن الزمان براضي إلا حرك مني ساكنا، وقد اخترتها استحساناً لها. نريد أن نتوقف عند بعض الإشارات، فالاجتماع جرى في بيت أبي نواس، وهو إذ ذاك في ربض صديقه الذي سيصبح خليفة، وهو محمد بن هارون الرشيد وسيلقب بالأمين، لكنه هنا ينسب إلى أمه زبيدة، يجتمع الشعراء على ما بينهم من تنافس فينتهز صاحب البيت هذا الاجتماع ليذكرهم بأنهم مبدعون، ينبغي أن يتداولوا فيما بينهم ما يصلح مادة أدبية يتناقلها الرواة المتربصون بهم مثل وسائل الإعلام اليوم، مما يجعل لهم ذكراً طيباً على مر العصور. يبدأ باستشارة قرينه الذي يناطحه وهو مسلم بن الوليد، طالباً منه أن ينشد أجمل شعره، فيفهم مسلم من ذلك أنه يريد أن يفخمه عليه مراعاة لحسن الضيافة، لكن أبا نواس يرد عليه بأن ذلك لم يكن مقصده، إلا إذا كان مسلم يريد أن يتعالى بجودة شعره، ويدعوه إلى المواصلة فينشد قصيدته الشهيرة إلى أن يبلغ بيتها الفرد، “موف على مهج”، فيدعو دعبل للمواصلة بلون آخر من الشعر العذب مداعباً له بأنه من سقط الشعر، فيتقبل الدعابة ويطلب إعفاءه، لكن أبا نواس يبرز أهميته، ثم ينشد أبو الشيص ضايته الشهيرة البديعة. ويمضى المجلس الشعري على هذا النسق الممتع..
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©