الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البوح محمولاً على الصوت

البوح محمولاً على الصوت
11 مايو 2011 20:08
الفنون الشعبية ومفرداتها وتقاليدها واحدة من أهم الموروثات في منطقة الخليج العربي، سواء أكانت شعرا أم غناء. أما قيمة هذه الموروثات بمختلف أنواعها فتكمن في أنها تمثل وجهاً من وجوه التراث الشعبي، وحركة الفرد وحراكه الإنساني والثقافي عبر البادية والصحراء بكل تفاصيل الخيال وجغرافية المكان، التي تمنح هذا الخيال خصوصية تبدو واضحة في امتداد هذا الموروث عبر الأجيال دون انقطاع، حتى مع تطور الظاهرة الاجتماعية ودخول مظاهر المدنية إلى كافة مناحي الحياة، ولهذا اكتسبت هذه الفنون قيمة إضافية تتمثل في (القيمة التاريخية). إن الكثير من الأشعار التي يجري غناؤها وترديدها في المناسبات الاجتماعية والوطنية، لا يعرف مؤدوها أو ناظموها أو حتى فترتها الزمنية التي قيلت فيها، وأصبحت تسري بين الناس مسرى الأمثال الشعبية بعد أن تناقلها الرواة الشفاهيون وكبار السن. وفي عالم يشهد تسارعاً ثقافياً، ومحاولات التسيّد الثقافي والفكري، وفي ظل مظاهر العولمة التي تحاول إشاعة النمط الثقافي الواحد كان من الضروري العودة إلى الماضيواستقراء بعض ملامحه مهما كانت صغيرة، لأن الماضي لا يمكن أن ينفصل عن الحاضر مهما كانت الدواعي والأسباب. وهنا ومن خلال هذه الإطلالة التي تتكئ على ما في ثقافة الصحراء من جاذبية وخيال وجغرافية المكان ودور البيئة في صقل الموهبة ورؤية الأشياء بمنظور مختلف، كان لا بد من الوقوف عند أهم ملامح الغناء الشعبي المحلي كواحد من تراثنا الذي نعتز به أيما اعتزاز، لا سيما في دولة الإمارات العربية المتحدة التي تزخر بتنويعات من الموروث الشعبي المتصل بإبداع الإنسان وذاكرته الجمعية. الشلات البدوية الشّلات البدوية ستبقى واحدة من أجمل الألوان الشعبية المتميزة بين فنون ورقصات الفن الشعبي المتوارث، ومن البديع أنها ما زالت تلقى تلك الحفاوة القديمة والعشق لمحتواها الأصلي من الشعر النبطي - والارتجالي أحياناً -الذي يصبح على أيدي متذوقي هذا اللون في فرقنا الشعبية (لوحات تقليدية) تجمع ما بين اللحن والأداء والكلمة والترديد. ولك أن تجد هذا النمط الإنساني متفرداً في الأفراح والمناسبات الوطنية والدينية، والأعياد والمواسم من خلال فرق العيالة والحربية والفلكلور التي تزدهر ملامحه في الإمارات بصورة لافتة ومن خلال مجموعة كبيرة من الفرق المحلية المنتشرة في طول البلاد وعرضها. صحيح أن هذه الفرق لا تجد ذلك الصدى والمتابعة الإعلامية التي تلقاها فرق الرقص المعاصر وغيرها من الفرق الغنائية التي تغرد خارج السرب وتعزف على أوتار الفن المستورد، لكنها في الوقت ذاته ما زالت متماسكة ومحافظة بقوة على مفردات جميلة في الموروث الشعبي، ولا تزال تعيش في ذاكرة قطاعات متنوعة من الشعب بدليل أنها لا تغيب عن المشهد الإنساني والثقافي المعاصر طوال العام، بل من الملاحظ أن بعض هذه الفرق يتطور إلى مستوى فني متقدم في مجال الاستفادة من إبداع الشعراء المحليين، إضافة إلى ما تنهله من مخزون الشعب الثقافي من الأهازيج والأغنيات التي ما زالت تلقى الحفاوة نفسها منذ مئات السنين. وقد دلت الملاحظات أن تجمع الأجيال هو الصفة الغالبة على هذه الفرق، مع حضور مؤثر لفئة الشباب، وربما يكون ذلك مجالًا للاعتزاز بفنون هذه الفرق وارتباطها الوثيق بالموروث الشعبي الأصيل. وتعرف الشّلة على أنها نوع من الغناء القديم، ويؤدى عادة بدون آلات موسيقية، وبشكل فردي أو ثنائي أو جماعي، وغالباً ما تبرز متعة الشلات حينما يؤديها المغني أثناء السفر فوق ظهور الإبل، أو في ليالي السمر في صحراء البادية. ويجب في مثل هذه الحالة أن يتحلى مغني الشّلة بحسن الصوت وجمال الأداء وطول النفس، إذ إن لها قصائد طويلة وذات إيقاع يحتاج إلى دراية وخبرة وقوة في الصوت حتى تبدو القطعة المغناة بكامل هيبتها ومعناها. الونّة من أشهر قصائد الشّلة؛ وهي غناء الذكريات ويؤديه مغن بدوي منفرد، لكي يطرد النوم من عينية وهو على ظهر ناقته في رحلة ليل صحراوية طويلة. ويؤدى غناء الونة الآن في بعض بلدان الخليج العربي، لا سيما في سلطنة عمان والمشاركون جلوس على الأرض وهم يحيطون بالمغني. وغناء الونة أيضا يشبه غناء (الموال) في كثير من البلاد العربية، خاصة في بلاد الشام. والأغلب كما يذكر بعض الرواة أن يكون شعر الونة من الغزل ومنه في مديح (البوش) ولما كان هذا النوع من الغناء يتسم بطابع الحزن خاصة حينما يكون من شعر الذكريات فإن الونة تسمى ( النوحة ) آو ( فن التنهيدة ) وكانت فيما مضى تتفق في إيقاعها ومزاجها مع حركة سير الإبل وهي تسير الهوينى. ومن الأبيات المعروفة في فن الونَّة البدوي: يا فرحتي بالحلة يوم ازجرني حل ريم ينسفّ دله في بستان النّخل وإيه على خشم له سيف يريد يشل العازي.. والتغرودة إلى جانب الونة هناك شكل آخر من أشكال هذه الفنون يطلقون عليه فن (العازي) وهو أحد أكبر واهم هذه الأشكال، فهو فن الفخر أو المدح، وهو أيضاً فن الإلقاء الشعري دون تنغيم أو غناء، إلى جانب كونه فناً فردياً يتولاه شاعر ماهر أو راوية يحفظ الكثير من أصول الشعر الخاص بذلك. وشاعر العازي عادة ما يتصدر جماعته ممسكاً بسيفه، ثم يلقي قصائده بطريقة لا تخلو من الحماسة والقوة، وعند كل وقفة في الأداء يهز سيفه بطريقة لافتة، أما مجموعة الرجال التي تبدو ظاهرة بين صفي الرزحة، فتتشكل في هيئة دائرة تحيط بالشاعر وأفرادها يرددون هتافات أهمها كلمة ( وسلمت ) وكانت تتصاحب قديماً بإطلاق الرصاص من البنادق كنوع من الابتهاج، ولا يزال المشاركون حتى أيامنا هذه يحملون بعض البنادق الصورية لاكتمال عنصر الفرجة في المشهد الاحتفالي. وهناك شكل ثالث هو (التغرودة) وهي الغناء على ظهور الإبل ( المطايا ) أو الخيل لإثارة حماستها وحماسة راكبيها. وتغرودة البوش تسمى رزحة البدو أو رزفة البدو، وهي نوع من الغناء الجماعي في صورة نغمية ثابتة لا تتغير بتغير المكان وتتميز باستطالة حرف المد في موجة نغمية تعكس صورة مسموعة لحركة سير قافلة الإبل. ومن الأسماء التي تطلق على التغرودة، شلّة الركاب إشارة إلى أدائه والركاب في مسيرة أو قافلة عبر الصحراء. أما تغرودة الخيل فهو غناء تتخلله صيحات لتنشيط الخيل ومدحها بشعر يعدد مناقبها، ويؤدي تغرودة الخيل فرسانها، تهيئة له للمشاركة في ركض الخيل أو سباق الخيل. وعادة ما تزخر شلات تغرودة الخيل بمعاني الشجاعة والإقدام والشهامة والمبادرة إلى نجدة الضعيف. ويتبدى هذا النمط من الفن الأدائي في منطقة الخليج العربي في ثلاثة أنماط هي: الألفية وفيها تكون قصيدة الشعر على حروف الهجاء، والعددية حيث تبدأ المقاطع الثلاثة الأولى على الأقل عددياً، بقول الشعر مثلًا الاولة، الثانية، الثالثة .. ثم تتوالى الأعداد بحسب طول نفس الشاعر، والمطلق؛ وفيه تكون القصيدة غير مرتبطة بترتيب الحروف أو الأعداد وإنما تتوالى أبياتها على فطرة وسجية الشاعر. ومما يجدر ذكره أن قصيدة العازي غالباً ما تبدأ بذكر اسم الله وتنتهي بالصلاة على رسوله الكريم، وأهم أغراضها كما ذكرت المديح إلى جانب إبراز مكارم الأخلاق والتقوى والفخر بالأسلاف والأجداد وحروبهم وغزواتهم ورحلاتهم البحرية بحثاً عن الرزق. ومن مقاطع العازي: يا ناس بي عوق صعيب ما فاد فيه الدختري أسباب بوجنيب لبيب غض الشباب امعزل ومن قصائد العازي ما رواه الشاعر العماني محمد بن علي بن هاشل الجرواني: الألف الفت المثال واثنيت مدحي في الريال لي صادموا يوم الجتال بمخلفات صارمات الباء: بطال المسلمين الهم عوايد من سنين يا ما وياما مجاهدين فوج الخيول الصافنات وتعتبر فرقة عبيد خليفة الشوين (الإمارات) لأداء الشلات البدوية والرقصات الحربية، من الفرق الخاصة المهمة والمميزة في المحافظة على هذا الفن التقليدي الأصيل، وغالباً ما تجد أفراد هذه الفرقة يحيون بعض الأفراح، والمناسبات الوطنية حيث تضفي رقصاتها وشلاتها بعداً إنسانياً وتراثياً مميزاً، وتضم الفرقة مجموعة من الشباب بقصد إحياء التراث والمحافظة عليه، وتعليمهم كيف يثبتون على فنونهم الشعبية الأصيلة. كما أنها فرقة تعتمد على كبار السن في التدريب، أو تقديم الشلات القديمة التي تختزنها ذاكرتهم .إلى جانب فضلهم في تعليم شباب الفرقة من أبناء الجيل الجديد أصول وقواعد هذا الفن واحترامه ومعرفة التقاليد المرتبطة به، لكي يتعايشوا مع أجواء التراث الشعبي بصورة إنسانية قبل كل شيء. الرزفة البدوية من أفضل ما تقدمه الفرقة والفرق المحلية الأخرى الآن ( فن الرزفة ) والتي تبدأ عادة بالترحيب بالضيوف أو ( المعرس ) بأبيات ارتجالية من وحي المناسبة وسرعان ما ينتبه الحاضرون إلى صوت قائد الفرقة وهو يقول: مرحباً بالعزيمة لي لفت من حداكم بيت قصاد عاني من لفتني العزيمة حاضر بالثواني لو بليلة ظليمة ومن تقاليد الرزفة أن يستمر قائد المجموعة بترديد شلّة الترحيب لعدة دقائق، ثم تتوالى شلات الترحيب مع قدوم أشخاص جدد إلى الحفل، ومن ثم يجري تقديم قصيدة غزلية، وتخصص أحيانا قصيدة للعريس أو (المزيون) .. وما بين شلة الحربية والرزفة تمكنت الفرق من تطوير هذه الأشكال من خلال إدخال الآلات الموسيقية إلى الأداء مثل الطبول وبعض الآلات الحديثة، وذلك لإضفاء أجواء من الحداثة المبسطة على هذا الفن. وبشكل عام فإن الرزفة البدوية هي أحد الفنون التقليدية التي تقدم في المناسبات المختلفة كالأعراس وختان الأولاد وفي عيدي الفطر والأضحى إلى غير ذلك من المناسبات. ويقتصر أداء هذا الفن عادة على الرجال من البدو، ولا تشارك فيه النساء فهي على نمط فن الرزحة، ويجتمع الرجال لإقامة الرزفة البدوية ويكونون في شكل صفين متقابلين متوازيين، ثم تبدأ بعد ذلك شلة الغناء حيث يقوم أحد شعراء الرزفة بتلقين أحد الصفين نص شلة الغناء شعراً، ويقوم الصف الأول بترديده شعراً ونغماً، أما الصف الثاني فيقوم بترديد ما يغنية الصف الأول بحيث يصبح غناء الشلة متبادلًا بصورة منتظمة ومنسقة ما بين الصفين. تتكون الحركة في الرزفة من مفردتين: الأولى وتختص بحركة المشاركين والثانية وتختص بحركة الرازفين بين الصفين المتقابلين. فالمشاركون يمسكون بعصي خاصة من الخيزران، وبعضهم يمسك ببنادق خشبية أو سيوف يركزونها على الأرض ويحركون رؤوسهم في إيماءات متوالية. أما الرازفون فيقومون بأداء حركات مرنة ارتجالية بين الصفين يظهرون من خلالها براعتهم ومهاراتهم في رمي السيوف والبنادق في الهواء ولمسافات مرتفعة، ثم يتلقفونها مرة أخرى بخفة ودقة عالية دون أن تسقط على الأرض. وتعرف الرزفة البدوية مثلها مثل غيرها من فنون البدو الأخرى تؤدى دون مصاحبة آلات إيقاع، فهي خالية تماماً من الطبول، ولكنها غنية بإيقاعها اللحني وحركات المشاركين فيها هادئة إلى حد ما لتتناسب ونغمة الغناء فيها. الشعر في الرزفة يتناول أغراضاً عديدة وان كان أغلبه في الغزل والحكمة والمدح أو في الذكريات والبحر الشعري فيه قصير، لكي يتناسب وطريقة الأداء في الرزفة ومن أشعار الرزفة المعروفة: جلب فهيم وجلب ميت والله عليم بالصواب لجلوب ما كلها فهيمة تفهم إلى رد الجواب أما فن الرزحة، فهو فن المبارزة بالسيف، وفن المبارزة والمطارحة الشعرية، وكانت الرزحة فيما مضى هي وسيلة التعبير الجماعية بمطالب الناس عند الولاة والأئمة، كما كانت وسيلة إعلان الاستعداد للحرب وحشد المقاتلين وإعلان الانتصار والتوسط بين المتخاصمين لإقامة صلح بينهم. وفي الرزحة يدق طبل كبير وتصدر منه أصوات قوية فيجتمع على إثرها الرجال ليعقدوا أمرهم، بينما يلقي شاعر كل قبيلة بعضاً من شعره ارتجالًا، والغرض من إلقاء هذا الشعر هو لتأريخ هذا الحدث، وإبراز أهميته في الذاكرة الجمعية. وفي بعض مناطق الخليج العربي يجتمع الرجال للرزحة من اجل الترويح عن النفس واستعراض براعة الشباب في المبارزة بالسيف والنزال، بينما يتطارح شعراء القبائل لإظهار براعتهم في نظم شعر الغزل أو المدح أو الهجاء أو الأحاجي والألغاز التراثية .وهنا يمكن القول إن هذا اللون من الفن أنتج ما يمكن أن نسميه بـ ( الصورة الأدبية للمبارزة بالسيف ) أو قيمة الفلكلور الشعبي في إنتاج أدب شعبي له مقاييس إنسانية خاصة . . وللرزحة أنواع متعددة تختلف باختلاف حركة المشاركين فيها وعددهم، ونوع وسرعة الإيقاع الذي يتحكم بهذه الحركة إلى جانب نوع البحر الشعري الذي يكون منه غناء ( شلاّت الرزحة)والموضوع الذي يتناوله الشاعر عندما يرتجل شعر الشّلة .وربما يقابل الرزحة فن يتواجد بقوة في السعودية وهو فن ( الزحفة ) وهو من الفنون الشعبية الراقصة في منطقة عسير، وتشبه رقصة الخطوة في الخطوط العامة إلا أن الزحفة تنفرد عنها بانحناءة في جذع الراقص إلى الأمام والعودة إلى الخلف وفق طريقة فنية متناسقة فيها الكثير من الإبداع والرشاقة وخفة الحركة الحربية من أشهر أنواع الرزحة ما يعرف بـ (رزحة الحربيات) وفيها يكون الشعر في غرض من أغراض الحرب أو الهجاء أو توثيقاً لغزوة أو إعلاناً لنصر أو لفض منازعة بين متخاصمين .ومن نصوص شلات الرزحة المعروفة: حن وصلنا ولا علينا مكاده شبان حال الطرب والمين ناس ما يهابوا الليل وسواده من وصلنا الداعي مستبشرين العيالة ما يرتبط بالشلات أيضاً فن له قيمته وأهميته وتأثيره، وهو فن العيالة وهو من فنون شجاعة الرجال ويصطف فيه المشاركون على هيئة صفين متوازيين متقابلين ويتبادلون الغناء بشلة شعر واحدة يرددها الصفان على التوالي حتى تتم القصيدة أبياتا، ويحضر فن العيالة في الإمارات بقوة من خلال العديد من الفرق المحلية ومنها فرقة سعيد بن ربيع الطاهري وفرقة عيالة راشد الشامسي وفي العيالة نوعان من الحركة: حركة المشاركين وحركة المستعرضين بين الصفين. و”العيالة” هي الأكثر شهرة، وتحتل “العيالة” موقع الصدارة بين الفنون الشعبية. وهي فن أصيل عريق لهذا يصعب تحديد تاريخه بالضبط. تؤدى “العيالة” في كل المناسبات الاجتماعية والوطنية، وتحرص دولة الإمارات على إبرازها وتقديمها في معظم الأنشطة التي تقام في الخارج باعتبارها الفن المحلي الأكثر تعبيراً عن تراث الدولة وخصائصها. ناهيك عن أنها رقصة جميلة فنياً، تتوافر “العيالة” على غنى مضموني، فهي رقصة الانتصار بعد الحرب؛ ولذلك تتجسد عبرها معاني الشجاعة والفروسية والبطولة والقوة. ومن ميزات “العيالة” أنها تعزز قيم المشاركة الجماعية، إذ إنها تسمح لأفراد الجمهور بالاشتراك فيها إلى جانب الفرقة الأساسية. وغالباً ما تقتصر فرقة “العيالة” على العازفين على الطبول والدفوف والطويسات “جمع طاسة”، وهي نوع من الآلات النحاسية. يتوزع الرجال في صفين متراصين دلالة على التماسك والتآزر وبينهما أصحاب الطبول والدفوف الذين يقرعون على آلاتهم لبث الحماسة في النفوس. وتبدأ الرقصة بإشارة من قائد الفرقة، حيث يأخذ حملة الطبول بقرع طبولهم، ويبدأ صفا الرجال بالرقص والحركة المستمرة لفترة طويلة، وفي هذه الأثناء يتحرك حاملو الطبول في اتجاه الصف المواجه، بينما يتحرك حملة السيوف في الاتجاه المعاكس، كما لو أنهم في مبارزة مع الأعداء. ويمكن القول إن “العيالة” في كل حركاتها وفنونها تمثل رقصة القوة والفروسية التي عرف بها البدو، لكن من الضروري الإشارة إلى أن أداءها عند البدو يختلف عن أدائها عند الحضر، ففي مناطق البادية تشارك فيها الفتيات، ويتخلل الرقص خروج أحد الراقصين من الشباب من الصف شاهراً خنجره اللامع المطعم بالفضة فيرقص به في شكل مبارزة إحدى الفتيات اللواتي يتوسطن الحلقة، وتستمر المبارزة إلى أن يتعب أحدهما فيخرج من وسط الحلقة وسط تهليل الحضور وصياحهم. ويتناسب هذا المشهد الأدائي مع الشعر، فالغزل من أهم الأغراض في شعر “العيالة”، وفيه وصف لتجربة الشاعر مع الحبيبة، وصور شعرية جميلة تجسد محاسنها، وهذا الشعر يذكر بالشعر العربي الفصيح في الجاهلية الذي كان يبدأ بالمقدمات الغزلية والوقوف على الأطلال. ويرتبط بـ”العيالة” فن آخر هو العرضة، والعرضة تشبه “العيالة” إلى حدٍ كبيرٍ، غير أنها تختلف عنها في الآلات والإيقاعات. وفيما تؤدى “العيالة” عند البدو تؤدى العرضة عند الحضر فقط، ولكنها تؤدى في المناسبات نفسها التي تؤدى فيها “العيالة”، وهي مشابهة من حيث نظام الإنشاد ووقوف المنشدين في صفين، ونظام دخول حملة السيوف، إلا أن ألحانها تؤدى ثلاثية الإيقاع والمميزات. ومنها أيضاً السامري أو الركباني، وهو فن قديم معروف في غناء أهل البادية، وفي الجزيرة العربية والخليج العربي، ويؤدى هذا الفن على صوت الربابة والقصيدة التي تغنى فيه تتميز بأن لشطريها قافية واحدة. ويؤدى السامري بشكل جماعي، حيث ينقسم الرجال إلى فريقين يجلسون في صفين متقابلين (يصل عددهم إلى العشرين ولا يقل عن العشرة في أي حال)، ويؤدون اللحن أو “الطرق” وهم يجثون على الركب، ويحمل الفريق الأول منهم الدفوف. «شلات» البحارة وثمة “شلات” يغنيها البحارة أو الغواصون لتخفف عنهم وحشة البحر ومرارة الفراق والابتعاد عن الأهل تارة، أو أثناء الاستعداد لرحلة الغوص أو الصيد تارة أخرى. ومن بين هذه الفنون الغنائية “تقصيره” وهي “شلات” يغنيها مغنيان، الواحد تلو الآخر، ويرد البقية معهم، وتتميز بأنها أبيات شعر قصية وقليلة الكلمات، وربما لهذا السبب سميت “تقصيرة”. وتغنى “التقصيرة” عند سحب “السن” إلى المرساة لتغيير الموقع في “الهير” إلى مغاصة اللؤلؤ، كما يقوم البحارة بغناء “التقصيرة” عندما يأمرهم النوخذة بتقصير حبل الخراب، وهو حبل يربط السفينة بقاع “الهير”. أما الـ “هولو”، فهي لازمة سرعان ما تصدح بها حناجر البحارة، وهم يسحبون حبال الأشرعة، فيما يرددها البدو وهم يسحبون الرشاء من البئر، أو تترنم بها الأم وهي تهز سرير رضيعها لينام، وهي أيضاً كلمة تستعمل للدخول في الموال والخروج منه. ومن أشهر أنواع الغناء في البحر “النهمة”، وهي غناء يواكب سير العمل في السفينة. وهي فن مقصور على البحر والبحارة ومنه (اليامال والخطفة والمداوئ والفجري والزهيري والموال وترانيم واستهلالات وأدعية وابتهالات) كلها تدخل في النهمة ويغنيها “النهام” بصوته فقط من دون أي آلات موسيقية. ويهدف (النهم) إلى بث الحماسة في قلوب البحارة وتشجيعهم على العمل، كما أنه يجسد في بعض الجوانب شوقهم إلى زوجاتهم وعائلاتهم وتوقهم إلى الأحباب في عتمة الليالي التي تضني أرواحهم في موسم الغوص. ومع سحب الحبال رفع الأشرعة يردد البحارة “الخطيفة”. و”الخطيفة” هي رفع الشراع، ولذلك تسمى بأسماء الأشرعة، فهناك شراع “العود” أي الكبير وشراع “القلمي” وشراع “الجيب”، ويأتي في مقدمة السفينة. ويبدأ النهام “الخطيفة” بالافتتاحية التالية (يا الله بدينا)، ثم تأتي أهزوجة الإيقاع الرتيب لعملية سحب الحبال هي.. هو.. لو الهولو.. الهولو. وما أن ترتطم مجاديف القارب الذي ينقلهم من السفينة الراسية بعيداً عن الشاطئ بالماء حتى يشرع البحارة في غناء يسمى “جرّ الماشوّه”، وهو غناء يكثر فيه الحمد لله وشكره على سلامة العودة وهدايته لهم عبر أنواء البحر الهائج، والصلاة والسلام على النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ويستخدم في غناء “جرّ الماشوّه”، “السوق”، كما يستخدم طبل يضرب عليه رجلان استعداداً للجر والوصول إلى الشاطئ.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©