الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشاعرة تربّي قلقها.. وتحتفي بالفقد

الشاعرة تربّي قلقها.. وتحتفي بالفقد
11 مايو 2011 20:15
تلتصق نصوص وقصائد الشاعرة السعودية هدى ياسر في مجموعتها الشعرية الجديدة “لا يوجد شيء لعرضه” بالواقع، الذي يرتسم جلياً سواء عبر اليومي في صوره المختلفة أو من خلال الذاتية التي تتوزعها الحالة العاطفية – الوجدانية – الإبداعية للنص. هذا النص اليومي، والمعاش، الذي يظل محتفظاً بالرؤية ومنتشياً بالوصول إلى المعنى والبحث عن دهشة مغايرة في مقاربتها لتصورات عالمها وما يحيط بها. ولعل هذا شكّل الجزء الأكبر من هذه المجموعة الشعرية التي ربما نتفق او لا نتفق حول الدهشة التي تتوفر عليها نصوصها أو الرؤية التي تحكمها، لكن من الواضح اشتغال الشاعرة الخاص بتقنية صارمة ذات ضوابط على حالتها من الداخل، ومن ثم كتابة تجربة شعورية برغبة في المغايرة والاختلاف، وإن تطلب هذا أشكالاً جديدة ومغامرة وتجريباً على صعيد الأفكار التي تطرحها الشاعرة المعاصرة بلا حرج، وبجرأة، ليس لُتعبر عنها فقط بل لتعبر بالقصيدة إلى مناخاتها الجديدة وأقاليمها البكر. وإذا كانت مجموعة الشاعرة الأولى التي صدرت قبل عام قد حققت خطوتها الأولى بجرأتها وتجريبها ومنحتنا تصوراً عن شاعرة يبدو اشتغالها الخاص واضحاً فإن هذه المجموعة جاءت لتكمل وتضيف وتنضج أكثر، وإن كانتا تتشابهان في أجوائهما ولغتهما لولا أن هدى ياسر في “لا يوجد شيء لعرضه” اكثر التصاقاً بحالتها الإنسانية وبحالتها الابداعية في عزلتها التي يتناوبها الحنين: في الجنوب قريتي الثرية قليلة الكلام تدلق لي حكايتي. حس نقدي وهي أيضا شاعرة تلتقط في هذه المجموعة كل شيء لتجعله ينكتب كقصيدة، حتى تلك اللحظات والمقولات التي تعبر عن حس نقدي للمجتمع والأفكار المتناثرة وحوار الذاكرة هذا من جهة، ومن زاوية أخرى يمكن أن تكون هذه المجموعة احتفاء بالفقد الذي يسيطر على الكثير من أجوائها، ويأخذ مساحة كبيرة من الوجدان العام وما يمكن أن يتتبعه القارئ. الفقد نقرأه مباشرة كصديق وفيّ للشاعرة ويتلخص أحياناً في تذكر الأب أو في رحيل الجدة اللذين خلق فقدهما نصوصاً غاية في الدهشة، بل وتبدو الشاعرة في أصفى حالاتها وهي تكتب من هناك، من غرس هذا الواقع الحزين، والفقد الشاسع إلى أقاصي التأمل، فعن جدتها نقرأ: سميتك أمي سميتك وتين فكيف ترحلين؟ جدتي/ أمي واللحظات الصامتة كلها أنت أتتبع روحك في مناماتي فمتى تجيئين؟”. وفي مقطع آخر مليء بالشجن ويعكس الأثر الكارثي على الشاعرة لرحيل جدتها إلى الحد الذي جعلها تعيش “حالة تشبه الموت” وتعجز عن التواصل مع ما حولها: ما عدتُ هدى منذ رحيل جدتي فقدت طريق العودة إلى الحياة. ويمكن أن يقع الناقد على صورة الفقد في القصائد التي كتبتها عن أبيها، تقول: يا ربِّ أما لو تركته لنا حتى نبلغ العشرينات من أعمارنا تعلم أني غير ساخطة أناجيك ربي. وفي نص بعنوان: “تربي قلقها” يعثر القارئ على تلك الشحنة الإبداعية المكتنزة بالصورة الشعرية المفاجئة، ويسرح في جماليات التعبير المفاجئ عن فكرة “اليتم”، نقرأ: من يربي القلق غير كف اليتيمة تمضي في إثرها العيون. غربة الذات الفقد يتمظهر في هذه المجموعة أو لدى الشاعرة في حالات أخرى، إذ ليس شرطاً أن يكون هو الموت والرحيل، في الغياب - مثلاً- كصورة حاضرة في القصائد، وحالة البحث والأسئلة الوجودية الكبرى التي تتوزع روح الشاعرة وعقلها هي وجه آخر للفقد. نحن هنا بإزاء صور متعددة للفقد تسقط من خلالها الشاعرة حسها النقدي والتأملي موظفة الكثير من موجوداتها وأسئلتها لصالح نص يراد له أن يأتي هادئاً ومختلفاً . تقول في أحد المقاطع: إذا كنت قد قررت الرحيل لا تفعل ذلك على رؤوس أصابعك قليلاً من الشمس يبسط الأمر “ وفي نص آخر مؤثر وحزين: يوم موتك كأنني وردة دهكتها قدم ديناصور الحزن ضخم يا صديقي وفي مناجاتها للروح الغائبة تعكس تشظياتها الداخلية وعزلتها وغربتها عن ذاتها: تسألني نفسي الغائبة متى يلتم الشمل؟ متى تردين لروحك عائلتها؟ والحاسة الغائبة تظهر أيضاً في افتقادها له، في غيابه غير المفهوم الذي يجرح الأسئلة: إن كانت خطواتك على الجسر بلا إيقاع فبم أتنفسك؟ أية حاسة أبتكر فألمسك؟ إن تجربة هدى ياسر الشعرية ملفتة في انفلاتها من رتابة البلاغي ورصانته، وهي تنجو لأن المفهوم الشعري لديها ينمو على مدار سنوات من الكتابة والقراءة، ويتصاعد باتجاه الخصوصية في التجربة والمساحات المتفردة للكتابة، بل وتحويل اللحظات والمشاهدات والمقروءات إلى نص يكتب بلا شوائب ولا أشباه، والإفادة من طاقة قصيدة النثر في الرصد والترقب وإعمال الحواس في صورة مختلفة وبالاتكاء على أدوات السرد، ولكن هل كانت تلك الرحلة الشفيفة والصادقة مع حالات الفقد في جزء الجدة والقرية أو قصائد رحيل الأب وأسئلة أخرى عن الفقد كافية لتكون مجموعة منسجمة ومتناغمة كتجربة مستقلة، خصوصاً وهي أجمل ما في هذه المجموعة بل وتتجاوز النصوص العاطفية إذا جاز التعبير في قسمي: “لم أقصد لفت انتباهك” و “العصفور والدودة”؟ وهل يمكن القول إنها أكثر من مجموعة شعرية صدرت بين دفتي كتاب أو ديوان؟ خاصة وأن المجموعة قسمت إلى عدة أجزاء لتشير في كل منها إلى مضمون محدد وهي: “أنا من تروي الحكاية “ يليه “لم أقصد لفت انتباهك” و”يقتات فتات الآخرين” و”جدتي والقرية” ومجموعة من القصائد ذات العناوين المستقلة تحت عنوان “كينونة تبحث عن نفسها”. وقصائد المجموعة كلها هي في الإجمال قصائد قصيرة، وأحياناً مقاطع متسلسلة يمكن من خلالها جميعاً أن نلم بالصورة، ونقترب من الشاعرة أكثر كما في “العصفورة والدودة” لولا أنها بقيت أسيرة لشيء من الغموض في بعض مقاطعها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©