السبت 27 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أطفال الأزقة يحتلون لوحات عصام طنطاوي

أطفال الأزقة يحتلون لوحات عصام طنطاوي
11 مايو 2011 20:16
يترك الفنان التشكيلي الأردني عصام طنطاوي أعماله بلا عنوان، لكي يحررها من سلطة التأطير ويمنحها الحرية المطلقة في أن تعبر عن الثاويات فيها من الأفكار والهواجس والرؤى. وهو يسلك بالطريقة نفسها مع معارضه التي يقيمها وآخرها معرضه الذي أقامه في غاليري المشرق بعمّان في أبريل الماضي. أما السر الكامن وراء خلو أعماله من العناوين فهو يعود، حسب ما قال لـ “الاتحاد الثقافي، إلى خوفه من أن تُؤطَّر أعماله تحت مظلة العنوان؛ خشية أن يسبغ الاسم على المتلقي فكرة ما يظل يبحث عنها بين طيات اللوحات من جهة، وحتى لا تأخذ الأسماء منحىً أدبياً بحيث تملي على المتلقي أو تثقل كاهله ذهنياً للبحث عن تفسير أدبي على حساب التشكيلي. ويضيف: “اجتهدت هذه المرة لأن اشتغل بعفوية وبدون برنامج مسبق. استسلمت للحالة بكل عفوية وصدق محاولاً الاستسلام للطفل في داخلي. كانت يدي تتحرك بحرية والواني تنسكب على السطح بشكل فطري. خطوط معظمها خشنة لا تتعمد الأناقة وألوان تتحرك على مساحات تشبه الجدران العتيقة. وكأن هذا الطفل في داخلي “أنا” يلعب أو يعبث على جدران البيوت الطينية التي نشأ فيها في مدينته الأولى “الزرقاء” شرقي العاصمة الأردنية ثم امتزجت فيما بعد في مدينتي عمان ملهمتي التي تسكن كل لوحاتي، فالفن من وجهة نظري أحد أشكال اللهو المنظم. وكلما نضجنا في الفن أو نعتقد نظل بحاجة لطفولتنا... للبراءة الأولى”. أبطال العمل هم الأطفال القادمون من غبار الأزقة الطينية التي عاش فيها الفنان نفسه بعيونهم الحزينة التي إذا سئل عنها أجاب: “كلما سألتني إحدى السيدات بشأن العيون الحزينة أجبتها: أرجو أن تسأليها، وفي الحقيقة لم أتعمد أي شيء في لوحاتي، فلا حزن ولا فرح... وربما يرسم الفنان نفسه في النهاية مهما حاول أن يتكلف فنياً أو استعراضياً ولا بد من حقيقة ما تصل إلى المشاهد الذكي”. ويسترسل: “بصراحة عندما أرسم أتداعى على سطح اللوحة ولا أفكر أبدا بأي رسالة أريد إيصالها لأي أحد. وعندما أدخل مرسمي لا ألبس عباءة النظرية. كل ما أفعله أنني استلقي أو اصرخ على جدار اللوحة، فإذا جاءت رسالة ما داخل العمل الفني تكون تلقائية لا أتعمدها ولا أحب إسقاطها على عين المشاهد وذائقته. لندع الأشياء تسير ببساطة وبدون إسقاطات تعسفية على فكرة الفن”. وفي معرض إجابته عن سؤال حول ثراء مفرداته الفنية يستذكر مقولة الفنان العالمي الشهير بيكاسو: “لا وجود للمخيلة . هناك الذاكرة”، ليضيف: “فالمفردات البصرية تسقط من تلقاء ذاتها على اللوحة، من ذاكرة بعيدة أو قريبة، وقد تتجمع أحيانا في شكل ما وتنتج العمل الفني”. ويعترف طنطاوي: “بصدق، أقول إن كل المسائل تأتي تلقائية بدون منهج مسبق. أرسم ربما لكي أفرح، لكي أستعيد ذلك الطفل الذي كان محروماً حتى من الألوان والأقلام فقط لكي ينجح في المدرسة ولحسن حظه فشل بالدراسة”. عندما يرسم لا يفكر طنطاوي بالمدارس الفنية، لكن هذا لا يمنع أن التجريد طغى في السنوات الأخيرة على معظم أعماله فيما ابتعد عنها الوجه البشري كثيراً، حسب قوله، فكان هذا مصدر عتب من الأصدقاء والزملاء... وحينها “كنت أرد عليهم بأنني أبحث عن علاقات بصرية بين الأشكال والألوان. وقد اتسمت معظم أعمالي السابقة بالخطوط السوداء الحادة التي تجزئ جسم اللوحة، ولا اعرف كيف هؤلاء الأطفال الأشقياء للوحتي مجدداً؟! لعلهم ضجروا لعبة التجريد وعادوا بشراسة من ذاكرتي لأخذ مكانهم في اللوحة. كنت أخبئ هؤلاء الأطفال الأشقياء المسحوقين في صدري وكأنني لا أريد لهم المشاغبة في الصالات الأنيقة لكنهم عادوا واستعادوا مكانهم عنوة ومكانتهم التي يستحقونها وقفزوا من صدري إلى سطح اللوحة. ثمة أطفال كثر لا زالوا محبوسين في صدري ويحتاجون للعب والصراخ وخربطة كل هذا النسق الممل في شكل العالم. وحول كثرة المفردات في لوحاته قال طنطاوي: “لا أحاول حشد الرموز على نحو أدبي بمعنى؛ أن ثمة لوحة مظللة بالحزن أو أضع ما يشبه القمر كنوع من الأمل. هذا تفسير أدبي للعمل الفني لا أميل إليه أو لأقل لا أحبه... فذلك الطفل في اللوحة كنت أحس أنه يشبهني كثيراً. عيناه مرتبكتان تنظران في اتجاه مختلف وأصابعه التي تشبه أصابع العصافير.. وأكثر ما أقلقني ذلك الفم المغلق كتعبير عن تكميم الأفواه”.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©