الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

أدونيس يحتفي بالشعر الجاهلي عبر المعلقات

أدونيس يحتفي بالشعر الجاهلي عبر المعلقات
21 مايو 2014 00:29
جهاد هديب (أبوظبي) افتتح معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع، مساء أمس الأول معرض «المعلقات» للشاعر أدونيس الذي يقام في صالة عرض سلوى زيدان ويستمر حتى التاسع عشر من الشهر المقبل، بحضور زكي نسيبة المستشار الثقافي في وزارة شؤون الرئاسة، ومديرة عام القاعة سلوى زيدان. بدءا من العنوان والفكرة اللتين ينطوي عليهما المعرض وما هو ظاهر وخفي قابل للتأويل فيهما، يمكن القول: إن المعرض عبارة عن «مسعى» شعري ومثقف إلى إعادة إحياء التفكير بمعلقات الشعر الجاهلي العشر واحتفاء بها في الوقت نفسه، وبالشعر «الجاهلي» كله ومركزيته في الشعرية العربية. وذلك في الوقت نفسه الذي تشغل فيه الطروحات السياسية لأدونيس موقعا خلافيا يتسع ويتقلص، مع أو ضد، بحسب المناخ والمزاج السياسيين في المنطقة العربية وتحديدا تجاه ما يجري في بلده سوريا. وعلى نحو ما عرضت عليه «معلقات» الشعر الجاهلي «الأدونيسية»، يمكن التأويل بأن فيها مخاطبة، أو حتى مطابقة، للكيفية التي عرضت فيها المعلقات على جدران الكعبة عندما اختيرت تلك القصائد من سوق عكاظ لتكون كل واحدة منها «معلقة» سوف يكتب لها «الخلود» في الوعي الشعري العربي التاريخي برمته، وذلك على نحو من الأنحاء أو وفقا لوعي ما، هو تخييلي مثلما أنه يقوم على فكرة قد تكون مسبقة. تشكيليا، بدت «المعلقات» العشر، التي هي لوحات تشكيلية ها هنا، أشبه بالرقاع التي كانت عليها الرسائل في أزمنة الدولة الإسلامية وما سبقها، وكذلك إذ يميل لون البعض منها إلى الأصفر قليلا فإنه يذكر بورق البردى ما يعني حضور فكرة اللفائف التي هي رحم أنجبت الكتاب. وبالتالي من الممكن تعليقها على حائط، هو الآن حائط لصالة عرض تتصل بالفنون التشكيلية تحديدا. هذا الوعي الذي قد يلح على ذهن الناظر إلى أعمال أدونيس ومخيلته، وهو وعي مقسوم إلى قسمين متجاورين معا: الكلاسيكية الصميمية والحداثة الراهنة. ضمّ المعرض أربعين عملا تشكيليا نصفها تقريبا يحمل توقيعه لهذا العام. الأعمال الكولاجية من بينها، تمثل امتدادا تشكليا لمشاغل سابقة لدى أدونيس بالمعنى التقني والأسلوبي للكلمة ووفقا لتحليل خطابه التشكيلي، وما أراد أن يبرزه من بين هذه الأعمال هو «المعلقات». جاءت أشبه برقاع مستطيلة ومعلقة على الحائط بطريقة كلاسيكية عربية في تعليق الصور على الجدران وليس على طريقة تعليق لوحة حديثة كما هي الحال مع الأعمال الأخرى، أي أنها مؤطرة ومزججة ولا يقترب منها الناظر إليها، بل يبقى بعيدا، حيث من الممكن له أن يدرك الملمس الكولاج بالنظر من بعيد. أما «المعلقات» فهي تلك السطوح التصويرية العارية على الجدار بألوانها المتقشفة وملمسها الخشن الذي يمكن لمسه بأطراف الأصابع وكتابتها التي تكاد تكون عفوية من فرط تلقائيتها، إذ لا تتجاوز الثلاثة ألوان أو الأربعة بما فيها لون السطح التصويري، وهو الأبيض، والأسود وهو لون الكتابة وبعض الرسومات التعبيرية أو ما هو أقرب إلى ذلك وكانت بالأحمر. وإذ يبدو واضحا تماما، أن الشعر هو جوهر هذه الاحتفالية «الأدونيسية» بالشعر الجاهلي على المستوى التشكيلي، أي أنه جزء حاسم من بنية النص البصري، فإنه هو أيضا – أي الشعر – يمثل جوهر الاشتغال عليها، بمعنى أن أدونيس يوازي بين ما يريد قوله عن هذا الشعر وما يريد تصويره، بالمعنى التشكيلي، للكلمة، معا. أيضا، إيغالا في الانتساب إلى كلاسيكية ما ربما، فإن تلك الأشكال التي قد تكون تعبيرية هي أقرب ما تكون إلى اللغة التصويرية أو الرمزية التي سادت في الحضارات القديمة وعصور الكتابة بالرموز والصور السابقة على الكتابة بالأحرف على ما نعهدها في المخطوطات الأولى، وهي التي كانت تسمى قديما «رقيما» ثم «رقعة» فكتاب الذي هو المخطوط. بمعنى آخر يتطابق أدونيس مع ذاته شاعرا ورساما فهو يروم أن يصبح كلاسيكيا في الثقافة العربية إجمالا. وهذا طموح مشروع لأحد كبار شعراء العربية في اللحظة الراهنة وأحد المشتغلين الإشكاليين في الثقافة العربية خلال السنوات الستين الماضية. عموما، فإن ما تختلف به «المعلقات» عن سابقاتها زمنيا من الأعمال الأخرى في المعرض ذاته أنها أقل ميلا إلى فكرة الكولاج أو اللصق، مثلما تترجم عربيا غالبا، وأكثر قربا إلى تجريدية تعبيرية، كأنما، أدونيس يسعى من خلالها إلى تطوير تجربته التشكيلية لتحمل توقيعا خاصا به، أي لتحمل بصمة خاصة كالتي يحملها شعره. بعيدا عن ذلك، فقد كان الافتتاح مسبوقا بما يكاد يكون حلقة نقاش صحفي، لعل من أبرز وقائعها إشارته إلى أن «المعلقات» هي «تحية للشعر العربي» بكل ما تنطوي عليه هذه المعلقات من أبعاد عميقة تتحدث مع عالمنا الراهن وتخاطبه، أي تقيم حوارا مع الذات والعالم، ففي هذه المعلقات ما يضيء ويشع على أكثر من مستوى يجعلنا نعيد النظر في علاقتنا بماضينا وتراثنا». وقال أيضا: «لم تعد لدى القديم المقدرة على مخاطبة الحاضر» في سياق مقارن بين الماضي والراهن الشعريين. مؤكدا في السياق نفسه أن «المشكلة ليست في الفن (التشكيلي) بل في المجتمع فتتمثل هذه المشكلة في مسألة القراءة التي هي الإشكالية الأبرز التي تواجهها الثقافة العربية راهنا، فالناس يكتفون بقراءة بصرية غير أنها لا تذهب عميقا فتفرق بين البصر والبصيرة، إذ هما اللونان الأبيض والأسود». وأضاف: «لقد جاءت هذه اللوحات العشر جميعا دفقة واحدة بعدما أعدت قراءة المعلقات في زمن عربي بتنا نفتقد فيه إلى ما هو عميق، إذ ازداد ابتعاد عرب هذا الزمان عن الإبداع الخلاق». وقد سُئل أدونيس أيضا عن موقفه من الأحداث التي تجري في سوريا، ومن أبرز ما يمكن نقله في هذا السياق قوله أن «هناك حربا عالمية ثالثة تجري في الديار الإسلامية. إنها حرب متواصلة وهي ظاهرة حينا وخفية في أحيان أخرى»، مؤكدا أن كثيرين وقفوا في معارضة مواقفه السياسية «كان كثيرون ضدي في البداية لكنهم بدأوا بالتراجع بعد ذلك». وذلك بحسب تقديره «لأن الصراع الذي يدور الآن (في سوريا) ينبغي أن يكون قائما على المطالبة بالعدالة والحرية والديمقراطية، أما ما يحدث فهو يقوم على أسس واهية». وقال أدونيس: إن «الإلحاح على تغيير الأنظمة السياسية في المنطقة العربية خلال السنوات الماضية كلها لم ينجز شيئا، بل ازداد العرب ابتعادا عن الإبداع الخلاق». وردا على سؤال لـ«الاتحاد» حول مسألة «الكولاج» وابتعاده عنها وميله إلى نوع من التجريدية التعبيرية، أوضح أدونيس أنه أكثر ميلا إلى استخدام مفردة «رقيمة» عوضا عن مفردة «كولاج»، و«أن الأحرى بنا عربا استخدام مفردة تنتسب إلى لغتنا من انتسابها إلى لغات الآخرين». مؤكدا أنه استخدم الأحبار على نحو تجريبي في كتابة النصوص وإضافة أشكال أخرى موازية تكشف للقارئ بصريا عن ما لا تضيئه الكتابة. ويقصد بذلك تلك الالتماعات الشعرية الخاطفة التي تتوفر عليها المعلقات وسائر النصوص الأخرى. وأضاف: «الكلمة هنا جزء أساسي من العمل التشكيلي، بل إنه قصيدة تشكيلية، إذ إن هناك بنية في النص وأخرى موازية في اللوحة هي متبلورة وقائمة بحد ذاتها، فضلا عن البعد الموسيقي، إذ لا أقصد هنا العروض الخليلي، إنما أود القول أن الشعر فن جامع سائر الفنون والشاعر الحقيقي ينبغي عليه أن يكون مثقفا موسوعيا وشاملا”. ثم استكمل الحوار حول قضايا عديدة ذات صلة بالشعر والفن والمدن وحاجة الشاعر إلى أن يكون فنانا تشكيليا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©