الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

معادلة ليبية جديدة.. «حكومة وفاق» متوازنة

19 سبتمبر 2016 22:39
فيما كان مجلس الأمن منعقداً الأسبوع الماضي في جلسة متابعة خاصة بالوضع في ليبيا، صدر تقرير برلماني في بريطانيا وفيه انتقادات حادة لرئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون بسبب الأخطاء التي ارتُكبت خلال التدخّل الغربي في ليبيا عام 2011. وقد تساءل التقرير في بعض استخلاصاته «عما إذا كانت الأمم المتحدة الجهة المناسبة لإدارة الوضع الليبي، وإذا كانت لديها الموارد اللازمة لهذه المهمّة» في ضوء الإخفاقات التي سجّلتها طوال الأعوام الخمسة الماضية. لم يبلغ تقرير لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم حدّ إدانة كاميرون، على غرار ما فعلت «لجنة تشيلكوت» بالنسبة إلى رئيس الوزراء الأسبق توني بلير بعد تحقيقها الطويل والمعمق في غزو العراق واحتلاله. لكنّ ثمة مشترَكَين بين الحالين، أولهما غياب استراتيجية مدروسة لما بعد سقوط النظام، والآخر أنهما أدّتا إلى انهيار الدولة والاقتصاد. وإذ كان معروفاً أن الذهاب إلى العراق من دون تفويض من الشرعية الدولية كان يستهدف إسقاط النظام، فإن قرار مجلس الأمن بشأن ليبيا اقتصر على «حماية المدنيين» وما لبث أن تحوّل إلى تغيير للنظام من دون أي خطط لما بعده. والواقع أن المداولات الأخيرة لمجلس الأمن ركّزت على مراجعة ما تحقق منذ تنصيب حكومة الوفاق الوطني برئاسة فايز السراج، ومنحها «شرعية دولية»، ومطالبتها بإعطاء الأولوية لمحاربة الإرهاب وإنهاء سيطرة تنظيم «داعش» على مدينة سرت واتخاذها مقرّاً لإمارته. ولم تولد هذه الحكومة بجهد الأمم المتحدة ومبعوثها بل بإرادة دولية قوامها دول التحالف الذي أسقط نظام القذافي، وبهاجس أساسي هو ضرب الإرهاب. لكن الجميع كان مدركاً أن هذه الحكومة موجودة في طرابلس (منذ 30 مارس الماضي) تحت رحمة الميليشيات الإسلامية وأن تركيبتها كما تركيبة المجلس الرئاسي عكست ميزان القوى الذي ساد العاصمة منذ أغسطس 2014 عندما احتلّت الميليشيات المؤسسات الحكومية وطردت ممثلي الحكومة الخاضعة لمجلس النواب المنتخب في يونيو 2014. لذلك انصبّ معظم الجدل، طوال الشهور الماضية، على كيفية إقامة التوازن في «حكومة الوفاق» رغم «الفيتوات» المتبادلة بين ميليشيات طرابلس وقوات الجيش في بنغازي، وبين «المؤتمر الوطني العام»، الذي فقد كل شرعية ومجلس النواب المنتخب الذي اضطر لاتخاذ طبرق مقرّاً له. لكن تطوراً مفاجئاً حصل عشية عيد الأضحى غيّر الحسابات القائمة، ويمكن أن يسهم في حل مشكلة «التوازن» هذه. إذ تَمثّل بسيطرة قوات الجيش الوطني الليبي، بقيادة خليفة حفتر، على موانئ الهلال النفطي في عملية خاطفة لم تستغرق أكثر من أربع وعشرين ساعة، وهو ما اعتبره المبعوث الأممي مارتن كوبلر عملاً مهدّداً لاتفاق الصخيرات ولـ«جهود الوفاق». صحيح أن أعضاء مجلس الأمن سجّلوا «إدانة» لهذه العملية، إلا أن الواقع يفيد بأنها ما كانت لتحصل لولا وجود دعم خارجي لها، ولولا موافقة ضمنية أو غض نظر الأميركيين في أضعف الاحتمالات. وبمعزل عن استياء الميليشيات وأوساطها، كان جلياً في مواقع التواصل ما أبداه الليبيون من ارتياح وترحيب بـ«استعادة» الموانئ إلى كنف الجيش. كان وشوك الانتهاء من المعركة مع «داعش» يعني أن القوّة التي قاتلت في سرت مرشحة للمهمّة التالية وهي وضع اليد على النفط، لذا تصاعدت المخاوف من صدام بينها وبين «حرس المنشآت» واستطراداً مع قوات الجيش في بنغازي. لكن قائد «الحرس» إبراهيم الجضران سارع إلى توقيع اتفاق مع «حكومة الوفاق» متخلّياً عن ولاء باهت كان يبديه لمرجعية مجلس النواب، غير أن خطوته هذه زعزعت المرجعية القبلية التي كان يستند إليها، هذا ما يفسّر عدم رفع مقاتليه السلاح ضد الجيش. المعادلة الجديدة أصبحت أكثر جدّية، لكنها تتطلّب رؤية أكثر واقعية من جانب القوى الدولية المعنيّة التي بدت خلال الفترة الماضية كأنها تعوّل فقط على الميليشيات لبناء الاستقرار. وإذا لم تأخذ في الاعتبار القوى التي استمدت شرعيتها من الانتخابات فإنها ستجازف بدفع ليبيا نحو تقسيم فعلي بين شرق وغرب. ثمة فرصة قائمة الآن لإعادة النظر في مجمل الصيغة التي بُنيت عليها «حكومة الوفاق» من دون إقصاء لأحد، وإلا فإن هذه الحكومة ستفشل. *محلل سياسي- لندن
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©