الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المؤتمر الوطني الإفريقي ··· بوادر الانشقاق

المؤتمر الوطني الإفريقي ··· بوادر الانشقاق
1 نوفمبر 2008 03:15
عندما نتحدث عادة عن وجود صراع في عالم السياسة، فإن الأمر في جوهره يتعلق غالباً بمن هم في الخارج ويحاولون الولوج إلى الداخل، أو بمن هم في الداخل ويسعون إلى الحيلولة دون دخول من هم في الخارج، وبالنسبة لجنوب إفريقيا التي قطعت حتى الآن 14 عاماً في مسيرتها الديمقراطية يمكن القول إن من هم في الداخل، بهذا المعنى، هم المنضوون في ''المؤتمر الوطني الإفريقي''، الحزب الذي حرر البلاد من سنوات الفصل العنصري، ليجيء نيلسون مانديلا ويطمئنها بأسلوبه الأبوي· وإلى غاية اليوم، مازال التصويت على حزب آخر عدا المؤتمر الوطني ضرباً من الردة لا يمكن للعديد من الجنوب إفريقيين تخيله، وهذا هو ما حدث تقريباً في الانتخابات الأخيرة لعام 2004 حيث اكتسح حزب المؤتمر الوطني النتائج بحصوله على ثلثي الأصوات، فيما لم ينل الحزب المفترض أنه في المرتبة الثانية سوى 12%· لكن دوام الحال من المحال، كما يقال، ولذا فإن الخطر الأكبر الذي يواجه حزب المؤتمر الوطني الآن لا يكمن في صعود قوة خارجية تنازعه المكانة والمنصب، بل في حصول انشقاقات بين أفراد الأسرة الواحدة، وانقسام الحزب العتيد إلى فصيلين متنافسين كل منهما يدعي الشرعية ويحتكرها لنفسه· ويبدو أن هذا الانقسام التاريخي جارٍ على قدم وساق بعدما أجّجه القرار الأخير الذي اتخذته اللجنة التنفيذية لحزب المؤتمر الوطني ويقضي بإقالة الرئيس تابو مبيكي قبل نهاية فترة ولايته، وهو ما دفع بعض أعضاء الحزب من المستائين إلى زيارة مناطق عديدة من البلاد على مدى الأسابيع القليلة الماضية ليؤكدوا أنهم مؤهلون أكثر من سواهم لاستكمال مسيرة الحزب وللحفاظ على تركته، محرضين في الوقت نفسه على التمرد السياسي ورفض إبعاد تابو مبيكي· ومن المتوقع أن يعقد هذا الفصيل المتمرد مؤتمره خلال نهاية الأسبوع الجاري في مدينة جوهانسبرج بعدما أعلن مسبقاً عن نيته إطلاق حزب سياسي جديد بحلول 16 ديسمبر المقبل، ومع أن المنشقين لم يعلنوا بعد عن اسم الحزب الجديد، إلا أن القمصان الرياضية التي وزعت على الأعضاء أشارت إلى الحركة باسم ''المؤتمر الوطني لجنوب إفريقيا''· وفي هذا الإطار يقول ''مبازيما شيلوا''، وهو أحد الوجوه المحورية في الفصيل المنشق وحاكم سابق لمحافظة جوتبنج التي تضم جوهانسبرج وبريتوريا: ''لا نحتاج إلى أن يسدي لنا أحد معروفاً، نريد فقط حقنا في الدخول إلى سوق الأفكار والتنافس مع الآخرين''· وبالطبع، لم يمر هذا الانشقاق دون تبادل الفريقين للنعوت والأوصاف الهجائية، حيث شُبهت قيادة حزب المؤتمر الوطني بـ''أمراء الحرب''، في حين أشير إلى المنشقين بـ''الخونة''، ولم يسلم ''شيلوا'' المذكور الذي كان في السابق زعيماً نقابياً معروفاً من الهجمات بعدما نُعت بالخيانة وبالولع الشديد بالويسكي والسيجار الفاخر· وعلى رغم مشاركة الآلاف من المواطنين في التجمعات التي نظمها المنشقون، وإقدامهم أحياناً على تمزيق بطاقات الانخراط في حزب المؤتمر الوطني والدوس على راية الحزب، إلا أن المؤتمر القادم سيكون المحك الحقيقي في تحديد قوة المنشقين ومدى قدرتهم على استقطاب عناصر جديدة، وما إذا كان حزب المؤتمر الوطني يواجه انقساماً كبيراً وحقيقياً، أم أن الأمر لا يعدو كونه شقوقاً صغيرة في جدار الحزب؟ ويعبر عن هذا الأمر ''جاستيس مالادا''، المحلل السياسي، بقوله: ''لاشك أن مؤتمر الحزب الوطني مثير للقلق في هذه اللحظة''· لكن ما سبب هذا الصراع الداخلي الذي يكاد يطيح بالحزب الأول في جنوب إفريقيا؟ الحقيقة أنه من الصعب المجازفة بإعطاء جواب أكيد، غير أن من الواضح أن الصدام الجاري حالياً هو بين شخصيات ذات وزن داخل الحزب تتنافس على كسب الولاءات دون أن يكون معروفاً ما إذا كانت المبادئ الكبرى محل جدال، أم أن الأمر مقتصر على تجاذب حول السلطة والنفوذ، وخاصة أن الحزب يفتخر بإتاحته لهامش أيديولوجي واسع يستوعب في صفوفه الشيوعيين العقائديين كما رجال الأعمال الأثرياء· ولكن، على غرار العائلات السياسية الكبيرة والممتدة هناك جذور عميقة من الشعور بعدم الرضى تمتد لسنوات طويلة دون أن تختفي تماماً، فبعد انتهاء الصراع من أجل الحرية وتقويض نظام الفصل العنصري تقاسم رفاق النضال المناصب والغنائم السياسية، فمنهم من حصل في النهاية على مغانم كبيرة ولكن منهم أيضاً من لم يقبض سوى الريح· بيد أن الغموض الذي يلف الصراع الدائر داخل حزب المؤتمر الوطني لا يلغي دور بعض الأحداث المهمة في تأجيج الصراع وتفاقمه من أهمها الإطاحة بتابو مبيكي من فوق قمة الحزب لصالح غريمه جاكوب زوما، وهو ما خلق مركزي قوة رئيسيين في البلاد يتنازعهما مبيكي من جهة، وبين زوما الذي تلاحقه تهم الفساد والتزوير وينتظر بفارغ الصبر منصب الرئاسة· وقد تطور الصراع بين الطرفين إلى حد أخاف العديد من المراقبين لاسيما في ظل العداء الواضح الذي أبداه مؤيدو زوما تجاه خصومهم، حيث هددوا أعضاء حزب المؤتمر الوطني بـ''القتل'' إذا لم يصعد زعيمهم في الانتخابات المقبلة، وارتدوا قمصاناً كتب عليها ''100% ابن الزولو'' في إشارة إلى الأصول الإثنية لزوماً، مقحمين ذلك في السياسة الوطنية· ثم جاءت الإهانة التي تعرض لها مبيكي بعدما أزيح من الرئاسة في أواخر شهر سبتمبر الماضي وعوضه الحزب بقائم بالأعمال في انتظار الانتخابات، وفي كل ذلك انصاع مبيكي لمقررات الحزب ولم يلعب أي دور واضح في التمرد داخله· لكن ذلك لم يمنع أعضاء آخرين في الحزب من التعبير عن تمردهم وكسر أية قيود يفرضها الانضباط الحزبي مثل ''موسيوا ليكوتا'' الذي كان إلى وقت قريب يشغل منصب وزير الدفاع ولا يتوقف عن انتقاد زوما وأنصاره، حيث قال في أحد التجمعات بأسلوبه الحاد المعروف: ''يقولون إنه يتعين البحث عن مخرج سياسي لمشاكل الرفيق زوما مع القانون، لكن ماذا يعني ذلك؟ ألا يعني أنه كلما ضبطنا ونحن نسرق شيئاً أن نسارع إلى المطالبة بحل سياسي؟''· باري بيراك- جنوب إفريقيا ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©