الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رولا سرحان: يجب أن يكون للمبدع دماغان!

رولا سرحان: يجب أن يكون للمبدع دماغان!
14 مايو 2013 10:25
تُعرّف الشاعرة رولا سرحان بنفسها شعرا حين تقول في قصيدة امرأة من هذا البلد: «أنا امرأةُ من هذا البلد.../ فيَّ ما فيَّ من فقرِ (الفاء)/ ولستُ لائمةَ لُؤمي لانتظارِ (لامّ) اللاء/ سنيني نصبتُها درساً لمسننات الأجراس على خدِ (السين)/ طللُ فؤادي بقاؤه طال طرباً في (الطاء)/ يورقُ ياسميني يداً تحملُ (ياء)/ (نونُ) النساءِ خاتمةُ الجميلاتِ في فلسطين.../ أنا امرأةٌ من فلسطين». الشاعرة رولا سرحان ستصدر ديوانها قريبا عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر بعنوان «حراً على آخرك»، تكتب الشعر منذ سنوات طويلة، لكنها لم تبادر إلى نشره، وحين أعلنت نفسها شاعرة من خلال نشرها لبعض قصائدها في الصحف وبعض المواقع الإلكترونية، التفتت إليها ساحتها، فاستضيفت في أكثر من أمسية في فلسطين والأردن. ? كيف تشكّلت كشاعرة؟ ?? الإجابة على هذا السؤال تبدو سهلة، لكنها في حقيقة الأمر تحمل كل الصعوبة، لأنك أولاً لا تتلمس المفاصل الأولى لإبداعك إلاّ بعد فترة من الزمن، وحينها تبدأ بالعودة بذاكرتك إلى الوراء لتسأل نفسك أسئلة صعبة من قبيل: متى كنت أنا الذي عليه الآن؟ وإن عدتُ بذاكرتي للوراء أعتقد أن أهم الأسباب التي تُساعد في تكوين المبدع هي التنشئة والأسرة، فلا أنسى أبداً والدي عندما كان يدفعني إلى حفظ أبيات من الشعر الجاهلي ومن معلقات كبار الشعراء العرب لتقويم لساني في اللغة العربية ولأستمتع بالقافية والوزن ولأميز المجاز عن الطباق عن الجناس عن السجع، فمن هنا نما عشقي الغريب للغة العربية، فصرتُ من محبي القراءة خاصة وأن لوالدي مكتبة ضخمة فيها من أمهات الكتب والمراجع العربية ما يشفي الغليل، فانفتحت على اللغة العربية التي فتحت آفاقي على عوالم الأدب بمختلف مشاربه ومنابعه، حتى الأجنبي منها، ما دفعني إلى الالتحاق بكلية الآداب لإتمام شهادتي الجامعية الأولى لكن في تخصص آداب اللغة الإنجليزية، بحيث أتيح أمامي أيضاً الاطلاع على الأدباء البريطانيين والأميركيين من أمثال ميلر، وهاملتون، وفرجينيا ولف، إدجر آلان بو، ت.س. إليوت، شكسبير، وإيميلي برونتي، وغيرهم الكثيرين، هذا إلى جانب قراءاتي الجانبية الشخصية في الأدب الروسي، والأدب الفرنسي. ? أنت تقيمين وتعملين في رام الله، ترصدين في أشعارك تفاصيل قضية شعب عمرها أكثر من 64 عاما، قضية الحرب والحب، دون انتباه، ولكنهم سينتبهون حين يقرؤون قصيدتك «قصة حب» حيث تقولين «خَرجتْ يدهُ مع القميصْ../ صارَ الاثنان حبيبينِ في الموتْ/ هي الغارةُ.../ تكتُبُ قصّة حبِّ عن بُعْد!».. كيف تقرئين هذه المعادلة في القصيدة (الانتباه) والواقع (الاعتيادية)/ والمعادلة هي: «الاثنان حبيبان في الموت»..؟ ?? (الانتباه) إلى التفاصيل المختفية ما وراء الفعل الأصلي هو الفعل الأهم في قصيدة الشاعر، لأن الشاعر يرى ما لا يراه الآخرون في واقع نمطي واعتيادي حتى وإن كان حرباً أو موتاً، على الشاعر أن يرى البعد الآخر وأن يرى الثنائيات غير المتقاربة كأن ترى موتاً وحبّاً، أن ترى أرملة وحناءً في نفس المشهد، أن ترى بكاءً وراحة، حينها يكون للقصيدة فعل (الانتباه) وفعل إزاحة الغبار عن مشهد متكرر حتى وإن كان صعباً. وفعل الانتباه عادةً ما يأتي ما بعد الحدث، لذلك على الشاعر أن يقدم فعل الانتباه فيجعله محيطاً بالحدث لكن بمدلولاته الخاصة، فتكون الانتباهةُ غير مقصورةٍ على التفاصيل وإنما على البعد الإنساني بتناقضاته. ? مفردة الموت تتجول كثيرا في ديوانك الجديد، نقرأ في قصيدة «الرجل الذي أعجبني»: «لا تَمُتْ/ قُلتُ له: لا تَمُتْ/ لنا الدهشةُ المختبئةُ في المقابرِ كلّ ليلة/ وزهورُنا نُخرِجُها من خوذاتِ الجنود/ وحركةٌ للأمامِ على ظهرِ رصاصةٍ ألِفَتْنا كَكُلِّ مرّةٍ/ ولم نَمُت، فلا تَمُتْ»... هل تصبح هذه المفردة لازمة للشاعر الفلسطيني، حتى أنها تشكل قصيدة الحب لديه؟ ?? الموت هو جزء المشهد الأبرز في حياتنا كفلسطينيين، حتى أنه أصبح «موتيفاً» مركزياً يتكرر بصورة اعتيادية فصار متلازمة حياتنا اليومية كفلسطينيين. وكما الحب بمفهومه الأشمل متأصل بصورة جذرية فينا كفلسطينيين، فإن الموت صار أيضاً أصيلاً فينا، فنحن نعيش في ظل الموت، وفي صحو الموت، وفي سكونه وفي حركته، كثيرة هي التناقضات التي يدخل فيها (الموت) على مشهد حياتنا اليومي، فليس مفاجئا أن تستيقظ على غارة، أو تحتفل بعيد ميلاد وقريةٌ ما تقصف. الموت متواجدٌ بقوة، هو كائنٌ يعيش معنا، يتدخل في مجريات أقدارنا وخططنا اليومية، وله اليد العليا، لأننا لا نقف في وجهه إلا بمعادلة واحدة، وهي أن نحبّه بقدر ما نحبّ الحياة. ? تقولين في قصيدة «هواء ملوّن»: «لم ينتبهِ الهواءُ أنه صار لوناً/ يتدحرجُ.../ تتلقفُه مجندةٌ عند أوّلِ الطريق/ تغتَسِلُ به.../ ترشُّ غُسْلها في وجه رضيع/ يُصابُ الرضيعُ بشللٍ في الأمل».. حدثيني عن حياة الشاعر/ الشاعرة وهو يرى عدوه أمامه، أو يتوقعه في كل وقت، حتى في الهواء؟ ?? إشكالية علاقة المبدع مع المحتل هي واحدة من التساؤلات النمطية التي يقع تحتها المبدع الفلسطيني، نظراً لخصوصية هويته الإبداعية واختلافها عن أية تجربة إبداعية عربية معاصرة. وما يصقل هذه الخصوصية هي تواجد المبدع في ظل ظرفٍ غير طبيعي وغير اعتيادي وغير مفتوح، بالتالي يصيرُ المبدع أكثر حساسية لتفاصيل المكان ولتفاصيل عدوه، فكلما صغرُ المكان وضاق، كلما احتاج المبدع إلى ثغرة في الجدار ليحلق منها، والمبدع في فلسطين يعيش تفاصيل المكان الضيق فيحفظ تفاصيله، بما فيها تفاصيل المحتل، فأنت تعرف نوع سلاحه الذي يحمله، وعدد الرصاصات في هذا النوع من السلاح تحديداً، وأن تعلم الفرق بين القوة الخاصة، وحرس الحدود، في الجيش الإسرائيلي، وأنت تعلم تداعيات حياة المحتل اليومية على حياتك اليومية. وفي الحقيقة لم تعد المسألة بالنسبة لي أن «أتوقع أو أتفاجأ بالمحتل»، المسألة بالنسبة لي كيف أستطيع أن أميز تفاصيل المكان بوجود المحتل أو دون وجوده، وكيف أحافظ على عذرية اليوم ببدئه مع المحتل أو بانتهائه معه. كمبدع في فلسطين يجب أن يكون لك دماغان في رأسٍ واحدٍ أحدهما يرصد العدو ويرصد وجوده وحركته وتأهبه واسترخاءه وتأثيره على المكان؛ والرأس الآخر يرصد إيقاع الحياة النمطية الهادئة الروتينية المستكينة إلى التفاصيل الإنسانية المباشرة، والتي تؤهلك لتعيش جمالية المكان المتخيلة دون محتل أو بمحتل، فتكون بالتالي قادراً أن تكتبَ عدوك وتقرأه وأنت تراه أمامك عدواً، وتكون في نفس الوقت قادراً أن ترى نفسك إنساناً قادراً على الحياة بلا محتل. ? في قصيدة «الطريق إلى البيت» تقولين: «الطريقُ لا يرى نفسَهُ وهو يضِلُّ الطريق/ لعلّهُ يجمعُ الناس، ينثُرُ الناس/ يرصِفُ الناسَ سِجْيلاً لصورِ الناس/ طريقٌ خرجَ عن نهره.../ فانقطَعَ في منتصفِ الطريق». كيف تنظرين إلى هذا الطريق المنقطع، وإلى البيت في وطن على أكف الريح؟ ?? البيتُ في الوطن هو البيت، وحتى وإن كان الوطن قاسياً يبقى البيت فيه بطعمٍ ناعمٍ على وجدانية الشاعر. رمزية الطريق في هذا المقطع بالذات هي إشارة إلى ضرورة النقد الذاتي لأنفسنا، حتى وإن كنا في مرحلة التحرر علينا دائماً أن نقف وقفة نقدية مع الذات، علينا أن نرى أنفسنا ونحنُ نخطئ ونحن نصيب، نكافئُ أنفسنا هنا ونحاسبُ أنفسنا هناك، فيصير حينها البيتُ أجمل، والبيتُ أرحب. وهنا في نص الطريق نقف أمام مشهدين تأمليين، الأول أنك خلال هذا الطريق ترصد علاقتك بالمحتل وبإسقاطاته على مكانك وعلى طريقك وعلى هويتك، الثاني، الاسقاط الإنساني حين تصبح الطريق حيز اللقاء بينك وبين الآخر، عندها لا تجد مكانا ًللاستمرارية بينك وبين الآخر لأسباب أهمها عدم التمسك برمزية معنى ومفهوم «الطريق» كسبيل لتحقيق أهدافك في علاقتك بالآخر. ? تقولين في قصيدة «دعوة للبكاء»: «أنا، قابلْتُهُ مرّةً وكُلّيَ... حبٌّ، فبكيت/ قابلْتُهُ ثانيةً، وكُلِّيَ... غضبٌ، فبكيت/ عندما افترقنا... مسحتُ دمعتي.. لم يعرفني/ فرحلَ ولم يرجِع!» هذه المقطع وإن كان عاطفياً إلاَّ أنه يحمل بعداً إنسانياً مختلفاً، وإذا ما قرأنا عنوان القصيدة فأنت تطلبين من الناس أن يبكوا، أليس الأمر مفاجئاً؟ ?? نعم أتفق معك أن المأخوذ على الأديب الفلسطيني أن مهنته الرثاء، وهنالك الكثير من «البكائيات» ليس في الشعر وحده وإنما حتى في أدبنا الشعبي، والتي أغلبها مرتبط بالموت، بينما هنا في قصيدة «دعوة للبكاء» أدعو للبكاء برحابة مفهوم البكاء، وليس بمفاهيم البكاء الضيقة، كالرثاء والحزن، وهنا أستدعي مغزى أسطورة «بياض الياسمين» لكن بجانبها الإيجابي المتمثل في أن البكاء يلون القلب ويُلينه، بما يتيح أمامنا المجال كي نلتئم على أنفسنا من خلال تماهينا مع المشاعر الإنسانية التي تختلجنا وتدق أجسادنا علينا. وهنا أخرج من كينونتي المعرفة بشاعرة فلسطينية مهنتها الرثاء والبكاء كما أشرت، إلى كينونتي كشاعرة دون تعريف متعلق بالجنسية أو الهوية، وإنما معرفة بإنسانيتها. العين الثالثة ? هل تعتقدين أن الشاعرة العربية قد خرجت من قمقمها وباتت تكتب العاطفة بحرية، وما التحديات التي تواجهها الشاعرة العربية بشكل عام، والفلسطينية بشكل خاص، وهما تكتبان عن العشق؟ ?? التحديات التي تواجهها الشاعرة العربية بشكل عام باتت معروفة لنا لكثرة ما تم نقاشها وبحثها والتي يمكن تلخيص أهمها في عدم أخذ الشاعرة أو الكاتبة المبدعة بجدية، فهي دائماً مبدعة أقل درجة، لأنها إنسانة أقل درجة، وهذا له صلة بالموروث الاجتماعي والثقافي البطريركي، الذي يحاول تكبيل الإبداع لدى المرأة، وحصرها في أدوار مجتمعية معدة مسبقاً. أما فيما يتعلق بالتحديات التي تواجه المبدعة الفلسطينية، فهي استمرار لكونها امرأة ولكونها فلسطينية، فهي دائما ما تقع في معضلة جنوسيتها وجنسيتها وإنسانيتها، لأن هنالك دائماً عين ثالثة مسلطة عليها ككاتبة، وهنالك محاولات لقولبة ما تكتبه بحصر قضاياها وهمومها ومشاغلها إمّا في العشق والعاطفة وانشغالها بالرجل، وإما في هموم الوطن، ولقلّما نجد من يسبر الأغوار الإنسانية للشاعرات أو الأديبات الفلسطينيات، باعتبار الأديبة الفلسطينية إنسانة في المقام الأول دون زجها في قوالب جاهزة الأفكار.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©