الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الهوية والشفاهية.. الوعاء والوسيلة

الهوية والشفاهية.. الوعاء والوسيلة
14 مايو 2013 10:24
من أين يبدأ تاريخ الأدب في دولة الامارات العربية؟ هل يمكن القول: منذ نشأة الدولة الحديثة؟ ألا يبدو أن هناك الكثير من العسف في الإجابة بنعم مطلقة عن هذا السؤال؟ ذلك أن المجتمع هنا قد سبق الدولة بقرون؟ بالتأكيد أطاله العمران واكتشاف النفط ثم تأسيس الدولة بالكثير من التطورات المدوِّخة، لكن الظاهرة الأدبية كانت موجودة دائما وتجد تجلياتها في هذا الشكل الأدبي أو ذاك، أي أن المجتمع كان يبدع تعبيراته عن نفسه، إنْ بطريقة أو بأخرى، أو بهذا الشكل أو ذاك. دون وجه إطلاق، تفترض هذه المقالة، بأنه من الممكن التأريخ للظاهرة الأدبية في الإمارات منذ قرابة القرنين وتحديدا مع الاتفاقية التي أبرمتها حكومة شركة الهند الشرقية مع حكام الإمارات والتي تُعرف باتفاقية العام 1820، بوصفها فرضت على عرب الساحل وضعا جديدا لم تعرف منطقة الخليج العربي خلاصا حقيقيا منه إلا مع نشأة الدولة العام 1971. إن قارئ بنود تلك الاتفاقية يدرك تماما أن ثمة الكثير من تلك البنود كانت تستهدف كسر شوكة المنطقة بعد قيام الأساطيل البريطانية بتحطيم القوة البحرية العربية الناشئة هنا آنذاك، وتدمير القلاع والحصون والأسوار فضلاً عن أنها كانت تستهدف تجميد المنطقة عصر سابق وإرغامها على البقاء فيه، إن بالإمعان في تفتيتها أو محاصرتها بمنعها من استيراد مواد أولية قد تتيح لها أن تقف من جديد. تماما كما يريد الإسرائيليون للفلسطينيين الآن. ربما استفزّ ذلك لاوعيا جمعيا ما لمنطقة الخليج، أو حرّك في اللاوعي الجمعي ميكانيزمات دفاع جعلتها تحفظ ثقافتها وذاكرتها بأنساق معرفية شفوية جاء كردّ فعل مباشر على ما حدث. هو اجتهاد وتأويل ومحاولة قراءة، ليس إلا. التوقعات والواقع يبدو أن رصد المسافة الفاصلة بين التوقعات، التي غالبا ما تكون شخصية ولا تستند إلى مرجعيات بالمعنى الكلاسيكي للكلمة، من جهة، وبين واقع الأمر، من جهة أخرى، عبارة عن مهمة عسيرة لابد أن يطالها الخطأ من هنا أو هناك، خاصة وأن هذا الرصد يتعلق بالأدب بوصفه ممارسة ثقافية وتعبيراً عن موقف من المعرفة والعالم. يتطلَّب الأمر التعرّض لمجمل الاتجاهات الفنيّة المختلفة التي سادت سابقا وتلك السائدة الآن، وكذلك المضامين المتنوعة، وتجليات تلك الاتجاهات في منجز إبداعي واضح وراسخ إلى حدّ أنّه بات واحدا من الكلاسيكيات المتوافَق عليها صراحة وضمنا. بمعنى آخر، من أين يبدأ التأريخ للأدب بوصفه ظاهرة تاريخية؟ من التاريخ ذاته؟ من التاريخ السياسي أم الاجتماعي؟ بظهور المجتمعات واستقرارها في هيئة مدن؟ أم برصد منعطف ما من المنعطفات الحادّة التي يمرّ بها مجتمع راسخ بحيث يمثّل هذا المنعطف حدثاً أدبياً فاصلًا بين مرحلتين أو بداية لظهور اتجاه أو تيّار أدبي يضع خطا صريحا وقويا فاصلا بين الشفوي والكتابي؟ وذلك بدءا من الأصل. أيضا، ألا يتأثر أي تأريخ اجتماعي للظاهرة الأدبية بالتاريخ السياسي وكذلك الاقتصادي؟ وإلى جوار ذلك، ما علاقة ظاهرة «المدينة» أو «الحاضرة» بهذا التأريخ وإلى أي حدّ من الممكن أن يتأثر بالتطور الاجتماعي؟ والمقصود هنا بالتطور الاجتماعي هو تحقّق الفردية واعتراف المجتمع بها وصونها بقوانين وممارسات تكفل للأفراد، من الرجال والنساء، التعبير عن أنفسهم بأي مستوى من مستويات الحرية الشخصية ووجود مناخات أدبية باعثة ومحفزة على الإبداع بوصفه ظاهرة اجتماعية تُعنى بها الدولة وبالتالي المجتمع بمختلف شرائحه وطبقاته. وهذا بدوره يقود إلى طرح الأسئلة ذاتها عند الحديث عن الحداثة وما بعدها، وعن صلتهما بالتطورات الراهنة في أي مجتمع. هنا يمكن أخذ ملاحظتين متعاقبتين من الحداثة وما بعدها ومن الشفوي والمكتوب. إماراتيا، يمكن البدء من اتفاقية العام 1820 مع الاستعمار الانجليزي، حيث كان المجتمع شفويا تماما وينتج ثقافة وأدبا شفويين في سياق موغل في تقليديته، هكذا ظهر العديد من الشعراء الذين أسهموا في تأسيس تقاليد عريقة للشعر النبطي ما تزال آثارها فاعلة حتى اليوم. إن جملة الشروط السياسية والعسكرية التي فرضتها الاتفاقية والتي وقّعتها الإمارات العربية جميعا باستثناء الفجيرة، قد فرضت حالة من الإحساس لدى عرب الساحل أنهم مُستهدفون بالإمعان في التقسيم وحاصرتهم في رزقهم وعيشهم لأن العرب نافسوا القوة البريطانية على مصالحها في الخليج العربي والمحيط الهندي، لذا كان لزاما ردم هذه القوة ومنع إعادة تشكّلها بزيادة قسمتها. لقد حددت تلك المعاهدة عرب الساحل براية واحدة وميزتهم بها لتصير هويتهم الجديدة، وبموجب بنودها منع على العرب استيراد الأخشاب، مثلا، لأن من الممكن استخدامها في صنع السفن. ما يعني مُنع على العرب أي تطلُّع إلى التطور بل لا مبالغة في القول بأنه قد فُرض عليهم الحرمان من الحداثة والعيش في العصر الذين كانوا يحيون فيه مع «الآخر» بكل تنويعات هذا «الآخر». العالم والذات ثمة أمران هنا، يمكن تحديدهما على النحو التالي: الإحساس بالذات والعالم من جهة، والهوية. إن حراكهما في المجتمع، أي مجتمع على الاطلاق بطيء، لأنهما يتصلان مباشرة بالثقافة السائدة، وتحديدا الثقافة الشعبية. أغلب الظن أن الوضع الناشئ في الامارات كان قد أثر على تصوّر الناس عن ذاتهم وعن الآخر، فما كان متاحا في السابق لم يعد متاحا الآن، والقوة التي كانت متوفرة لديهم تمّ القضاء عليها وعبر زمن قصير من خلال الخرق الذي حدث لهذه المعاهدة، بنى حاكم الشارقة آنذاك حصنا أصبح أثرا من بعد عين، فهم العرب جميعا هنا أن العالم قد اختلف مع توقيع بنود المعاهدة، ولا محيد عن الاستمرار في الوضع الراهن، باختصار ليس سوى التبعية لحكومة شركة الهند الشرقية في بومباي. لذلك كان من الطبيعي أن يظهر ردّ الفعل في الحقل الثقافي، وأغلب الظن أن المجتمع كان يدافع عن تصوّره عن نفسه ويعرب عن تمسكه بصورته الماضية بحاضنة ثقافية شفوية بحكم أن التعليم لم يكن منتشرا أبدا آنذاك. بمعنى آخر، إن الحضور المتسلط لـ»الآخر» في هيئة مستعمر أو محتل يحفز على إنتاج تصوّر عن الذات وعن العالم حيث من غير الممكن لإعادة الانتاج هذه أن توجد بمعزل عن واقع اجتماعي تاريخي بعينه، أي أن هذا المجتمع سوف يُعيد إنتاج «مسرودة» كبرى محورها علاقة الذات بالعالم والعصر الذي تعيش وتتنفس فيه. لذلك كان من الطبيعي أن تكون الحاضنة الثقافية شفوية، فالخبرات البشرية تفيد بأنه من الممكن للشفوي أن يحفظ الذاكرة الجمعية من الضياع، وكذلك ليس الكتابة والقراءة وحدهما هما اللذان يقتصر عليهما أنهما ناقلان للمعرفة، أثبتت التجربة البشرية أن الشفوي ليس بأقل أهمية من المكتوب من حيث هو وثيقة تاريخية. ولأن «الكلام» أقرب إلى الطبع والغريزة الانسانيين جاء الشعر الشعبي، أو النبطي، ليحفظ هذه الذاكرة الجمعية للناس هنا وبدءا من ذلك الزمن، أما لماذا استمر شفويا، فلذلك بالتأكيد المتصلة ببنية المجتمع الامكانات المتاحة فيه في ظل ظروفه الخاصة، أي أن الأسباب متعددة ومتداخلة ومعقّدة أيضا. ظاهرة بن ظاهر بالتأكيد كان الشعر الشعبي، أو النبطي، بوصفه ظاهرة أدبية موجودا آنذاك، وممتدا إلى ما قبل تاريخ تلك المعاهدة، لكن أليس من للانتباه أن يرتبط ظهور الشاعر الماجدي ابن ظاهر، الشاعر الأقدم والأشهر في دولة الإمارات العربية المتحدة والذي ولد في امارة رأس الخيمة، وقد عاش خلال الفترة ما بين العامين (1781 م ــ 1871 م)؟. ولتُعرف ابنته الوحيدة الشاعرة «سلمى» بأنها جدّة الشعراء الاماراتيين وتحفظها الذاكرة الشعبية من الضياع؟ ثم ليسجل تاريخ الظاهرة الأدبية في الامارات خلال تلك الفترة ظهور شاعر آخر هو الشيخ خليفة بن شخبوط الذي كان حاكما لأبوظبي بين العامين (1833 ـ 1845م)؟. لقد عاش الرجلان تلك الفترة بكل تفاصيلها. ومن المعروف لدى الكثير من الباحثين في الشعر النبطي، أو بحسب ما تناقلته الكثير من المواقع على الشبكة الالكترونية دون إشارة لأي مرجع، أن الشعراء الشعبيين يزنون القصيدة بالهيجنة، أي الغناء الفلكلوري سريع الإيقاع، ولكي يتأكدوا من صحة وزن القصيدة واستقامتها على هذا الوزن يجب أولاً أن يعرفوا بحرها ثم يقومون بغنائها على هذا البحر فإذا لم يتعثر الغناء في بيت أو شطر عرفوا ان القصيدة مستقيمة وموزونة. إن اختيار هذه الطريقة في قول الشعر يسمح للمتلقي العادي أن يحفظ الشعر في الذاكرة الشعبية وأن يبقى ويستمر، لذلك لم يكن غريبا أن يُطبع ديوان ابن ظاهر لأول مرة في العام 1963، على الرغم من مرور قرابة القرن ونصف على رحيله. ويبدو أن ابن ظاهر كان فاتحة لسلسلة من الشعراء الشعبيين الذين سجّلوا أيام زمانهم وبيئتهم المحلية وأحوال الناس وما درجوا عليه من عادات وقِيَم وكذلك الأمكنة بل حتى اختلاف المجتمعات ما بين الحضري والجبلي والبدوي، فقدموا بذلك أفكارا عن التطورات التي كانت تطرأ على مجتمعاتهم إلى أن جاء زمن أصبح من الممكن للكتاب أن يكون حافظا للذاكرة الاجتماعية والتاريخية الإماراتية. لكن ينبغي القفز عن هذه المرحلة المفصلية في تاريخ المنطقة، لنبلغ إلى الفترة الممتدة من مطالع القرن العشرين حتى منتصف القرن الماضي، حيث نشأ وعي شخصي لدى العديد من أبناء الإمارات ومن خلاله أدركوا تلك الفجوة التي تفصل منطقة الخليج العربي برمتها، ليس محيطها العربي، بل عن العالم أيضا. إنهم كبار التجار أولئك الذين أبحروا باتجاه السواحل العربية والهندية والأفريقية ليعودوا من بعد كل رحلة موقنين أكثر بأن الاستعمار لن يفعل شيئا في تفعيل أي تطور اجتماعي ـ اقتصادي، فلم يقم ذلك الاستعمار بشقّ طريق أو بناء مدرسة أو تأسيس مستشفى حديث، بمقاييس تلك الأثناء، إلا لتلبية احتياجاته هو ولهدف واضح هو ربط هذه المنطقة بالاحتياجات الحيوية واللوجستية لشركة الهند الشرقية. التجار الشعراء الأرجح، أن إدراك هذا الأمر هو ما دفع كبار تجار الإمارات والمنطقة إلى المبادرة بتأسيس بنية تحتية للثقافة بإنشاء المدارس شبه النظامية التي كانت تعلم القرآن ومبادئ اللغة والشعر، وكذلك المكتبات ورعاية حلقات الدرس في المساجد لتعليم الأطفال القراءة والكتابة والعودة إلى الكلاسيكيات العربية في الأدب، خاصة بالنسبة للشعر ونقده، في الوقت نفسه الذي لم تتبلور فيه بوادر لأشكال أدبية أخرى وظلت الثقافة الشفوية هي الأكثر شيوعا. الكثير من تجّار ذلك الزمان كانوا من المثقفين أيضاً أو بالأحرى شعراء كتبوا الشعر الكلاسيكي العربي وكانوا البوابة التي هبّت منها رياح الثقافة العربية القادمة من المراكز المتمثلة آنذاك بالعراق وبلاد الشام ومصر والمغرب، أيضا دخل هؤلاء المثقفون في السجال الثقافي العربي، وبفضلهم تبلورت «ذات» ثقافية عربية منحت المنطقة هويتها العربية والاسلامية التي تحدد هوية المجتمع والدولة الآن، مثلما كانت سابقا، قبل قرون طويلة من العزلة والاستعمار. في هذا الصدد يمكن العودة إلى الجهد المميز الذي بذلته الباحثة ناديا محمد علي فوّاز في أطروحتها الجامعية «الدور الحضاري لطبقة تجّار الإمارات في النصف الأول من القرن العشرين» والصادرة في كتاب عن منشورات دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة العام 2011، بوصفه بحثا في الانثربولوجا الثقافية، وكذلك كتاب: «تاريخ في السماوات العربية ـ أثر الملاحة الجوية على (نشأة) الشرق الأوسط»، للكاتب الصحفي البريطاني جيرالد بوت الصادر عن دار الرمال للنشر بوصفه استقصاء في تاريخ المنطقة عبر الوثائق. لقد تركت هذه الطبقة المرجعية التاريخية والابداعية الملموسة، عبر شخصياتها ومنجزها، للأدب في الامارات، بوصفه أدبا عربيا ينتمي إلى زمنه ومشاغل ثقافته العربية في ذلك الزمن. هذه المرجعية هي التي يمكن التعامل معها باعتبارها الإرث الأدبي والثقافي الحديث الذي يرتبط به الأدب الاماراتي، عميقا والآن، بكل ما للكلمة من معنى. نشأة الدولة وبدءا من الخمسينيات، تقريبا، أو قبل ذلك بقليل، وحتى نشأة الدولة وظهور المؤسسات، التي تتبع الدولة أو تلك التي ما زالت تستلهم تراث تلك الطبقة من كبار التجّار، شهدت الامارات ظهور أنماط للاختلاط الاجتماعي بدا أنه حديث على المجتمع كالأندية الرياضية التي كان اهتمامها بالثقافة مثيرا للانتباه، إنما لعب التعليم والابتعاث الأكاديمي المتخصص والجامعي دورا كبيرا في تبلور شخصية ثقافية ذات ملامح وطنية ومحددة الهوية بأبعاد عربية واسلامية هضمت مجمل التيارات الفكرية التي كانت واسعة الانتشار آنذاك، وبمعنى ما لم تعد المنطقة معزولة كما كانت من قبل. لكن الثقافة الشفوية، وبالطبع في القلب منها الشعر الشعبي، كانت هي التي ما تزال سائدة، بل شهدت انتشارا أوسع مع ظهور الإذاعة وظهور المطبوعات ورغم الانتشار الواسع للتعليم، إذ يُسجَّل هنا أن أول ديوان مكتوب وفقا للقصيدة العربية الكلاسيكية قد طُبع في العام 1968 للشاعر راشد الخضر، وفي العام 1971 ظهرت أولى إرهاصات الكتابة الروائية: شاهندة، لرجل الدبلوماسية الاماراتي والروائي راشد عبد الله النعيمي. لقد أسس المعلمون والمدرسون القادمون من مختلف البلاد العربية إلى الامارات البنية الأساسية للتعليم، في غير إمارة من الامارات خلال تلك الفترة السابقة على نشأة الدولة. كان هذا التعليم حكوميا ذاتيا ومدعوما من دولة الكويت التي أسهمت في نشر التعليم والإعلام بشكليهما الحديثين، وبالتالي في نشر الثقافة، ومن طلبة تلك الفترة برز عدد من المثقفين الاماراتيين الذين أسسوا المشهد الثقافي والابداعي لاحقا، أي بعد نشأة الدولة مثلما كانوا جزءا من نسيجها وتبوؤا مناصب سياسية وحكومية فيها، كانت في كثير من الأحيان بعيدة عن الحقل الثقافي في جانبه الرسمي. كان ظهور مؤسسات الدولة والحكومات الذاتية مؤثرا في تبلور حركة ثقافية ناشئة خلال السبعينيات من القرن الماضي، لكن الحداثة في الأدب بوصفها امتداداً للحداثة الأدبية العربية وجزءاً منها كانت سابقة على نشأة الدولة، إذ، ربما، بدأ ذلك الكسر للإيقاع الكلاسيكي للشعر عموما، الشعبي أو المكتوب باللغة العربية الفصيحة، يجد أول تجلياته مع شعراء كتبوا الشكلين الشعريين: الشعبي والفصيح، من طراز راشد الخضر، الذي ترك أثراً على البعض من كتّاب الشعر الشعبي والفصيح معا في الثمانينيات مثل الشاعر أحمد راشد ثاني (1963 ـ 2012). غير أن أولى تجليات الحداثة الشعرية قد ظهرت مع الشاعرين: حبيب الصايغ وظبية خميس مطلع الثمانينيات، لكن ظهور الصحافة في الدولة، على نحو مبكر، قد بكّر أيضا في التبشير بموهبتهما منذ السبعينات. شكّل ديوانا: «خطوة فوق الأرض» الصادر عام 1981 لظبية خميس و»هنا بار بني عبس، الدعوة عامة» الصادر العام 1980 لحبيب الصايغ متبوعا بـ»التصريح الأخير للناطق باسم نفسه»، علامة فارقة فتحت بابا واسعا أمام شعراء وكتّاب شبّان آخرين من خريجي الدفعات الأولى لجامعة الامارات في العين هذه الجامعة التي منها انطلقت أسس معرفية أخرى لعلاقة الأدب بالمجتمع ودوره فيه، مثلما فتحت أبوابا أخرى للحداثة في الأدب الاماراتي الذي أخذت تتبلور فيه أشكال جديدة للأدب خاصة القصة القصيرة وقصيدة النثر. حراك ثمانيني يمكن القول إن الثمانينيات، وقد شهدت تأسيس اتحاد كتّاب وأدباء الإمارات، كانت هي التي أنتجت الحراك الثقافي في الامارات عربيا، إذ أن هذه الدولة فتحت أبوابها لتيارات مختلفة في الأدب العربي الراهن حتى أن كل «جيل أدبي» بات ينتمي أكثر إلى الجيل الأدبي العربي ذاته لجهة الحساسية الأدبية والذائقة والجماليات والموقف من الشكل والمضمون. كان الحراك الأدبي في الامارات، والثقافي عموما، يمور بقلق معرفي وأسئلة عميقة عن علاقة المبدع بالعالم والبيئة والمحيط، والكتابة والجدوى منها، غير أن كل ذلك قد انطفأ بعد العام 1991 وانكفأ المثقف والمبدع الاماراتي، والعربي إجمالا، بسبب الضغوطات السياسية التي خلّفتها حرب الخليج الثانية. ثمة الكثير من المبدعين أن الذين انسحبوا من المشهد الثقافي بصمت، وآثروا الانشغال بأسباب العيش والحياة. لكن الذين استمروا بعد ذلك بات الكثير منهم معروفا على مستوى المنطقة دون الحاجة لذكر أسماء هنا فهي كثيرة. تسعينيات القرن الماضي شهدت بروز العديد من الأسماء في الحقول الأدبية جميعا وكذلك فاتحة هذا القرن، لكن بروز دور المرأة الاماراتية، مبدعة وشاغلة لموقع رفيع في المؤسسات الثقافية، يبدو ملمحا بارزا اليوم في المشهد الأدبي الإماراتي، خاصة في القصة القصيرة التي تجددت، بالفعل، على أيدي بعض الكاتبات الشابات، في مقابل ذلك ما زال حضور الرواية ضعيفا ويتحدد باسمين أو ثلاثة لا أكثر. أما النقد الأدبي فلم يكن ممارسة فعلية من قبل أبناء الحراك ذاته، لقد تكفل بذلك نقّاد عرب وافدون يشغلون مواقع أكاديمية ويعيشون في شبه عزلة تقريبا عن البيئة الأدبية والحياة الاجتماعية للأدب. والسمة الغالبة على هذا النقد هي ميله، غالبا، باتجاه المجاملة إلى حدّ الإفراط؛ وغياب المنهجية واقتراب صنيعه من صنيع الصحافة اليومية، أي أن الأدب بوصفه طرح أفكار على أفكار، بالقياس إلى ما كان سائدا في الدرس النقدي العربي القديم من أن النقد هو كلام على كلام في نقد الشعر؛ وكذلك اقتحام هذا المشهد من قِبَل غير المتخصصين به، إلى درجة أن الكثير من المبدعين الاماراتيين لا يخفون أنه نقد مزعج من فرط ما أنه قائم على المبالغات. ومن الملامح البارزة أيضا، فثمة تلك الاستمرارية في حضور الثقافة الشفوية بكل تجلياتها إلى حدّ من غير الممكن تجاوزها.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©